٤٠

٤٤

قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ قيل هو جبريل.

وقيل : هو ملك أيد اللّه به سليمان

وقيل هو آصف بن برخيا وكان صديقا يعلم اسم اللّه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى

وقيل هو سليمان نفسه لأنه أعلم بني إسرائيل بالكتاب وكان اللّه قد آتاه علما وفهما ، فعلى هذا يكون المخاطب العفريت الذي كلمه فأراد سليمان إظهار معجزة ، فتحداهم أولا ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتأتى للعفريت قيل : كان الدعاء الذي دعا به : يا ذا الجلال والإكرام

وقيل : يا حي يا قيوم. وروي ذلك عن عائشة وروي عن الزهري قال دعاء الذي عنده علم من الكتاب : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ، ائتني بعرشها ، وقال ابن عباس : إن آصف قال لسليمان حين صلى مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد سليمان عينيه ونظر نحو اليمن ودعا آصف ، فبعث اللّه الملائكة فحملوا السرير يجرون به تحت الأرض ، حتى نبع من بين يدي سليمان

وقيل : خر سليمان ساجدا ودعا باسم اللّه الأعظم فغاب العرش تحت الأرض حتى ظهر عند كرسي سليمان فقال :

ما قال أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قال سليمان : هات قال أنت النبي ابن النبي وليس أحد عند اللّه أوجه منك فإن دعوت اللّه كان عندك : قال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت فَلَمَّا رَآهُ يعني رأى سليمان العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ أي محولا إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي يعني لتمكن من حصول المراد أَأَشْكُرُ أي نعمته علي أَمْ أَكْفُرُ فلا أشكرها وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما

يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ

أي يعود نفع شكره إليه وهو أن يستوجب به تمام النعمة ، ودوامها لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ أي عن شكره لا يضره ذلك الكفران كَرِيمٌ يعني بالإفضال عليه لا يقطع نعمة عنه بسبب إعراضه عن الشكر وكفران النعمة قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها يعني غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته قيل : هو أن يزاد فيه أو ينقص منه

وقيل : إنما يجعل أسفله أعلاه ويجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي إلى معرفة عرشها أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ إلى معرفته ، وإنما حمل سليمان على ذلك ما قال وهب ومحمد بن كعب ، وغيرهما أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن ، لأن أمها كانت جنية وإذا ولدت ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها ، وقالوا : إن في عقلها شيئا وإن رجلها كحافر الحمار ، وإنها شعراء الساقين فأراد سليمان ، أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ لها أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ قيل : إنها عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها ،

وقيل : إنها كانت حكيمة لم تقل نعم خوفا من الكذب ولا قالت : لا خوفا من التكذيب أيضا فقالت : كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها بحيث لم تقر ولم تنكر اشتبه عليها أمر العرش ، لأنها تركته في بيت عليه سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها قيل فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب ثم قالت وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها يعني من قبل الآية في العرش وَكُنَّا مُسْلِمِينَ يعني منقادين مطيعين خاضعين لأمر سليمان

وقيل :

قوله تعالى وأوتينا العلم أي باللّه وبصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبلها أي من قبل الآية في العرش ، وكنا مسلمين أو معناه وأوتينا العلم

باللّه ، وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة وكنا مسلمين ويكون الغرض من هذا شكر نعمة اللّه عليه أن خصه بمزيد العلم ، والتقدم في الإسلام

وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها طائعة وكنا مسلمين للّه.

قوله تعالى وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني منعتها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة اللّه

وقيل معناه صدها سليمان ، عما كانت تعبد من دون اللّه وحال بينها وبينه إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ أخبر اللّه أنها كانت من قوم يعبدون الشمس ، فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ

وذلك أن سليمان لما اختبر عقلها بتنكير العرش وأراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفهما لما أخبرته الجن أن رجليها كحافر حمار ، وهي شعراء الساقين أمر الشياطين ، فعملوا لها قصرا من الزجاج الأبيض كالماء

وقيل : الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء ، وألقى فيه السمك والضفادع وغيرهما من دواب البحر ثم وضع سريره في صدر المجلس وجلس عليه

وقيل إنما عمل الصرح ليختبر به فهمها كما فعلت في الوصفاء والوصائف.

فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، ولما جاءت قيل لها ادخلي الصرح لَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً

أي ماء عظيما كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها

لتخوض الماء إلى سليمان ، فإذا هي أحسن النساء ساقا وقدما إلا أنها كانت شعراء الساقين فلما نظر سليمان ذلك صرف بصره عنهاالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ

أي مملس نْ قَوارِيرَ

زجاج وليس بماء فحينئذ سترت ساقيها وعجبت من ذلك وعلمت أن ملك سليمان من اللّه تعالى واستدلت بذلك على التوحيد والنبوةالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي

بعبادة غيرك أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

أي أخلصت له التوحيد والعبادة ،

وقيل : إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت : في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا فلما تبين لها خلاف ذلك قالت : رب إني ظلمت نفسي بذلك الظن. واختلفوا في أمر بلقيس بعد إسلامها ، فقيل انتهى أمرها إلى قولها أسلمت للّه رب العالمين ولا عمل لأحد وراء ذلك ، لأنه لم يذكر في الكتاب ولا في خبر صحيح

وقال بعضهم : تزوجها سليمان وكره ما رأى من كثرة شعر ساقيها ، فسأل الإنس عما يذهب ذلك فقالوا الموسى. فقالت المرأة إني لم يمسني حديد قط فكره سليمان الموسى وقال : إنها تقطع ساقيها

فسأل الجن فقالوا لا ندري فسأل الشياطين. فقالوا : نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة ، والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذ. فلما تزوجها سليمان أحبها حبا شديدا ، وأقرها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ، وهي سلحين وبيسنون وغمدان ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة ، ويقيم عندها ثلاثة أيام يبكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام وولدت له ولدا ذكرا. وقال وهب : زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختاري رجلا من قومك حتى أزوجك إياه ، فقالت : ومثلي يا نبي اللّه ينكح الرجال وقد كان لي من قومي الملك والسلطان ، قال : نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل اللّه قالت : فإن كان ولا بد فزوجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن ، وملك زوجها ذا تبع على اليمن ، ودعا زوبعة ملك الجن وقال له اعمل لذي تبع ما استعملك فيه فلم يزل يعمل له ما أراد إلى أن مات سليمان وحال الحول ، وعلم الجن موت سليمان ، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته : يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك سلمان وملك ذي تبع وملك بلقيس ، وبقي الملك للّه الواحد القهار قيل إن سليمان ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.

قوله عز وجل :

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩)

﴿ ٤٤