٣٦٣٧وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد اللّه بن جحش ، وأمهما أمية بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خطب زينب لمولاه زيد بن حارثة وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اشترى زيدا في الجاهلية بعكاظ وأعتقه ، وتبناه فلما خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثة أبت وقالت : أنا ابنة عمتك يا رسول اللّه فلا أرضاه لنفسي ، وكانت بيضاء جميلة وفيها حدة وكذلك كره أخوها ذلك فأنزل اللّه تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعني عبد اللّه بن جحش وَلا مُؤْمِنَةٍ يعني أخته زينب إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً يعني نكاح زيد لزينب أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ أي الاختيار على ما قضى ، والمعنى أن يريد غير ما أراد اللّه أو يمتنع مما أمر اللّه ورسوله به وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً أي أخطأ خطأ ظاهرا فلما سمعت بذلك زينب وأخوها رضيا وسلما وجعلت أمرها بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، فأنكحها زيدا ودخل بها وساق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليهما عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ، ودرعا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر. قوله عز وجل وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ الآية نزلت في زينب ، وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما زوجها من زيد مكثت عنده حينا ، ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتى زيدا ذات يوم لحاجة فأبصر زينب في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ، ذات خلق من أتم نساء قريش وقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال (سبحان اللّه مقلب القلوب) وانصرف فلما جاء زيد ذكرت له ذلك ففطن زيد وألقى في نفسه كراهيتها في الوقت وأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : إني أريد أن أفارق صاحبتي فقال له (ما لك أرابك منها شي ء) قال : لا واللّه يا رسول اللّه ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها تتعظم علي بشرفها وتؤذيني بلسانها فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : (أمسك عليك زوجك واتق اللّه في أمرها) ثم إن زيدا طلقها فذلك قوله عز وجل وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أي بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أي بالإعتاق وهو زيد بن حارثة مولاه أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ يعني زينب بنت جحش وَاتَّقِ اللَّهَ أي فيها ولا تفارقها وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ أي تسر وتضمر في نفسك مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ أي مظهره قيل كان في قلبه لو فارقها تزوجها قال ابن عباس : حبها وقيل ود أنه طلقها وَتَخْشَى النَّاسَ قال ابن عباس تستحييهم وقيل تخاف لائمتهم أن يقولوا أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قال عمر وابن مسعود وعائشة : ما نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم آية هي أشد من هذه الآية ، وعن عائشة قالت : لو كتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب. فصل فإن قلت : ما ذكروه في تفسير هذه الآية ، وسبب نزولها من وقوع محبتها في قلب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عند ما رآها وإرادته طلاق زيد لها فيه أعظم الحرج ، وما لا يليق بمنصبه صلّى اللّه عليه وسلّم من مد عينيه لما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا. قلت : هذا إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وبفضله وكيف يقال رآها فأعجبته وهي بنت عمته ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو زوجها لزيد ، فلا يشك في تنزيه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن أن يأمر زيدا بإمساكها ، وهو يحب تطليقه إياها ذكر عن جماعة من المفسرين. وأصح ما في هذا الباب ما روي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني زين العابدين بن علي بن الحسين قال ما يقول الحسن في قوله تعالى وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قلت : يقول لما جاء زيد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه إني أريد أن أطلق زينب أعجبه ذلك ، وقال أمسك عليك زوجك واتق اللّه فقال علي بن الحسين ليس كذلك فإن اللّه عز وجل ، قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد قال : إني أريد أن أطلقها قال له : أمسك عليك زوجك فعاتبه اللّه تعالى وقال لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن اللّه تعالى أعلم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال تعالى (زوجناكها) فلو كان الذي أضمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه ، ولا يظهره فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه اللّه أنها ستكون زوجته وإنما أخفى ذلك استحياء أن يخبر زيدا أن التي تحتك وفي نكاحك ستكون زوجتي وهذا قول حسن مرضي ، وكم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من اطلاع الناس عليه وهو في نفسه مباح متسع ، وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند اللّه وربما كان الدخول في ذلك المباح سلما إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين وهو إنما جعل اللّه طلاق زيد لها ، وتزويج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته كما قال اللّه تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وقال لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ فإن قلت فما الفائدة في أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم زيدا بإمساكها. قلت : هو أن اللّه تعالى أعلم نبيه أنها زوجته فنهاه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، عن طلاقها وأخفى في نفسه ما أعلمه اللّه به فلما طلقها زيد خشي قول الناس يتزوج امرأة ابنه فأمره اللّه تعالى بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته ، وقيل : كان في أمره بإمساكها قمعا للشهوة وردا للنفس عن هواها وهذا إذا جوزنا القول المتقدم الذي ذكره المفسرون وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد ، ومثل ذلك لا يقدح في حال الأنبياء ، مع أن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء ، وأنه رآها فجأة فاستحسنها ومثل هذه لا نكرة فيه لما طبع عليه البشر من استحسان الحسن ، ونظرة الفجأة معفو عنها ما لم يقصد مأثما لأن الود وميل النفس من طبع البشر واللّه أعلم. وقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ أمر بالمعروف ، وهو حسن لا إثم فيه وقوله وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ لم يرد به أنه لم يكن يخشى اللّه فيما سبق فإنه عليه الصلاة والسلام ، قد قال أنا أخشاكم للّه وأتقاكم له ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ، ذكر أن اللّه أحق بالخشية في عموم الأحوال في جميع الأشياء. قوله عز وجل فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي حاجته منها ، ولم يبق له فيها أرب وتقاصرت همته عنها وطابت عنها نفسه وطلقها ، وانقضت عدتها وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبني تحل بعد الدخول بها زَوَّجْناكَها قال أنس : كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم تقول : زوجكن آباؤكن وزوجني اللّه من فوق سبع سموات ، وقال الشعبي : (كانت زينب تقول للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم إني لأدل عليك بثلاث ما من امرأة من نسائك تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك اللّه في السماء وإن السفير جبريل عليه السلام) (م) عن أنس قال لما انقضت عدة زينب ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، لزيد : اذهب فاذكرها على قال فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال : فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول اللّه ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت يا زينب أرسل رسول اللّه يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، فدخل عليها بغير إذن قال : فلقد رأيتنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار فخرج الناس ، وبقي أناس يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن يا رسول اللّه كيف وجدت أهلك قال : فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أم غيري قال فانطلق حتى دخل البيت ، وذهبت لأدخل معه فألقى الستر بيني وبينهم ونزل الحجاب (ق) عن أنس قال ما أولم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على شيء من نسائه ، ما أولم على زينب أولم بشاة وفي رواية أكثر وأفضل ، ما أولم على زينب قال ثابت : بم أولم قال أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه. قوله عز وجل لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ أي إثم فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ جمع الدعي وهو المتبني إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً يقول : يقول زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي كنت تبنيته ، ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وإن كان قد دخل بها المتبني بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا أي قضاء اللّه ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قوله تعالى : ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) |
﴿ ٣٦ ﴾