٢١

٢٢

قوله عز وجل : وَهَلْ أَتاكَ أي وقد أتاك يا محمد نَبَأُ الْخَصْمِ أي خبر الخصم فاستمع له نقصصه عليك.

وقيل ظاهره الاستفهام ومعناه الدلالة على أنه من الأخبار العجيبة والتشويق إلى استماع كلام الخصماء والخصم يقع على الواحد والجمع إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ أي صعدوا وعلوا المحراب أي بالبيت الذي كان يدخل فيه داود يشتغل بالطاعة والعبادة والمعنى أنهم أتوا المحراب من سوره وهو أعلاه ، وفي الآية قصة امتحان داود عليه الصلاة والسلام. واختلف العلماء بأخبار الأنبياء في سبب ذلك وسأذكر ما قاله المفسرون ثم أتبعه بفصل فيه ذكر نزاهة داود عليه الصلاة والسلام عما لا يليق بمنصبه صلّى اللّه عليه وسلّم لأن منصب النبوة أشرف المناصب وأعلاها فلا ينسب إليها إلا ما يليق بها

وأما ما قاله المفسرون (١) إن داود عليه الصلاة والسلام تمنى يوما من الأيام منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وذلك أنه كان قد قسم الدهر ثلاثة أيام يوم يقضي فيه بين الناس ، ويوم يخلو فيه لعبادة ربه عز وجل ويوم لنسائه وأشغاله. وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فقال يا رب أرى الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي ، فأوحى اللّه إليه أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها فصبروا عليها ابتلي إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنمرود وذبح ابنه ، وابتلي إسحاق بالذبح وبذهاب بصره وابتلي يعقوب بالحزن على يوسف. فقال داود عليه الصلاة والسلام رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم صبرت أيضا فأوحى اللّه عز وجلّ إنك مبتلى في شهر كذا في يوم كذا فاحترس.

فلما كان اليوم الذي وعده اللّه به دخل داود محرابه وأغلق بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور فبينما هو كذلك إذ جاءه الشيطان وقد تمثل له في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن وجناحاها من الدر والزبرجد فوقعت بين رجليه فأعجبه حسنها فمد يده ليأخذها ويريها بني إسرائيل لينظروا إلى قدرة اللّه تعالى فلما قصد أخذها طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها فامتد إليها ليأخذها فتنحت فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة فذهب ليأخذها فطارت من الكوة فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها له ، فأبصر امرأة في بستان على شاطئ بركة تغتسل

وقيل رآها تغتسل على سطح لها فرآها من أجمل النساء خلقا فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله فنقضت شعرها فغطى بدنها فزاده ذلك إعجابا بها فسأل عنها فقيل هي شايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود فكتب داود إلى ابن أخته أن أبعث أوريا إلى موضع كذا وقدمه قبل التابوت وكان من قدم

________

(١) قوله

وأما ما قاله المفسرون إلخ لم يذكر جوابه وقد ذكره صاحب الكشاف فقال بعد ذكر القصة فهذا ونحوه ما يقبح أن يحدث به عن بعض المتسمين بالصلاح من أبناء المسلمين فضلا عن بعض أعلام الأنبياء ا ه.

على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح اللّه على يديه أو يستشهد فبعثه ففتح له فكتب إلى داود بذلك فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا أشد منه بأسا فبعثه ففتح له فكتب إلى داود بذلك فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا أشد منه بأسا فبعثه فقتل في المرة الثالثة فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود فهي أم سليمان عليه الصلاة والسلام.

وقيل إن داود أحب أن يقتل أوريا فيتزوج امرأته فهذا كان ذنبه. وقال ابن مسعود : كان ذنب داود أنه التمس من الرجل أن ينزل له عن امرأته.

وقيل كان ذلك مباحا لهم غير أن اللّه عز وجل لم يرض لداود ذلك لأنه رغبة في الدنيا وازدياد من النساء وقد أغناه اللّه تعالى عنها بما أعطاه من غيرها.

وقيل في سبب امتحان داود أنه كان جزأ الدهر أجزاء يوما لنسائه ويوما للعبادة ويوما للحكم بين بني إسرائيل ويوما يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروا فقالوا هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا ، فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك

وقيل إنهم ذكروا فتنة النساء فأضمر داود في نفسه أنه إن ابتلى اعتصم فلما كان يوم عبادته أغلق عليه الأبواب وأمر أن لا يدخل عليه أحد وأكبّ على قراءة التوراة فبينما هو يقرأ إذ دخلت حمامة وذكر نحو ما تقدم فلما دخل بالمرأة لم يلبث إلا يسيرا حتى بعث اللّه عز وجلّ الملكين إليه.

وقيل إن داود عليه السلام ما زال يجتهد في العبادة حتى برز له حافظاه من الملائكة فكانوا يصلون معه فلما استأنس منهم قال أخبروني بأي شيء أنتم موكلون ، قالوا نكتب صالح أعمالك ونوافقك ونصرف عنك السوء فقال في نفسه : ليت شعري كيف أكون لو خلوني ونفسي وتمنى ذلك ليعلم كيف يكون فأوحى اللّه تعالى إلى الملكين أن يعتزلاه ليعلم أنه لا غنى له عن اللّه تعالى فلما فقدهم جد واجتهد في العبادة إلى أن ظن أنه قد غلب نفسه فأراد اللّه تعالى أن يعرفه ضعفه فأرسل طائرا من طيور الجنة وذكر نحو ما تقدم.

وقيل إن داود قال لبني إسرائيل لأعدلن بينكم ولم يستثن فابتلى

وقيل إنه أعجبه عمله فابتلى فبعث اللّه إليه ملكين في صورة رجلين وذلك في يوم عبادته فطلبا أن يدخلا عليه فمنعهما الحرس فتسورا عليه المحراب فما شعر إلا وهما بين يديه جالسان وهو يصلي يقال كانا جبريل وميكائيل فذلك

قوله عز وجل : وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ أي خاف منهما حين هجما عليه في محرابه بغير إذنه فقال لهما من أدخلكما عليّ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ أي نحن خصمان بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ أي تعدى وخرج عن الحد جئناك لتقضي بيننا.

فإن قلت إذ جعلتهما ملكين فكيف يتصور البغي منهما والملائكة لا يبغي بعضهم على بعض؟.

قلت هذا من معاريض الكلام لا على تحقيق البغي من

أحدهما والمعنى رأيت خصمين بغى

أحدهما على الآخر فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ أي لا تجر في حكمك وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ أي أرشدنا إلى طريق الحق والصواب فقال لهما داود تكلما فقال

أحدهما.

إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣)

﴿ ٢١