١٢١٥لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني مفاتيح الرزق في السموات يعني المطر وفي الأرض يعني النبات يدل عليه قوله تعالى : يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي أنه يوسع على ن يشاء ويضيق على من يشاء لأن مفاتيح الرزق بيده إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي من البسط والتضييق. قوله عز وجل : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أي ما بين وسن لكم طريقا واضحا من الدين ، أي دينا تطابقت على صحته الأنبياء وهو قوله تعالى : ما وَصَّى بِهِ نُوحاً أي أنه أول الأنبياء أصحاب الشرائع والمعنى قد وصيناه وإياك يا محمد دينا واحدا وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي من القرآن وشرائع الإسلام وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى إنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع المعظمة والأتباع الكثيرة وأولو العزم. ثم فسر المشروع الذي اشترك فيه هؤلاء الأعلام من رسله بقوله تعالى : أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ والمراد بإقامة الدين هو توحيد اللّه والإيمان به وبكتبه ورسله واليوم الآخر وطاعة اللّه في أوامره ونواهيه وسائر ما يكون الرجل به مسلما ، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها فإنها مختلفة متفاوتة قال اللّه تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وقيل أراد تحليل الحلال وتحريم الحرام ، وقيل تحريم الأمهات والبنات والأخوات فإنه مجمع على تحريمهن ، وقيل لم يبعث اللّه نبيا إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار للّه تعالى بالوحدانية والطاعة وقيل بعث اللّه الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أي من التوحيد ورفض الأوثان اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ أي يصطفي لدينه من يشاء من عباده وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ أي يقبل على طاعته وَما تَفَرَّقُوا يعني أهل الأديان المختلفة ، وقال ابن عباس : يعني أهل الكتاب إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي بأن الفرقة ضلالة بَغْياً بَيْنَهُمْ أي ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وقيل بغيا منهم على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ أي في تأخير العذاب عنهم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين من آمن وكفر يعني لأنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ أي اليهود والنصارى مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد أنبيائهم وقيل الأمم الخالية لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي من أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فلا يؤمنون به مُرِيبٍ يعني مرتابين شاكين فيه فَلِذلِكَ أي إلى ذلك فَادْعُ أي إلى ما وصى اللّه تعالى به الأنبياء من التوحيد وقيل لأجل ما حدث به من الاختلاف في الدين الكثير فادع أنت إلى الاتفاق على الملة الحنيفية وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي أثبت على الدين الذي أمرت به وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ أي المختلفة الباطلة وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ أي آمنت بكتب اللّه المنزلة كلها وذلك لأن المتفرقين آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ قال ابن عباس أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض اللّه عليكم من الأحكام وقيل لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء وقيل لأعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم وتحاكمتم إلى اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ يعني أن إله الكل واحد وكل أحد مخصوص بعمل نفسه وإن اختلفت أعمالنا فكل يجازي بعمله لا حُجَّةَ أي لا خصومة بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ وهذه الآية منسوخة بآية القتال إذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة فلم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا أي في المعاد لفصل القضاء وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) |
﴿ ١٢ ﴾