سورة الزخرفمكية وهي تسع وثمانون آية وثلاث وثلاثون كلمة (١) وثلاثة آلاف وأربعمائة حرف. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) ١٥قوله عز وجل : حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ أقسم بالكتاب وهو القرآن الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان ما تحتاج إليه الأمة من الشريعة وقيل المبين يعني الواضح للمتدبرين وجواب القسم إِنَّا جَعَلْناهُ أي صيرنا هذا الكتاب عربيا وقيل بيناه وقيل سميناه وقيل وصفناه وقيل أنزلناه قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ يعني معانيه وأحكامه وَإِنَّهُ يعني القرآن فِي أُمِّ الْكِتابِ أي في اللوح المحفوظ ، قال ابن عباس : أول ما خلق اللّه عز وجل القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق في الكتاب عنده ثم قرأ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا أي عندنا فالقرآن مثبت عند اللّه تعالى في اللوح المحفوظ لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ أخبر عن شرفه وعلو منزلته ، والمعنى إن كذبتم يا أهل مكة بالقرآن فإنه عندنا لعليّ أي رفيع شريف ، وقيل على علي جميع الكتب حكيم أي محكم لا يتطرق إليه الفساد والبطلان. قوله تعالى : أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً معناه أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمر ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان وهو قوله تعالى : أَنْ كُنْتُمْ أي لأن كنتم قَوْماً مُسْرِفِينَ والمعنى لا نفعل ذلك قال قتادة واللّه لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ولكن اللّه عز وجل عاد بعائدته وكرامته فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء اللّه ، وقيل : معناه أفنضرب عنكم بذكرنا إياكم صافحين أي معرضين عنكم ، وقيل : معناه أفنطوي الذكر عنكم طيا فلا تدعون ولا توعظون وقيل أفنترككم فلا نعاقبكم على كفركم. وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) ٦١٢________ (١) (قوله وثلاث وثلاثون كلمة) كذا بالأصل ولا يخفى ما فيه ا ه مصححه. وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يعني كاستهزاء قومك بك وفيه تسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً أي أقوى من قومك قوة وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ أي صفتهم والمعنى أن كفار قريش سلكوا في الكفر والتكذيب مسلك من كان قبلهم فليحذروا أن ينزل بهم مثل ما نزل بالأولين من الخزي والعقوبة. قوله عز وجل : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي ولئن سألت يا محمد قومك مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ يعني أنهم أقروا بأن اللّه تعالى خلقهما وأقروا بعزته وعلمه ومع إقرارهم بذلك عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم ثم ابتدأ تعالى دالا على نفسه بذكر مصنوعاته فقال تعالى : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً معناه واقفة ساكنة يمكن الانتفاع بها ولما كان المهد موضع راحة الصبي فلذلك سمى الأرض مهادا لكثرة ما فيها من الراحة للخلق وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي طرقا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ يعني إلى مقاصدكم في أسفاركم وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ أي بقدر حاجاتكم إليه لا كما أنزل على قوم نوح حتى أهلكهم فَأَنْشَرْنا بِهِ أي بالمطر بَلْدَةً مَيْتاً أي كما أحيينا هذه البلدة الميتة بالمطر كَذلِكَ تُخْرَجُونَ أي من قبوركم أحياء وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أي الأصناف والأنواع كلها قيل إن كل ما سوى اللّه تعالى فهو زوج وهو الفرد المنزه عن الأضداد والأنداد والزوجية وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ يعني في البر والبحر. لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) ١٣١٨لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ أي على ظهور الفلك والأنعام ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ يعني بتسخير المركب في البر والبحر وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا أي ذلل لنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ أي مطيقين وقيل ضابطين وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ أي لمنصرفون في المعاد (م) عن ابن عمر رضي اللّه عنهما (أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا للسفر حمد اللّه تعالى وسبح وكبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد وإذا رجع قالهن وزاد فيهم آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون) قوله وعثاء السفر : يعني تعبه وشدته ومشقته وكآبة المنظر وسوء المنقلب الكآبة الحزن والمنقلب المرجع وذلك أن يعود من سفره حزينا كئيبا أو يصادف ما يحزنه في أهل أو مال. عن علي بن أبي ربيعة قال (شهدت علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه وقد أتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال بسم اللّه فلما استوى على ظهرها قال الحمد للّه سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم قال الحمد للّه ثلاث مرات ثم قال اللّه أكبر ثلاث مرات ثم قال سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقلت يا أمير المؤمنين مم ضحكك قال رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعل كما فعلت فقلت يا رسول اللّه من أي شيء ضحكت قال إن ربك يعجب من عبده إذا قال رب اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب غيرك) أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن غريب. قوله تعالى : وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً يعني ولدا وهو قولهم الملائكة بنات اللّه لأن الولد جزء من الأب ومعنى جعلوا هنا حكموا وأثبتوا إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أي لجحود نعم اللّه تعالى عليه أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ هذا استفهام إنكار وتوبيخ يقول اتخذ ربكم لنفسه البنات وَأَصْفاكُمْ أي أخلصكم بِالْبَنِينَ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا أي بالجنس الذي جعله للرحمن شبها لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد والمعنى أنهم نسبوا إليه البنات ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له وقد ولد لك بنت اغتم وتربد وجهه غيظا وأسفا وهو قوله تعالى : ظَلَّ وَجْهُهُ أي صار وجهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ أي من الحزن والغيظ قيل إن بعض العرب ولد له أنثى فهجر بيت امرأته التي ولدت فيه الأنثى فقالت المرأة : ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا غضبان أن لا نلد البنينا ليس لنا من أمرنا ما شينا وإنما نأخذ ما أعطينا حكمة ربي ذي اقتدار فينا قوله عز وجل : أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا يعني أو من يتربى فِي الْحِلْيَةِ يعني في الزينة والنعمة والمعنى أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفته ولولا نقصانها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحلية ثم بين نقصان حالها بوجه آخر وهو قوله وَهُوَ فِي الْخِصامِ أي المخاصمة غَيْرُ مُبِينٍ للحجة وذلك لضعف حالها وقلة عقلها قال قتادة قلما تكلمت امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها. وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) ١٩٢٣وَجَعَلُوا أي وحكموا وأثبتوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ وقرئ عند الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ أي حضروا خلقهم حين خلقوا وهذا استفهام إنكار أي لم يشهدوا ذلك سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ أي على الملائكة أنهم بنات اللّه وَيُسْئَلُونَ أي عنها ، قيل لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : وما يدريكم أنهم بنات اللّه ، قالوا : سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا ، فقال اللّه تعالى : سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ ويسألون عنها في الآخرة وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ يعني الملائكة وقيل الأصنام وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضاه منا بذلك قال اللّه تعالى ردا عليهم. ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ أي فيما يقولون إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يعني ما هم إلا كاذبون في قولهم إن اللّه رضي منا بعبادتها ، وقيل يكذبون في قولهم إن الملائكة إناث وإنهم بنات اللّه أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل القرآن بأن يعبدوا غير اللّه فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ أي يأخذون بما فيه بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ أي على دين وملة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ يعني أنهم جعلوا أنفسهم مهتدين باتباع آبائهم وتقليدهم من غير حجة ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذه المقالة بقوله تعالى : وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أغنياؤها ورؤساؤها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ أي بهم. قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) ٢٤٣١قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى أي بدين هو أصوب مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ فأبوا أن يقبلوا قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ قوله تعالى : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ أي بريء مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي معناه أنا أتبرأ مما تعبدون إلا من اللّه الذي خلقني فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ أي يرشدني إلى دينه وَجَعَلَها أي وجعل إبراهيم كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي لا إله إلا اللّه كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد اللّه تعالى ويدعو إلى توحيده لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم وقيل لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه من الشرك إلى دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ يعني كفار مكة وَآباءَهُمْ في الدنيا بالمد في العمر والنعمة ولم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني القرآن وقيل الإسلام وَرَسُولٌ هو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم مُبِينٌ أي يبين لهم الأحكام وقيل بين الرسالة وأوضحها بما معه من الآيات والمعجزات وكان من حق هذا الإنعام أن يطيعوه فلم يفعلوا بل كذبوا وعصوا وسموه ساحرا وهو قوله تعالى : وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني القرآن قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ قوله عز وجل : وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ معناه أنهم قالوا منصب النبوة منصب عظيم شريف لا يليق إلا برجل شريف عظيم كثير المال والجاه من إحدى القريتين وهما مكة والطائف واختلفوا في هذا الرجل العظيم قيل الوليد بن المغيرة بمكة وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف وقيل عتبة بن ربيعة من مكة وكنانة بن عبد ياليل الثقفي من الطائف ، وقال ابن عباس : الوليد بن المغيرة من مكة ومن الطائف حبيب بن عمير الثقفي قال اللّه تعالى ردا عليهم. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥) ٣٢٣٥أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ معناه أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعوها حيث شاؤوا وفيه الإنكار الدال على تجهيلهم والتعجب من اعتراضهم وتحكمهم وأن يكونوا هم المدبرين لأمر النبوة ثم ضرب لهذا مثلا فقال تعالى : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي نحن أوقعنا هذا التفاوت بين العباد فجعلنا هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا مالكا وهذا مملوكا وهذا قويا وهذا ضعيفا ثم إن أحدا من الخلق لم يقدر على تغيير حكمنا ولا على الخروج عن قضائنا فإذا عجزوا عن الاعتراض في حكمنا في أحوال الدنيا مع قلتها وذلتها فكيف يقدرون على الاعتراض على حكمنا في تخصيص بعض عبادنا بمنصب النبوة والرسالة والمعنى كما فضلنا بعضهم على بعض كما شئنا كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا ثم قال تعالى : وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا يعني لو أننا سوينا بينهم في كل الأحوال لم يخدم أحد أحدا ولم يصر أحد منهم مسخرا لغيره ، وحينئذ يقضي ذلك إلى خراب العالم وفساد حال الدنيا ولكنا فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضا فتسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش فهذا بماله وهذا بعمله فيلتئم قوام العالم وقيل يملك بعضهم بما له بعضا بالملك وَرَحْمَتُ رَبِّكَ يعني الجنة خَيْرٌ يعني للمؤمنين مِمَّا يَجْمَعُونَ أي يجمع الكفار من الأموال لأن الدنيا على شرف الزوال والانقراض وفضل اللّه ورحمته يبقى أبد الآبدين. قوله عز وجل : وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً أي لولا أن يصيروا كلهم كفارا فيجتمعون على الكفر ويرغبون فيه إذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق لأعطيت الكفار أكثر الأسباب المفيدة للتنعم وهو قوله تعالى : لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ يعني مصاعد ودرجات من فضة عَلَيْها يَظْهَرُونَ يصعدون ويرتقون عليها وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً أي من فضة وَسُرُراً أي ولجعلنا لهم سررا من فضة عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً أي ولجعلنا من ذلكزخرفا وهو الذهب وقيل الزخرف الزينة من كل شيء وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني أن الإنسان يستمتع بذلك قليلا ثم ينقضي لأن الدنيا سريعة الزوال والذهاب وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ يعني الجنة خاصة للمتقين الذين تركوا الدنيا. عن سهل بن سعد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (لو كانت الدنيا عند اللّه تزن جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وعن المستورد بن شداد جد بني فهر قال (كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على السخلة الميتة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها قالوا من هوانها ألقوها يا رسول اللّه قال فإن الدنيا أهون على اللّه من هذه الشاة على أهلها) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. وعن قتادة بن النعمان أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إذا أحبّ اللّه عبدا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (م) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر). وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) ٣٦٣٩قوله تعالى : وَمَنْ يَعْشُ أي يعرض عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ أي فلم يخف عقابه ولم يرد ثوابه وقيل يول ظهره عن القرآن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي نسبب له شيطانا ونضمه إليه ونسلطه عليه فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ يعني لا يفارقه يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى وَإِنَّهُمْ يعني الشياطين لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ يعني يمنعونهم عن الهدى وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ يعني ويحسب كفار بني آدم أنهم على الهدى حَتَّى إِذا جاءَنا يعني الكافر وحده وقرئ جاءنا على التثنية يعني الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة قالَ الكافر لقرينه الشيطان يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ أي بعد ما بين المشرق والمغرب ، فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر القمران ولأبي بكر وعمر العمران ، وقيل : أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء ، و القول الأول أصح فَبِئْسَ الْقَرِينُ يعني الشيطان قال أبو سعيد الخدري : إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير إلى النار وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ يعني أشركتم أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف عنكم شيئا ، لأن كل واحد من الكفار والشياطين له الحظ الأوفر من العذاب وقيل لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الكفر. أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) ٤٠٤٤أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب أنهم لا يؤمنون. قوله عز وجل : فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ أي بأن نميتك قبل أن نعذبهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أي بالقتل بعدك أَوْ نُرِيَنَّكَ أي في حياتك الَّذِي وَعَدْناهُمْ أي من العذاب فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ أي قادرون على ذلك متى شئنا عذبناهم ، وأراد به مشركي مكة وقد انتقم منهم يوم بدر وهذا يفيد التسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم لأنه وعده الانتقام له منهم إما حال حياته أو بعد وفاته ، وهذا قول أكثر المفسرين وقيل عني به ما يكون في أمته وقد كان بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نقمة شديدة في أمته ولكن أكرم اللّه عز وجل نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم وذهب به ولم يره في أمته إلا الذي تقربه عينه وأبقى النقمة بعده وروي أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أري ما يصيب أمته بعده فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه اللّه تعالى : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ يعني القرآن إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي على دين مستقيم لا يميل عنه إلا الضال وَإِنَّهُ يعني القرآن لَذِكْرٌ أي لشرف عظيم لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ يعني عن حقه وأداء شكره وروى ابن عباس (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية فكان بعد ذلك إذا سئل قال لقريش) (ق). عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان) (خ) عن معاوية قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه اللّه تعالى على وجهه ما أقاموا الدين) وقيل القوم هم العرب والقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم ، وقيل ذكر لك أي ذلك شرف لك بما أعطاك اللّه من النبوة والحكمة ولقومك يعني المؤمنين بما هداهم اللّه تعالى به وسوف تسألون عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه. وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) ٤٥٥٠قوله تعالى : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ اختلف العلماء من هؤلاء والمسؤولون فروي عن ابن عباس في رواية عنه (لما أسري بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعث اللّه عز وجل له آدم وولده من المرسلين فأذن جبريل ثم أقام وقال يا محمد تقدم فصل بهم فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من أرسلنا الآية فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا أسأل قد اكتفيت. وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد قالوا جمع له الرسل ليلة أسري به وأمر أن يسأل فلم يشك ولم يسأل فعلى هذا القول قال بعضهم هذه الآية نزلت ببيت المقدس ليلة أسري بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقال أكثر المفسرين معناه سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد وهو قول ابن عباس في أكثر الروايات عنه ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن ومقاتل ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول ولا كتاب بعبادة غير اللّه عز وجل. قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ أي يسخرون وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها أي قرينتها التي قبلها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ أي بالسنين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس ، فكانت هذه آيات ودلالات لموسى عليه الصلاة والسلام وعذابا لهم وكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي عن كفرهم وَقالُوا يعني لموسى عليه الصلاة والسلام لما عاينوا العذاب يا أَيُّهَا السَّاحِرُ أي العالم الكامل الحاذق وإنما قالوا ذلك له تعظيما وتوقيرا لأن السحر كان عندهم علما عظيما وصنعة ممدوحة وقيل معناه يا أيها الذي غلبنا بسحره ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ أي بما أخبرتنا عن عهده إليك أنا إن آمنا كشف عنا العذاب فاسأله أن يكشفه عنا إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ أي لمؤمنون فدعا موسى ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا فذلك قوله سبحانه وتعالى : فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ أي ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم. وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) ٥١٥٧وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي يعني أنهار النيل الكبار وكانت تجري تحت قصره وقيل معناه تجري بين يدي جناني وبساتيني ، وقيل تجري بأمري أَفَلا تُبْصِرُونَ أي عظمتي وشدة ملكي أَمْ أَنَا أي بل أنا خَيْرٌ وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين وقيل فيه إضمار مجازه أفلا تبصرون أم تبصرون ثم ابتدأ فقال أنا خير مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ أي ضعيف حقير يعني موسى وَلا يَكادُ يُبِينُ أي يفصح بكلامه للثغته التي كانت في لسانه وإنما عابه بذلك لما كان عليه أولا وقيل معناه ولا يكاد يبين حجته التي تدل على صدقه فيما يدعي ولم يرد به أنه لا قدرة له على الكلام فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أي إن كان صادقا أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ قيل إنهم كانوا إذا سودوا رجلا سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته ، فقال فرعون هلا ألقى رب موسى عليه أسورة من ذهب إن كان سيدا تجب طاعته أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ أي متتابعين يقارن بعضهم بعضا يشهدون له بصدقه ويعينوه على أمره. قال اللّه تعالى : فَاسْتَخَفَّ يعني فرعون قَوْمَهُ يعني القبط أي وجدهم جهالا وقيل حملهم على الخفة والجهل فَأَطاعُوهُ أي على تكذيب موسى إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ يعني حيث أطاعوا فرعون فيما استخفهم به فَلَمَّا آسَفُونا أي أغضبونا وهو في حق اللّه وإرادته العقاب وهو قوله تعالى : انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ يعني جعلنا المتقدمين الماضين عبرة وموعظة لمن يجيء من بعدهم. قوله تعالى : وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في مجادلة عبد اللّه بن الزبعرى مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في شأن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وذلك لما نزل قوله تعالى : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ وقد تقدم ذكره في سورة الأنبياء ومعنى الآية ولما ضرب عبد اللّه بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلا وجادل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعبادة النصارى إياه إِذا قَوْمُكَ يعني قريشا مِنْهُ أي من المثل يَصِدُّونَ أي يرتفع لهم ضجيج وصياح وفرح وقيل يقولون إن محمدا ما يريد منا إلا أن نعبده ونتخذه إلها كما عبدت النصارى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) ٥٨٦١وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعنون محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا وقيل معنى أم هو يعني عيسى والمعنى قالوا يزعم محمد أن كل ما عبد من دون اللّه في النار فنحن قد رضينا أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار قال اللّه تعالى : ما ضَرَبُوهُ يعني هذا المثل لَكَ إِلَّا جَدَلًا أي خصومة بالباطل وقد علموا أن المراد من قوله إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ هؤلاء الأصنام بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ أي بالباطل. عن أبي أمامة رضي اللّه تعالى عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح ثم ذكر عيسى فقال تعالى : إِنْ هُوَ أي ما عيسى إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ أي بالنبوة وَجَعَلْناهُ مَثَلًا أي آية وعبرة لِبَنِي إِسْرائِيلَ يعرفون به قدرة اللّه على ما يشاء حيث خلقه من غير أب وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ الخطاب لأهل مكة مَلائِكَةً معناه لو نشاء لأهلكناكم ولجعلنا بدلا منكم ملائكة فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ أي يكونون خلفا منكم يعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني ، وقيل يخلف بعضهم بعضا وَإِنَّهُ يعني عيسى لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ يعني نزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها (ق). عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (و الذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عادلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) وفي رواية أبي داود أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (ليس بيني وبين عيسى نبي وإنه نازل فيكم فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ينزل بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك اللّه تعالى في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك الدجال ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون) (ق) عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم) وفي رواية فأمكم منكم قال ابن أبي ذؤيب فأمكم بكتاب ربكم عز وجل وسنة نبيكم صلّى اللّه عليه وسلّم ويروى أنه ينزل عيسى وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر فيتأخر الإمام ليقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن وقيل في معنى الآية وإنه أي وإن القرآن لعلم للساعة أي يعلم قيامها ويخبركم بأحوالها وأهوالها فَلا تَمْتَرُنَّ بِها أي لا تشكن فيها ، وقال ابن عباس : لا تكذبوا بها وَاتَّبِعُونِ أي على التوحيد هذا أي الذي أنا عليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) ٦٢٦٦وَلا يَصُدَّنَّكُمُ أي لا يصرفنكم الشَّيْطانُ أي عن دين اللّه الذي أمر به إِنَّهُ يعني الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ أي بالنبوة وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أي من أحكام التوراة وقيل من اختلاف الفرق الذين تحزبوا في أمر عيسى وقيل الذي جاء به عيسى الإنجيل وهو بعض الذي اختلفوا فيه فبين لهم عيسى في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ أي فيما آمركم به إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ أي اختلف الفرق المتحزبة بعد عيسى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ هَلْ يَنْظُرُونَ أي ينتظرون إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً أي فجأة والمعنى أنها تأتيهم لا محالة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) ٦٧٧١الْأَخِلَّاءُ أي على الكفر والمعصية في الدنيا يَوْمَئِذٍ يعني يوم القيامة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أي إن الخلة إذا كانت كذلك صارت عداوة يوم القيامة إِلَّا الْمُتَّقِينَ أي إلا الموحدين المتحابين في اللّه عز وجل المجتمعين على طاعته ، روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه في الآية قال : (خليلان مؤمنان وخليلان كافران مات أحد المؤمنين فقال يا رب إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك صلّى اللّه عليه وسلّم ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول ليثن كل منكما على صاحبه فيقول نعم الأخ ونعم الخليل ونعم الصاحب ، قال ويموت أحد الكافرين فيقول رب إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك فيقول ليثن كل منكما على صاحبه فيقول بئس الأخ وبئس الخليل وبئس الصاحب). قوله عز وجل : يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ قيل إن الناس حين يبعثون ليس أحد منهم إلا فزع فينادي مناد يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيرجوها الناس كلهم فيتبعها الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ فييأس الناس كلهم غير المسلمين فيقال لهم ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ أي تسرون وتنعمون يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ جمع صحفة وهي القصعة الواسعة وَأَكْوابٍ جمع كوب وهو إناء مستدير بلا عروة وَفِيها أي في الجنة ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ عن عبد الرّحمن بن سابط قال (قال رجل يا رسول اللّه هل في الجنة خيل فإني أحب الخيل قال إن يدخلك اللّه الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت وسأله آخر فقال يا رسول اللّه هل في الجنة من إبل فإني أحب الإبل قال فلم يقل ما قال لصاحبه فقال إن يدخلك اللّه الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك) أخرجه الترمذي وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ. وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) ٧٢٨١وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ ورد في الحديث (أنه لا ينزع أحد في الجنة من ثمرها ثمرة إلا نبت مكانها مثلاها) قوله تعالى : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ يعني المشركين فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ أي لا يخفف عنهم وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ أي آيسون من رحمة اللّه تعالى : وَما ظَلَمْناهُمْ أي وما عذبناهم بغير ذنب وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ أي لأنفسهم بما جنوا عليها وَنادَوْا يا مالِكُ يعني يدعون مالكا خازن النار يستغيثون به فيقولون لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ أي ليمتنا بل لنستريح والمعنى توسلوا به ليسأل اللّه تعالى لهم الموت فيجيبهم بعد ألف سنة قاله ابن عباس ، وقيل بعد مائة سنة ، وروي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال (إن أهل النار يدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما ثم يرد عليهم) قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ قال هانت واللّه دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ومعنى ماكثون مقيمون في العذاب لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ يقول أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا بالحق وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً أي أحكموا أمرا في المكر بالرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أي محكمون أمرا في مجازاتهم إن كاد شرا كدتهم بمثله أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ أي ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم بَلى نسمع ذلك كله ونعلمه وَرُسُلُنا يعني الحفظة من الملائكة لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قوله عز وجل : قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ معناه إن كان للرحمن ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبد الرّحمن فإنه لا شريك له ولا ولد له ، وقال ابن عباس : إن كان أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك. وقيل : معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده بذلك ولكن لا ولد له ، وقيل : العابدين بمعنى الآنفين أي أنا أول الجاحدين المنكرين لما قلتم وأنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد. وقال الزمخشري في معنى الآية : إن كان للرحمن ولد وصح وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق عليها محالا مثلها ثم نزه نفسه عن الولد فقال تعالى : سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) ٨٢٨٨سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ أي عما يقولونه من الكذب فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا أي في باطلهم وَيَلْعَبُوا أي في دنياهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يعني يوم القيامة وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ يعني هو الإله الذي يعبد في السماء وفي الأرض لا إله إلا هو وَهُوَ الْحَكِيمُ يعني في تدبير خلقه الْعَلِيمُ يعني بمصالحهم وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ قيل سبب نزولها أن النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت هذه الآية وأراد بالذين يدعون من دونه آلهتهم ثم استثنى عيسى وعزيرا والملائكة بقوله إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ لأنهم عبدوا من دون اللّه ولهم شفاعة وقيل المراد بالذين يدعون من دونه عيسى وعزير والملائكة فإن اللّه تعالى لا يملك لأحد من هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وهي كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا اللّه فمن شهدها بقلبه شفعوا له وهو قوله وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم وقيل يعلمون أن اللّه عز وجل خلق عيسى وعزيرا والملائكة ويعلمون أنهم عباده وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ يعني أنهم إذا أقروا بأن اللّه خالق العالم بأسره فكيف قدموا عبادة غيره فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ يعني يصرفون عن عبادته إلى غيره وَقِيلِهِ يا رَبِّ يعني قوله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم شاكيا اللّه ربه يا رب إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ قال ابن عباس : شكا إلى اللّه تعالى تخلف قومه عن الإيمان ، وقال قتادة : هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه. فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩) ٨٩فَاصْفَحْ عَنْهُمْ يعني أعرض عنهم وفي ضمنه منعه من أن يدعو عليهم بالعذاب وَقُلْ سَلامٌ معناه المتاركة ، وقيل معناه قل خيرا بدلا من شرهم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ يعني عاقبة كفرهم وفيه تهديد لهم وقيل معناه يعلمون أنك صادق ، قال مقاتل : نسختها آية السيف واللّه تعالى أعلم. |
﴿ ٠ ﴾