١٨١٩قوله عز وجل : فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً يعني الكافرين والمنافقين الذين قعدوا عن الإيمان فلم يؤمنوا فالساعة بغتة تفجؤهم وهم على كفرهم ونفاقهم ففيه وعيد وتهديد والمعنى لا ينظرون إلى الساعة والساعة آتية لا محالة وسميت القيامة ساعة لسرعة قيامها. عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (بادروا بالأعمال سبعا فهل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مقيدا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر) أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن. وقوله تعالى : فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها أي أماراتها وعلاماتها واحدها شرط. ولما كان قيام الساعة أمرا مستبطأ في النفوس وقد قال اللّه تعالى : فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فكأن قائلا قال متى يكون قيام الساعة فقال تعالى : فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها قال المفسرون : من أشراط الساعة انشقاق القمر وبعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (ق). عن سهل بن سعد قال : (رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال بإصبعه هكذا الوسطى والتي تلي الإبهام وقال : بعثت أنا والساعة كهاتين وفي رواية قال بعثت أنا والساعة كهاتين ويشير بإصبعيه يمدهما) (ق) عن أنس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (بعثت أنا والساعة كهاتين كفضل أحدهما على الأخرى وضم السبابة والوسطى وفي رواية قال بعثت في نفس الساعة فسبقتها كفضل هذه على الأخرى) قيل معنى الحديث أن المراد أن ما بين مبعثه صلّى اللّه عليه وسلّم وقيام الساعة شيء يسير كما بين الإصبعين في الطول وقيل هو إشارة إلى قرب المجاورة (ق) عن أنس قال عند قرب وفاته ألا أحدثكم حديثا عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يحدثكم به أحد غيري سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (لا تقوم الساعة أو قال من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويفشو الزنى ويذهب الرجال ويبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم. وفي رواية ويظهر الزنى ويقل الرجال ويكثر النساء) (ق) عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (إن من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان وينقص العلم وتظهر الفتن ويبقى الشح ويكثر الهرج قالوا وما الهرج قال القتل وفي رواية : يرفع العلم ويثبت الجهل أو قال ويظهر الجهل) (خ) عن أبي هريرة قال : (بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حديثه فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم : بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة قال : ها أنا ذا يا رسول اللّه قال : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وكيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة). وقوله تعالى : فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ يعني فمن أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة بغتة. وقيل : معناه كيف يكون حالهم إذا جاءتهم الساعة فلا تنفعهم الذكرى ولا تقبل منهم التوبة ولا يحتسب بالإيمان في ذلك الوقت فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم. وأورد على هذا أنه صلّى اللّه عليه وسلّم كان عالما باللّه وأنه لا إله إلا هو فما فائدة هذا الأمر. وأجيب عنه بأن معناه : دم على ما أنت عليه من العلم. فهو كقول القائل للجالس : اجلس أي دم على ما أنت عليه من الجلوس أو يكون معناه ازدد علما إلى علمك. وقيل : إن هذا الخطاب وإن كان للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، فالمراد به غيره من أمته. قال أبو العالية وسفيان بن عيينة : هذا متصل بما قبله. معناه : إذا جاءتهم فاعلم أنه لا ملجأ ولا منجى ولا مفزع عند قيامها إلا إلى اللّه الذي لا إله إلا هو. وقيل : معناه فاعلم أنه لا إله إلا اللّه وأن جميع الممالك تبطل عند قيامها فلا ملك ولا حكم لأحد إلا اللّه الذي لا إله إلا هو وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ أمر اللّه عز وجل نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بالاستغفار مع أنه مغفور له ليستنّ به أمته وليقتدوا به في ذلك (م) عن الأغر المزني أغر مزينة قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر في اليوم مائة مرة وفي رواية قال : توبوا إلى ربكم فو اللّه إني لأتوب إلى ربي عز وجل مائة مرة في اليوم) (خ) عن أبي هريرة قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول (إني لأستغفر اللّه وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة وفي رواية أكثر من سبعين مرة) قوله : إنه ليغان على قلبي الغين التغطية والستر أي يلبس على قلبي ويغطي وسبب ذلك ما أطلعه عليه من أحوال أمته بعده فأحزنه ذلك حتى كان يستغفر لهم. وقيل : إنه لما كان يشغله النظر في أمور المسلمين ومصالحهم حتى يرد أنه قد شغل بذلك وإن كان من أعظم طاعة وأشرف عبادة عن أرفع مقام مما هو فيه وهو التفرد بربه عز وجل وصفاء وقته معه وخلوص همه من كل شيء سواه فلهذا السبب كان صلّى اللّه عليه وسلّم يستغفر اللّه فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقيل : هو مأخوذ من الغين وهو الغيم الرقيق الذي يغشى السماء فكان هذا الشغل والهم يغشى قلبه صلّى اللّه عليه وسلّم ويغطيه عن غيره فكان يستغفر اللّه منه وقيل هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه صلّى اللّه عليه وسلّم وكأن سبب استغفاره لها إظهار العبودية والافتقار إلى اللّه تعالى. وحكى الشيخ محيي الدين النووي عن القاضي عياض ، أن المراد به الفترات والغفلات من الذكر الذي كان شأنه صلّى اللّه عليه وسلّم الدوام عليه فإذا فتر وغفل عد ذلك ذنبا واستغفر منه وحكى الوجوه المتقدمة عنه. وعن غيره. وقال الحارث المحاسبي : خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام وإجلال وإن كانوا آمنين من عذاب اللّه تعالى. وقيل : يحتمل أن هذا الغبن حالة حسنة وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكرا كما قال : أفلا أكون عبدا شكورا. وقيل في معنى الآية : استغفر لذنبك أي لذنوب أهل بيتك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يعني من غير أهل بيته وهذا إكرام من اللّه عز وجل لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ قال ابن عباس والضحاك : متقلبكم يعني متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ومثواكم يعني مصيركم إلى الجنة أو إلى النار وقيل : متقلبكم في أشغالكم بالنهار ومثواكم بالليل إلى مضاجعكم وقيل : متقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وبطونهن ومثواكم في الدنيا وفي القبور والمعنى أنه تعالى عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها وإن دق وخفي. وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢)  | 
	
﴿ ١٨ ﴾