١٧

٢٢

لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)

لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ يوم القيامة مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ يعني كاذبين أنهم ما كانوا مشركين كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ أي في الدنيا

وقيل كان الحلف جنة لهم في الدنيا فظنوا أنه ينفع في الآخرة أيضا وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ يعني من أيمانهم الكاذبة أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ يعني في أقوالهم وأيمانهم ، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ أي غلب واستولى عليهم وملكهم فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ يعني في جملة من يلحقهم الذل في الدنيا والآخرة لأن ذل أحد الخصمين على حسب عز الخصم الثاني.

ولما كانت عزة اللّه غير متناهية كانت ذلة من ينازعه غير متناهية كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أي قضى ذلك قضاء ثابتا قيل غلبة الرسل على نوعين فمنهم من يؤمر بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة ، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ أي على نصر رسله وأوليائه عَزِيزٌ أي غالب على أعدائه.

قوله تعالى : لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أخبر اللّه تعالى أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكافرين وأن من كان مؤمنا لا يوالي من كفر لأن من أحب أحدا امتنع أن يحب عدوه

فإن قلت قد أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالفتهم ومعاشرتهم فما هذه المودة المحظورة قلت المودة المحظورة هي مناصحتهم وإرادة الخير لهم دينا ودنيا مع كفرهم ، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه ثم إنه تعالى بالغ في الذكر عن مودتهم بقوله وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ يعني أن الميل إلى هؤلاء من أعظم أنواع الميل ومع هذا فيجب أن يطرح الميل إلى هؤلاء والمودة لهم بسبب مخالفة الدين قيل نزلت هذه الآية في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة وستأتي قصته في سورة الممتحنة وروي عن عبد اللّه بن مسعود في

هذه الآية قال ولو كانوا آباءهم يعني أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه الجراح يوم أحد أو أبناءهم يعني أبا بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه دعا ابنه يوم بدر إلى البراز وقال يا رسول اللّه دعني أكن في الرعلة الأولى فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (متعنا بنفسك يا أبا بكر) أو إخوانهم يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبد اللّه بن عمير أو عشيرتهم يعني عمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وعلي بن أبي طالب وحمزة وأبا عبيدة قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر ، أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أي أثبت التصديق في قلوبهم فهي مؤمنة موقنة مخلصة

وقيل حكم لهم بالإيمان وإنما ذكر القلوب لأنها موضعه وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ أي قواهم بنصر منه وإنما سمى نصره إياهم روحا لأن به حيي أمرهم.

وقيل بالإيمان

وقيل بالقرآن

وقيل بجبريل

وقيل برحمته وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ إنما ذكر رضوانه عليهم بعد دخولهم الجنة لأن أعظم النعم وأجل المراتب ثم لما ذكر هذه النعم أتبعه بما يوجب ترك المودة لأعداء اللّه سبحانه وتعالى فقال أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ واللّه أعلم بمراده.

﴿ ١٧