١٧

فَكانَ عاقِبَتَهُما

يعني الشيطان وذلك الإنسان أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ قال ابن عباس ضرب اللّه هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين من أهل المدينة وذلك أن اللّه تعالى أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بإجلاء بني النضير فدس المنافقون إلى اليهود وقالوا لا تجيبوا محمدا إلى ما دعاكم ولا تخرجوا من دياركم فإن قاتلكم فإنا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم فأجابوهم ودربوا على حصونهم وتحصنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين فخذلوهم وتبرؤوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا وخذله فكان عاقبة الفريقين النار قال ابن عباس فكان الرهبان بعد ذلك لا يمشون في بني إسرائيل إلا بالتقية والكتمان وطمع أهل الفسق والفجور في الأحبار ورموهم بالبهتان والقبيح حتى كان من أمر جريج الراهب ما كان فلما برأه اللّه مما رموه به من الزنا انبسطت الرهبان بعده وظهروا للناس وكانت قصة جريج على ما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج وصاحب يوسف وكان جريج رجلا صالحا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فيها فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها معهم ، فقالت إن شئتم لافتننه لكم قال فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم فقالوا زنيت بهذه البغيّ فولدت منك فقال أين الصبي فجاؤوا

فقال دعوني حتى أصلي فصلى؟ فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي قال فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا له نبني لك صومعتك من ذهب قال أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا. وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة ذو شارة حسنة فقالت أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل عليه فنظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثل هذا ثم أقبل على ثديه فجعل يرضع قال فكأني أنظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فيه فجعل يمصها قال ومر بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت وهي تقول حسبي اللّه ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقالت اللهم اجعلني مثلها فهنالك تراجعا الحديث ،

فقالت مر رجل حسن الهيئة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها فقال إن ذلك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم اجعلني مثلها) أخرجه مسلم بتمامه وهذا لفظه وأخرجه البخاري مفرقا حديث جريج تعليقا وحديث المرأة وابنها خاصة.

المومسات الزواني جمع مومسة وهي المرأة الفاجرة والبغيّ الزانية أيضا وقوله يتمثل بحسنها أي يتعجب منه ويضرب به المثل وقوله ذو شارة حسنة أي صاحب جمال ظاهر في الهيئة والملبس والمركب ونحو ذلك والجبار العاتي المتكبر القاهر للناس.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢)

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣)

﴿ ١٧