سورة الممتحنة(مدنية وهي ثلاث عشرة آية وثلاثمائة وثمان وأربعون كلمة وألف وخمسمائة وعشرة أحرف) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) ١قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الآية (ق) عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال (بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، قال فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجي الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يا حاطب ما هذا فقال يا رسول اللّه لا تعجل علي إني كنت امرا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلته كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنه قد صدقكم فقال عمر دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل اللّه اطلع على أهل بدر فقالوا اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل اللّه عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ إلى قوله سَواءَ السَّبِيلِ روضة خاخ موضع بقرب حمراء الأسد من المدينة وقيل إنه موضع قريب من مكة والأول أصح والظعينة المرأة المسافرة سميت بذلك لملازمتها الهودج والعقاص الشعر المضفور قال المفسرون نزلت هذه الآية في حاطب بن أبي بلتعة كما جاء في الحديث وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة من مكة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتجهز لفتح مكة فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمسلمة جئت؟ قالت لا قال أمهاجرة جئت؟ قالت لا قال فما جاء بك؟ قالت كنتم الأهل والعشيرة والموالي وقد ذهبت موالي وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني فقال لها وأين أنت من شباب مكة وكانت مغنية نائحة قالت ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر فحث عليها بني عبد المطلب فأعطوها نفقة وكسوها وحملوها فأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى فكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة وكتب في الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة ونزل جبريل عليه السلام فأخبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بما فعل فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد فرسانا فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها وإن لم تدفعه لكم فاضربوا عنقها فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا لها أين الكتاب؟ فحلفت باللّه ما معها من كتاب فبحثوا وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع ، فقال علي واللّه ما كذبنا ولا كذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسل السيف وقال أخرجي الكتاب وإلا لأجردنك ولأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذوائبها وكانت قد خبأته في شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرضوا لها ولا لما معها ورجعوا بالكتاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى حاطب فأتاه فقال له هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت؟ فقال واللّه ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريبا منهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ لي عندهم يدا وقد علمت أن اللّه تعالى ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعذره فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول اللّه دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما يدريك يا عمل لعل اللّه قد اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل اللّه في شأن حاطب بن أبي بلتعة : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء يعني أصدقاء وأنصارا تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أي بأسباب المحبة وقيل معناه تلقون إليهم أخبار النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم وَقَدْ كَفَرُوا أي وحالهم أنهم كفروا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يعني القرآن يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ يعني من مكة أَنْ تُؤْمِنُوا أي لأن آمنتم ، كأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ هذا شرط جوابه متقدم والمعنى إن كنتم خرجتم جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء. وقوله : تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أي بالنصيحة وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ أي من المودة للكفار وَما أَعْلَنْتُمْ أي أظهرتم بألسنتكم منها وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي الإسرار وإلقاء المودة إليهم فقال : فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أي أخطأ طريق الهدى ثم أخبر عن عداوة الكفار فقال تعالى : إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) |
﴿ ١ ﴾