٢٢

٢٩

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة ناضِرَةٌ من النضارة ، وهي الحسن قال ابن عباس : حسنة

وقيل مسرورة بالنعيم ،

وقيل ناعمة ،

وقيل مسفرة مضيئة ،

وقيل بيض يعلوها نور وبهاء

وقيل مشرقة بالنعيم. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ قال ابن عباس وأكثر المفسرين : تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب قال الحسن حق لها أن تنظر وهي تنظر إلى الخالق سبحانه وتعالى ، وروي عن مجاهد وأبي صالح أنهما فسرا النّظر في هذه الآية بالانتظار قال مجاهد تنتظر من ربها ما أمر لها به وقال أبو صالح : تنتظر الثّواب من ربها ، قال الأزهري : ومن قال إن معنى قوله إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ بمعنى منتظرة فقد أخطأ لأن العرب لا تقول نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته إنما تقول نظرت فلانا أي انتظرته ومنه قول الحطيئة :

وقد نظرتكم أعشاء صادرة للورد طال بها حوزي وتنساسي

فإذا قلت نظرت إليه لم يكن إلا بالعين ، وإذا قلت نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكر فيه وتدبر بالقلب ، وهذا آخر كلامه ويشهد لصحة هذا أن النظر الوارد في التّنزيل بمعنى الانتظار كثير ولم يوصل في موضع بإلى كقوله انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ وقوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ والوجه إذا وصف بالنظر وعدي بإلى لم يحتمل غير الرؤية ،

وأما قوله أنظر إلى اللّه ثم إليك على معنى أتوقع فضل اللّه ثم

فضلك ، فيكون النّظر إلى الوجه لم يحتمل نظر القلب إنما يجوز هذا إذا لم يسند إلى الوجه ، فإذا أسند النظر إلى الوجه لم يحتمل نظر القلب ، ولا الانتظار وإذا بطل المعنيان لم يبق لبقاء الرّؤية كلام وإن شق ذلك عليهم ، والأحاديث الصحيحة تعضد قول من فسر النظر في هذه الآية بالرؤية وسنذكرها إن شاء اللّه تعالى.

(فصل : في إثبات رؤية المؤمنين ربهم سبحانه وتعالى في الآخرة) قال علماء أهل السنة رؤية اللّه سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا ، وأجمعوا على وقوعها في الآخرة ، وأن المؤمنين يرون اللّه سبحانه ، وتعالى دون الكافرين بدليل

قوله تعالى : كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وزعمت طوائف من أهل البدع كالمعتزلة والخوارج ، وبعض المرجئة أن اللّه تعالى لا يراه أحد من خلقه ، وأن رؤيته مستحيلة عقلا ، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح ، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ، فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية اللّه تعالى ، وقد رواها نحو من عشرين صحابيا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وآيات القرآن فيها مشهورة ، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبتها مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة ، وكذلك باقي شبههم وأجوبتها مشهورة مستفاضة في كتب الكلام ، وليس هذا موضع ذكرها ، ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها اللّه في خلقه ، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ، ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك.

وأما الأحاديث الواردة في إثبات الرّؤية فمنها ما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :

(إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه ، وأزواجه ، ونعيمه وخدمه ، وسروره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على اللّه من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، ثم قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ أخرجه التّرمذي وقال : هذا حديث غريب ، وقال : وقد روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما ولم يرفعه

(ق) عن جرير بن عبد اللّه قال (كنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة البدر ، وقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس ، وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشّمس ، وقبل الغروب) قوله (لا تضامون) روي بفتح التاء وتشديد الميم وقد تضم التاء مع التّشديد أيضا ومعناه لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا تزدحمون وقت النظر إليه ، وروي بتخفيف الميم ومعناه لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض

وقوله : (إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون القمر) معناه تشبيه الرّؤية بالرّؤية في الوضوح وزوال الشّك والمشقة لا تشبيه المرئي بالمرئي عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه (أن أناسا قالوا : يا رسول اللّه هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : هل تضارون في القمر ليلة البدر ، قالوا : لا يا رسول اللّه قال : هل تضارون في الشّمس ليس دونها سحاب ، قالوا : لا يا رسول اللّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإنكم سترونه كذلك) أخرجه أبو داود وأخرجه التّرمذي. وليس عنده في أوله أن أناسا سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا قوله ليس دونها سحاب. قال الترمذي وقد روي مثل هذا الحديث عن أبي سعيد وهو صحيح ، وهذا الحديث طرف من حديث طويل قد أخرجه البخاري ومسلم ، ومعنى تضارون وتضامون واحد.

عن أبي رزين العقيلي قال : (قلت يا رسول اللّه أكلنا يرى ربه مخليا به يوم القيامة؟ قال نعم قلت وما آية ذلك في خلقه؟ قال يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخليا به قلت بلى قال : فاللّه أعظم إنما هو خلق من خلق اللّه يعني القمر فاللّه أجل وأعظم) أخرجه أبو داود

(م) عن صهيب رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :

(إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول اللّه تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى) والأحاديث في الباب كثيرة وهذا القدر كاف واللّه أعلم.

قوله عز وجل : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ أي عابسة كالحة

متغيرة مسودة قد أظلمت ألوانها ، وعدمت آثار النعمة ، والسرور منها لما أدركها من اليأس من رحمة اللّه تعالى :

وذلك حين يميز بين أهل الجنة والنار تَظُنُّ أي تستيقن والظّن هنا بمعنى اليقين أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ أن يفعل بهم أمر عظيم من العذاب والفاقرة الدّاهية العظيمة والأمر الشّديد الذي يكسر فقار الظهر ويقصمه

وقيل الفاقرة دخول النار ،

وقيل هي أن تحجب تلك الوجوه عن رؤية اللّه تعالى : كَلَّا أي حقا إِذا بَلَغَتِ يعني النفس كناية عن غير مذكور التَّراقِيَ جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشراف على الموت ومنه قول دريد بن الصمة :

ورب عظيمة دافعت عنها وقد بلغت نفوسهم التراقي

وَقِيلَ

يعني وقال من حضره مَنْ راقٍ

أي هل من طبيب يرقيه ويداويه مما نزل به ويشفيه ويخلصه من ذلك برقيته ودوائه ،

وقيل لما نزل به من قضاء اللّه ما نزل التمسوا له الأطباء ، فلم يغنوا عنه من قضاء اللّه شيئا ،

وقيل هذا من قول الملائكة الذين يحضرونه عند الموت يقول بعضهم لبعض من يرقى بروحه إذا خرجت فيصعد بها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ، وَظَنَّ أي أيقن الذين بلغت روحه التراقي أَنَّهُ الْفِراقُ يعني الخروج من الدنيا وفراق المال والأهل والولد وَالْتَفَّتِ أي اجتمعت السَّاقُ بِالسَّاقِ أي الشدة بالشدة يعني شدة مفارقة الدنيا مع شدة الموت وكربه ،

وقيل شدة الموت بشدة الآخرة ،

وقيل تتابعت عليه الشدائد لا يخرج من كرب إلا جاءه ما هو أشد منه ، وقال ابن عباس : أمر الدنيا بأمر الآخرة فكان في آخر يوم من أيام الدّنيا وأول يوم من أيام الآخرة ،

وقيل الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه ،

وقيل هما ساقا الميت إذا لفتا في الكفن ،

وقيل هما ساقاه عند الموت ألا تراه كيف يضرب بإحدى رجليه على الأخرى عند النزع ،

وقيل إذا مات يبست ساقاه فالتفت إحداهما بالأخرى.

إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤)

ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩)

أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)

﴿ ٢٢