٧

١٧

لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ يعني إن هذا الطعام لا تقدر البهائم على أكله فكيف يقدر الإنسان على أكله ، فهو إذا لا يسمن ولا يغني من جوع.

فإن قلت قد ذكر اللّه تعالى في هذه الآية أنّه لا طعام لهم إلا من ضريع ، وذكر في موضع آخر أنه لا طعام لهم إلا من غسلين ، فكيف الجمع بينهما؟!.

قلت إن النار دركات فعلى قدر الذنوب تقع العقوبات ، فمنهم من طعامه الزقوم لا غير ، ومنهم من طعامه الضريع ، ومنهم من طعامه الغسلين.

ثم وصف أهل الجنة

فقال تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ أي متنعّمة ذات بهجة وحسن ، ونعمة ، وكرامة لِسَعْيِها راضِيَةٌ أي لسعيها في الدنيا راضية في الآخرة حيث أعطيت الجنة بعملها. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ قيل هو من العلو الذي هو الشرف ،

وقيل من العلو في المكان ، وذلك لأن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض ، كل درجة كما بين السماء والأرض. لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً أي ليس فيها لغو ولا باطل. فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ على وجه الأرض في غير أخدود ،

وقيل تجري حيث أرادوا من منازلهم ، وقصورهم. فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ قال ابن عباس : ألواحها من ذهب ، مكللة بالزبرجد ، والياقوت ، مرتفعة ما لم يجيء أهلها ، فإذا أراد أهلها الجلوس عليها تواضعت لهم حتى يجلسوا عليها ، ثم ترتفع إلى مواضعها وَأَكْوابٌ يعني الكيزان التي لا عرى لها.

مَوْضُوعَةٌ يعني عندهم بين أيديهم ،

وقيل موضوعة على حافات العين الجارية كلما أرادوا الشرب منها وجدوها مملوءة. وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ يعني وسائد ومرافق مصفوفة ، بعضها جنب بعض أينما أراد أن يجلس وليّ اللّه جلس على واحدة ، واستند إلى الأخرى. وَزَرابِيُّ يعني البسط العريضة قال ابن عباس : هي الطنافس التي لها خمل ، واحدتها زربية مَبْثُوثَةٌ أي مبسوطة ،

وقيل متفرقة في المجالس.

قوله عزّ وجلّ : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ قال أهل التفسير لما نعت اللّه عزّ وجلّ ما في هذه السورة مما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفر وكذبوه ، فذكرهم اللّه صنعه ، فقال : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإنما بدأ بالإبل لأنها من أنفس أموال العرب ، ولهم فيها منافع كثيرة والمعنى إن الذي صنع لهم هذا في الدنيا هو الذي صنع لأهل الجنة ما صنع وتكلمت علماء التفسير في وجه تخصيص الإبل بالذكر من بين سائر الحيوانات ، فقال : مقاتل لأن العرب لم يروا بهيمة قط أعظم منها ، ولم يشاهد الفيل إلا النادر منهم ، وقال الكلبي لأنها تنهض بحملها وقد كانت باركة ، وقال قتادة : لما ذكر اللّه تعالى ارتفاع سرر الجنة وفرشها قالوا كيف نصعدها فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

وسئل الحسن عن هذه الآية ،

وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة فقال : أما الفيل فإن العرب بعيدة العهد به ، ثم هو لا خير فيه لأنه لا يركب على ظهره ، ولا يؤكل لحمه ، ولا يحلب دره ، والإبل أعزّ مال للعرب ، وأنفسه

تأكل النوى وألقت وغيره ، وتخرج اللبن ، ومن منافع الإبل أنها مع عظمها تلين للحمل الثقيل ، وتنقاد للقائد الضعيف حتى أن الصبي الصغير يأخذ بزمامها فيذهب بها حيث شاء ، ومنها أنها فضلت على سائر الحيوانات بأشياء ، وذلك أن جميع الحيوانات إنما تقتنى إما للزينة أو للركوب ، أو للحمل ، أو للبن ، أو لأجل اللحم ، ولا توجد جميع هذه الخصال إلا في الإبل ، فإنها زينة ، وتركب فيقطع عليها المفازات البعيدة ، وتحمل الثقيل ، وتحلب الكثير ، ويأكل من لحمها الجم الغفير ، وتصبر على العطش عدة أيام ، ومنها أن يحمل عليها ، وهي باركة ثم تنهض بحملها بخلاف سائر الحيوانات ، ومنها أنها ترعى في كل نبات في البراري مما لا يرعاه غيرها من الحيوانات ، وهي سفن البر يحمل عليها الثقيل ، ويقطع عليها المفاوز البعيدة. وكان شريح يقول : اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت.

فإن قلت كيف حسن ذكر الإبل مع السماء والأرض والجبال ، ولا مناسبة بينهما ولم بدأ بذكر الإبل قبل السماء والأرض والجبال؟

قلت لما كان المراد ذكر الدلائل الدالة على توحيده وقدرته ، وأنه هو الخالق لهذه الأشياء جميعها ، وكانت الإبل من أعظم شيء عند العرب فينظرون إليها ليلا ونهارا ، ويصاحبونها ظعنا وأسفارا ذكرهم عظيم نعمته عليهم فيها ولهذا بدأ بها ولأنها من أعجب الحيوانات عندهم.

وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)

إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦)

﴿ ٧