سورة ألم نشرحمكية وهي ثمان آيات وسبع وعشرون كلمة ومائة وثلاثة أحرف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) ١٢قوله عز وجل : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ استفهام بمعنى التّقرير ، أي قد فعلنا ذلك ومعنى الشرح الفتح بما يصده عن الإدراك واللّه تعالى فتح صدرنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم للهدى ، والمعرفة بإذهاب الشّواغل التي تصده عن إدراك الحق ، وقيل معناه ألم نفتح قلبك ونوسعه ونلينه بالإيمان ، والموعظة ، والعلم ، والنبوة ، والحكمة ، وقيل هو شرح صدره في صغره (م) عن أنس رضي اللّه عنه (أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاه جبريل عليه السّلام وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ، فاستخرجه فاستخرج منه علقة فقال : هذا حظ الشّيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا : إن محمدا قد قتل فاستقبلوه ، وهو ممتقع اللون. قال أنس : وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ أي حططنا عنك وزرك الذي سلف منك في الجاهلية فهو كقوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وقيل الخطأ والسّهو وقيل ذنوب أمتك فأضافها إليه لاشتغال قلبه بها ، وقيل المراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى يبلغها لأن الوزر في اللغة الثقل تشبيها بوزر الجبل ، وقيل معناه عصمناك عن الوزر الذي ينقض ظهرك لو كان ذلك الوزر حاصلا فسمى العصمة وضعا مجازا. واعلم أن القول في عصمة الأنبياء قد تقدم مستوفى في سورة طه عند قوله تعالى : وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى وعند قوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) ٣٦الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أي أثقله وأوهنه حتى سمع له نقيض وهو الصوت الخفي الذي يسمع من المحمل ، أو الرحل فوق البعير ، فمن حمل الوزر على ما قبل النّبوة قال هو اهتمام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بأمور كان فعلها قبل نبوته إذ لم يرد عليه شرع بتحريمها ، فلما حرمت عليه بعد النبوة عدها أوزارا وثقلت عليه وأشفق منها فوضعها اللّه عنه وغفرها له ومن حمل ذلك على ما بعد النبوة قال : هو ترك الأفضل لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، و قوله عز وجل : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (أنه سأل جبريل عن هذه الآية ، ورفعنا لك ذكرك قال : قال اللّه عز وجل : إذا ذكرت ذكرت معي) قال ابن عباس : يريد الأذان ، والإقامة ، والتّشهد ، والخطبة على المنابر ، فلو أن عبدا عبد اللّه وصدقه في كل شيء ، ولم يشهد أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم لم ينتفع من ذلك بشيء وكان كافرا ، وقال قتادة : رفع اللّه ذكره في الدّنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأن محمدا رسول اللّه وقال الضحاك : لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به ، وقال مجاهد يريد التأذين وفيه يقول حسان بن ثابت : أغر عليه للنبوة خاتم من اللّه مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي مع اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد وقيل رفع ذكره بأخذ ميثاقه على النّبيين ، وإلزامهم الإيمان به ، والإقرار بفضله ، وقيل رفع ذكره بأن قرن اسمه باسمه في قوله (محمد رسول اللّه) وفرض طاعته على الأمة بقوله : (أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول) ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز ، ونحو ذلك مما جاء في القرآن وغيره من كتب الأنبياء ثم وعده باليسر ، والرخاء بعد الشّدة والعناء ، وذلك أنه كان في شدة بمكة فقال تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسرا ورخاء بأن يظهرك عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً وإنما كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرّجاء قال الحسن : لما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (أبشروا فقد جاءكم اليسر لن يغلب عسر يسرين) وقال ابن مسعود : لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخله عليه ويخرجه إنه لن يغلب عسر يسرين قال المفسرون في معنى قوله لن يغلب عسر يسرين إن اللّه تعالى كرر لفظ العسر ، وذكره بلفظ المعرفة ، وكرر اليسر بلفظ النكرة ، ومن عادة العرب. إذا ذكرت اسما معرفا ثم أعادته كان الثاني هو الأول وإذا ذكرت اسما نكرة ثم أعادته كان الثاني غير الأول كقولك كسبت درهما فأنفقت درهما. فالثاني غير الأول وإذا قلت كسبت درهما ، فأنفقت الدرهم فالثاني هو الأول ، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف فكان عسرا واحدا ، واليسر مكرر بلفظ التنكير فكانا يسرين ، فكأنه قال فإن مع العسر يسرا إن مع ذلك العسر يسرا آخر وزيف أبو على الحسن بن يحيى الجرجاني صاحب النظم هذا القول ، وقال قد تكلم الناس في قوله لن يغلب عسر يسرين فلم يحصل منه غير قولهم إن العسر معرفة ، واليسر نكرة ، فوجب أن يكون عسر واحد ويسران وهو قول مدخول فيه إذا قال الرجل إن مع الفارس سيفا إن مع الفارس سيفا فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنين فمجاز قوله لن يغلب عسر يسرين أن اللّه عز وجل بعث نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو مقل مخف ، فكانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا : إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فاغتم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لذلك ، وظن أن قومه إنما كذبوه لفقره فعدد اللّه نعمه عليه في هذه السّورة ، ووعده الغنى ليسليه بذلك عما خامره من الغم. فقال تعالى : فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أي لا يحرنك الذي يقولون فإن مع العسر الذي في الدّنيا يسرا عاجلا ، ثم أنجز ما وعده وفتح عليه القرى القريبة ، ووسع ذات يده حتى كان يعطي المئين من الإبل ، ويهب الهبة السّنية ثم ابتدأ فضلا آخر من أمور الآخرة فقال تعالى : إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً والدّليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو ، وهذا وعد لجميع المؤمنين ، والمعنى أن مع العسر الذي في الدّنيا للمؤمن يسرا في الآخرة وربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الأولى ويسر الآخرة وهو ما ذكره في الآية الثانية فقوله لن يغلب عسر يسرين أي إن عسر الدنيا لن يغلب اليسر الذي وعده اللّه للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة ، فدائم أبدا غير زائل ، أي لا يجتمعان في الغلبة فهو كقوله صلّى اللّه عليه وسلّم (شهرا عيد لا ينقصان) أي لا يجتمعان في النقص قال القشيري : كنت يوما في البادية بحالة من الغم فألقي في روعي بيت شعر فقالت : أرى الموت لمن أصبح مغموما له أروح فلما جن الليل سمعت هاتفا يهتف في الهواء : ألا يا أيها المرء الذي الهم به برح وقد أنشد بيتا لم يزل في فكره يسنح إذا اشتد بك العسر ففكر في ألم نشرح فعسر بين يسرين إذا أبصرته فافرح قال فحفظت الأبيات ففرج اللّه عني وقال إسحاق بن بهلول القاضي : فلا تيأس إذا أعسرت يوما فقد أيسرت في دهر طويل ولا تظنن بربك ظن سوء فإن اللّه أولى بالجميل فإن العسر يتبعه يسار وقول اللّه أصدق كل قيل وقال أحمد بن سليمان في المعنى : توقع لعسر دهاك سرورا ترى العسر عنك بيسر تسرى فما اللّه يخلف ميعاده وقد قال إن مع العسر يسرا وقال غيره : وكل الحادثات إذا تناهت يكون وراءها فرج قريب فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨) ٧٨قوله عز وجل : فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ لما عدد اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم نعمه السالفة حثه على الشكر ، والاجتهاد في العبادة ، والنصب فيها وأن لا يخلي وقتا من أوقاته منها ، فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى ، والنصب التعب قال ابن عباس : إذا فرغت من الصّلاة المكتوبة ، فانصب إلى ربك في الدعاء ، وارغب إليه في المسألة وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض ، فانصب في قيام اللّيل ، وقيل إذا فرغت من التّشهد فادع لدنياك وآخرتك ، وقيل إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك ، وقيل إذا فرغت من تبليغ الرّسالة فانصب في الاستغفار لك وللمؤمنين. قال عمر بن الخطاب إني لأكره أن أرى أحدكم فارغا سبهللا لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته. السبهلل الذي لا شيء معه ، وقيل السبهلل الباطل وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ أي تضرع إليه راغبا في الجنة راهبا من النار ، وقيل اجعل رغبتك إلى اللّه تعالى في جميع أحوالك لا إلى أحد سواه واللّه أعلم. |
﴿ ٠ ﴾