تفسير الكشف والبيان 

  أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم  النيسابورى

 الثعلبي

٤٢٧ هـ ١٠٣٥ م)

_________________________________ 

سورة فاتحة الكتاب

١

(أسماؤها)

أخبرنا عبد الرَّحْمن بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى،

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطّان، وأخبرنا محمد بن أحمد بن عبدوس، أخبرنا محمد بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى،

حدّثنا الفضل بن محمد بن المسيّب، حدّثنا خلف بن هشام،

حدّثنا محمد بن حسان عن المعافى ابن عمران عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال:

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الحمد للّه ربّ العالمين، سبع آيات أوّلهنّ (بسم اللّه الرَّحْمن الرحيم)، وهي السبع المثاني، وهي أمّ القرآن، وهي فاتحة الكتاب).

نزولها:

واختلفوا في نزولها؛

أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر قراءة،

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمود بن عبد اللّه المروزي قال:

حدّثنا عبد اللّه بن محمود السعدي، حدّثنا أبو يحيى القصريّ،

حدّثنا مروان بن معاوية عن الولاء بن المسيّب عن الفضل بن عمرو عن علي ابن أبي طالب (رضي اللّه عنه) قال: (نزلت فاتحة الكتاب بمكّة من كنز تحت العرش). وعلى هذا أكثر العلماء.

يدلّ عليه ما أخبرنا الحسن بن محمد بن جعفر، حدّثنا محمد بن محمود، حدّثنا أبو لبابة محمد بن مهدي،

حدّثنا أبي عن صدقة بن عبد الرَّحْمن عن روح بن القاسم (العبري) عن عمر ابن شرحبيل قال: إن أوّل ما نزل من القرآن {الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسرّ إلى خديجة (رضى اللّه عنها) وقال: (لقد خشيت أن يكون خالطني شيء). فقالت: وما ذاك؟

قال: (إني إذا خلوت سمعت النداء فأفرّ). قال: فانطلق به أبو بكر إلى ورقة بن نوفل، فقال له ورقة: إذا أتاك فاجثُ له. فأتاه جبريل فقال له: (قل: {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلا تَعْلُوا عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ } ).

وحدّثنا الحسن بن جعفر،

حدّثنا محمد بن محمود،

حدّثنا عمرو بن صالح عن ابن عباس،

حدّثنا أبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قام النبي (صلى اللّه عليه وسلم) بمكة فقال : {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلا تَعْلُوا عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} . فقالت قريش : دق اللّه فاك.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن،

أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن يعقوب،

حدّثنا أبو زيد،

حدّثنا أبو حاتم بن محبوب الشامي،

أخبرنا عبد الجبار العلاء عن معن عن منصور عن مجاهد قال : (فاتحة الكتاب أنزلت في المدينة).

وقال الحسن بن الفضل : لكل عالم هفوة،

وهذه منكرة من مجاهد لأنه تفرّد بها،

والعلماء على خلافه. وصح الخبر عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) في حديث أبي بن كعب أنها من : (أوّل ما نزل من القرآن) وأنها : (السبع المثاني)،

وسورة الحجر مكيّة بلا اختلاف. ومعلوم أن اللّه تعالى لم يمتنّ عليه بإتيانه السبع المثاني وهو بمكة،

ثم أنزلها بالمدينة،

ولا يسعنا القول بأن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كان بمكة يصلي عشر (سنوات) بلا فاتحة الكتاب،

هذا ممّا لا تقبله العقول.

قال الأستاذ : وقلت : قال بعض العلماء وقد لفق بين هذين القولين : أنها مكية ومدنية،

نزل بها جبرئيل مرتين مرّة بمكة ومرّة بالمدينة حين حلّها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) تعظيماً وتفضيلا لهذه السورة على ما سواها ولذلك سميت مثاني، واللّه أعلم.

أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفرات،

أخبرنا أبو موسى عمران بن موسى،

حدّثنا جعفر ابن محمد بن سوار،

أخبرنا أحمد بن نصر،

أخبرنا سعيد بن منصور،

حدّثنا سلام عن زيد العمّي عن ابن سيرين عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (فاتحة الكتاب شفاء من السمّ).

وأخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد،

حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أيّوب،

حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن صاحب،

حدّثنا المأمون بن أحمد،

حدّثنا أحمد بن عبد اللّه،

حدّثنا أبو معاوية الضرير عن أبي مالك الأشجعي عن ابن حمران عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن القوم ليبعث اللّه عليهم العذاب حتماً مقضيّاً فيقرأ صبيّ من صبيانهم في الكتاب : {الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيسمعه اللّه عزّ وجلّ فيرفع عنهم ذلك العذاب أربعين سنة).

وحدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هاني،

حدّثنا الحسين بن الفضل،

حدّثنا عفان بن مسلم الصفّار عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : أنزل اللّه عزّ وجلّ مائة وأربعة كتب من السماء أودع علومها أربعة : التوراة والإنجيل والزبور والفرقان،

ثم أودع علوم هذه الأربعة الفرقان،

ثم أودع علوم القرآن المفصّل،

ثم أودع علوم المفصّل فاتحة الكتاب. فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب اللّه المنزلة،

ومن قرأها فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

في فضل التسمية :

حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن علي،

حدّثنا أحمد بن سعيد،

حدّثنا جعفر بن محمد بن صالح،

وحدّثنا محمد بن القاسم الفارسي،

حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن أحمد الشيباني،

أخبرنا أحمد بن كامل بن خلف،

حدّثنا علي بن حماد بن السكن،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الهروي حسام بن سليمان المخزومي عن أبي مليكة عن ابن عباس (رضي اللّه عنه) قال : سمعت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (خير الناس وخير من يمشي على جديد الأرض المعلّمون؛ فكلما خلق الدين جدّدوه. أعطوهم ولا تستأجروهم،

فتحرجوهم فإن المعلّم إذا قال للصبي : قل : {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ،

فقال الصبي : {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كتب اللّه براءة للصبي،

وبراءة لأبويه وبراءة للمعلّم من النار).

وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل المولى،

أخبرنا أبو عليّ الاسفرائيني الحافظ،

حدّثنا ابن الحسن البصري،

حدّثنا محمد بن مروان أبو جعفر،

حدّثنا أبي،

حدّثنا عمر بن ذر،

عن عطاء عن جابر قال : (لما نزلت {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هرب الغيم إلى المشرق،

وسكنت الرياح،

وهاج البحر،

وأصغت البهائم بآذانها،

ورجمت الشياطين من السماء،

وحلف اللّه بعزته أن لا يسمّى اسمه على شيء إلاّ شفاه ولا يسمّى اسمه على شيء إلاّ بارك عليه،

ومن قرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} دخل الجنة).

وأخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن،

حدّثنا محمد بن محمد بن الحسن،

أخبرنا الحسن ابن علي بن نصر،

حدّثنا عبداللّه بن هاشم،

أخبرنا وكيع بن الجراح،

عن الأعمش،

عن أبي وائل،

عن عبد اللّه بن مسعود قال : (من أراد أن يُنجيه اللّه من الزبانية التسعة عشر فليقرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فإنّها تسعة عشر حرفاً ليجعل اللّه له بكل حرف منها جنة من كلّ واحد).

التفسير وباللّه التوفيق

{بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

قوله : {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

اعلم أنّ هذه الباء زائدة،

وهي تسمّى باء التضمين أو باء الإلصاق،

كقولك : كتبت بالقلم،

فالكتابة لاصقة بالقلم. وهي مكسورة أبداً؛ والعلة في ذلك أن الباء حرف ناقص ممال. والإمالة من دلائل الكسر،

قال سيبويه : لما لم يكن للباء عمل إلاّ الكسر كسرت.

وقال المبرّد : العلّة في كسرها ردّها إلى الأصل،

ألاترى أنك إذا أخبرت عن نفسك فإنك قلت : بَيْبَيْت،

فرددتها إلى الياء والياء أُخت الكسرة كما أن الواو أُخت الضمة والألف أُخت الفتحة،

وهي خافضة لما بعدها فلذلك كسرت ميم الاسم.

وطوّلت هاهنا وشبهت بالألف واللام؛ لأنهم لم يريدوا أن يفتتحوا كتاب اللّه إلاّ بحرف مفخّم معظّم. قاله القيسي.

قال : وكان عمر بن عبد العزيز (رحمه اللّه) يقول لكتّابه : (طوّلوا الباء،

وأظهروا السين،

وفرّجوا بينهما،

ودوّروا الميم تعظيماً لكلام اللّه تعالى).

وقال أبو ...... خالد بن يزيد المرادي : العلّة فيها إسقاط الألف من الاسم،

فلما أسقطوا الألف ردّوا طول الألف الى الباء ليكون دالاًّ على سقوط الألف منها. ألاترى أنهم لمّا كتبوا : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} بالألف ردّوا الباء إلى صيغتها،

فإنما حذفوا الألف من (اسم) هنا فالكثرة دورها على الألسن عملا بالخفّة،

ولمّا لم يكثر أضرابها كثرتها أثبتوا الألف بها.

وفي الكلام إضمار واختصار تقديره : قل،

أو ابدأ بسم اللّه.

وقال آدم : الاسم فيه صلة،

مجازهُ : باللّه الرَّحْمن الرحيم هو،

واحتجوا بقول لبيد :

تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلاّ من ربيعةَ أو مضرْ

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

ومن يبكِ حولا كاملا فقد اعتذرْ

أي ثم السلام عليكما.

ومعناه : باللّه تكوّنت الموجودات،

وبه قامت المخلوقات. وأدخلوا الاسم فيه ليكون فرقاً بين المتيمِّن والمتيمَّن به. فأمّا معنى الاسم،

فهو المسمى وحقيقة الموجود،

وذات الشيء وعينه ونفسه واسمه،

وكلها تفيد معنىً واحداً. والدليل على أن الاسم عين المسمّى قوله تعالى : {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} ،

فأخبر أنّ اسمه يحيى،

ثمّ نادى الاسم وخاطبه فقال : {يَحْيَى} . فيحيى هو الاسم،

والإسم هو يحيى.

[يوسف : ]

وقوله تعالى : و{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ} وأراد الأشخاص المعبودة؛ لأنهم كانوا يعبدون المسمّيات.

وقوله تعالى : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى} ،

و {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} .

وقوله (صلى اللّه عليه وسلم) (لَتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبادَ اللّه حتّى لا يُعبَد له إسمٌ) أي حتى لا يعبد هو.

ثم يقال : رأينا للتسمية اسم،

واستعمالها في التسمية أشهر وأكثر من استعمالها في المسمّى،

ولعل الاسم أشهر،

وجمعه : أسماء،

مثل قنو وأقناء،

وحنو وأحناء،

فحذفت الواو للاستثقال،

ونقلت حركة الواو إلى الميم فأُعربت الميم،

ونقل سكون الميم إلى السين فسكنت،

ثم أُدخلت ألف مهموزة لسكون السين؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير والتصريف يقال : سُميّ وسميّة؛ لأن كل ما سقط في التصغير والتصريف فهو غير أصلي. واشتقاقه من (سما) (يسمو)،

فكأن المخبر عنه بأنه معدوم ما دام معدوماً فهو في درجة يرتفع عنها إذ وجد،

ويعلو بدرجة وجوده على درجة عدمه. والإسم الذي هو العبارة والتسمية للمخبر والصفة للمنظر. وأصل الصفة ظهور الشيء وبروزه،

واللّه أعلم.

فأمّا ما ورد في تفسيرها بتفصيلها فكثير،

ذكرت جلّ أقاويلها في حديث وحكاية.

أخبرنا الأستاذ أبو القاسم بن محمد بن الحسن المفسّر،

حدّثنا أبو الطيّب محمد بن أحمد ابن حمدون المذكر،

أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد،

حدّثنا أحمد بن هشام الأنطاكي،

حدّثنا الحكم بن نافع عن إسماعيل بن عبّاس عن إسماعيل عن يحيى عن أبي مليكة عن مسعود بن عطيّة العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن عيسى بن مريم أسلمته أمّه إلى الكُتّاب ليتعلّم،

فقال له المعلّم : قل باسم اللّه. قال عيسى : وما باسم اللّه؟

فقال له المعلّم : ما أدري. قال : الباء : بهاء اللّه،

والسين : سناء اللّه،

والميم : مملكة اللّه).

وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول : سمعت أبا إسحاق بن ميثم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو يقول : سمعت أبا عبد اللّه ختن أبي بكر الوراق يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول في {بِسْمِ اللّه} : إنها روضة من رياض الجنة لكل حرف منها تفسير على حدة :

فالباء على ستة أوجه :

بارىء خلقه من العَرش الى الثرى،

ببيان قوله :

{إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} .

بصير بعباده من العرش الى الثرى،

بيانه : {أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ} .

باسط الرزق من العرش الى الثرى،

بيانه : {اللّه يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقَدِرُ} .

وباق بعد فناء خلقه من العرش إلى الثرى : بيانه : .

باعث الخلق بعد الموت للثواب والعقاب،

بيانه : {وَأَنَّ اللّه يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ} .

بارّ بالمؤمنين من العرش إلى الثرى،

بيانه قوله : {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} .

والسين على خمسة أوجه :

سميع لأصوات خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه قوله تعالى : {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَ اهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} .

سيّد قد بلغ سؤدده من العرش إلى الثرى،

بيانه : {اللّه الصَّمَدُ} .

سريع الحساب مع خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {وَاللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ} .

سلم خلقه من ظلمه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} .

غافر ذنوب عباده من العرش إلى الثرى،

بيانه : قوله : {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} .

والميم على اثني عشر وجهاً :

ملك الخلق من العرش إلى الثرى،

بيانه : {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} .

مالك خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {قُلِ اللّهمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} .

[الحجرات : ]

منّان على خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {بَلِ اللّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} .

مجيد على خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} .

مؤمّن آمن خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه قوله : {وَءَامَنَهُم مِّنْ خوْف} .

مهيمن اطّلع على خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} .

مقتدر على خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر} .

مقيت على خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {وَكَانَ اللّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقِيتًا} .

متكرّم على خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ} .

منعم على خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه قوله : {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} .

متفضّل على خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {وَلَاكِنَّ اللّه ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} .

مصوّر خلقه من العرش إلى الثرى،

بيانه : {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} .

وقال أهل الحقائق : ..... في {بِسْمِ اللّه} التيمّن والتبرّك وحثّ الناس على الابتداء في أقوالهم وأفعالهم ب {بِسْمِ اللّه} لمّا افتتح اللّه عزّ وجلّ كتابه به،

واللّه أعلم.

{اللّه} ،

اعلم أن أصل هذه الكلمة (إله) في قول أهل الكوفة،

فأُدخلت الألف واللام فيها تفخيماً وتعظيماً لما كان اسم اللّه عزّ وجلّ،

فصار (الإله)،

فحذفت الهمزة استثقالا لكثرة جريانها على الألسن،

وحوّلت هويتها إلى لام التعظيم فالتقى لامان،

فأُدغمت الأولى في الثانية،

فقالوا (اللّه).

وقال أهل البصرة : أصلها (لاه)،

فأُلحقت بها الألف واللام،

فقالوا : (اللّه). وأنشدوا :

كحلفة من أبي رباح

يسمعها الآهه الكبار

فأخرجه على الأصل.

وقال بعضهم : أُدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة المحذوفة في (إله)،

فلزمتا الكلمة لزوم تلك الهمزة لو أُجريت على الأصل،

ولهذا لم يدخل عليه في النداء ما يدخل على الأسماء المعرّفة من حروف التشبيه،

فلم يقولوا : يا أيها اللّه.

دفع أقاويل أهل التأويل في هذا الاسم مبنيّة على هذين القولين ... ثمة،

واختلفوا فيه؛ فقال الخليل بن أحمد وجماعة : (اللّه) اسم علم موضوع غير مشتق بوجه،

ولو كان مشتقّاً من صفة كما لو كان موصوفاً بتلك الصفة أو بعضها،

قال اللّه : {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} .

(اللّه) : اسم موضوع للّه تعالى لا يشركه فيه أحد،

قال اللّه تعالى : {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ،

يعني : أن كل اسم مشترك بينه وبين غيره؛ له على الحقيقة ولغيره على المجاز إلاّ هذا الاسم فإنه مختص به لأن فيه معنى الربوبيّة. والمعاني كلها تحته،

ألاترى أنك إذا أسقطت منه الألف بقي للّه،

وإذا أسقطت من للّه اللام الأولى بقي (له)،

وإذا أسقطت من (له) اللام بقي هو.

قالوا : وإذا أُطلق هذا الاسم على غير اللّه فإنما يقال بالإضافة كما يقال : لاه كذا أو ينكر فيقال : للّه كما قال تعالى إخباراً عن قوم موسى ج : {اجْعَل لَّنَآ الها كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ} . وأما (اللّه)،

و (الإله) فمخصوصان للّه تعالى.

وقال قوم : أصله (لاها) بالسريانية،

وذلك أن في آخر أسمائهم مدّة،

كقولهم للروح : (روحا)،

وللقدس : (قدسا)،

وللمسيح : (مسيحا)،

وللابن : (ابنا)،

فلما طرحوا المدّة بقي (لاه)،

فعرّبه العرب وأقرّوه.

ولا اشتقاق له،

وأكثر العلماء على أنه مشتق؛ واختلفوا في اشتقاقه،

فقال النضر بن إسماعيل : هو من التألّه،

وهو التنسّك والتعبّد،

قال رؤبة :

للّه در الغانيات المدّهِ

سبحن واسترجعن من تألهي

ويقال : أله إلاهة،

كما يقال : عبد عبادة. وقرأ ابن عباس : (ويذرك وإلهتك) أي عبادتك؛ فمعناه عبادتك المعبود الذي تحقّ له العبادة.

وقال قوم هو من (الإله)،

وهو الاعتماد،

يقال : ألهت إلى فلان،

آلَهُ إلهاً،

أي فزعت إليه واعتمدت عليه،

قال الشاعر :

ألهت إليها والركائب وقّف

ومعناه : أن الخلق يفزعون ويتضرعون إليه في الحوادث والحوائج،

فهو يألههم،

أي يجيرهم،

فسمي إلهاً،

كما يقال : إمام للذي يؤتم به،

ولحاف ورداء وإزار وكساء للثوب الذي يلتحف به،

ويرتدى به،

وهذا معنى قول ابن عباس والضحّاك.

وقال أبو عمرو بن العلاء : هو من (ألهت في الشيء) إذا تحيّرت فيه فلم تهتدِ إليه،

قال زهير :

..... يأله العين وسطها

مخفّفة

وقال الأخطل :

ونحن قسمنا الأرض نصفين نصفها

لنا ونرامي أن تكون لنا معا

بتسعين ألفاً تأله العين وسطها

متى ترَها عين الطرامة تدمعا

ومعناه : أن العقول تتحيّر في كنه صفته وعظمته والإحاطة بكيفيته،

فهو إله كما قيل للمكتوب : كتاب،

وللمحسوب : حساب.

وقال المبرّد : هو من قول العرب : (ألهت إلى فلان) أي سكنت إليه،

قال الشاعر :

ألهت إليها والحوادث جمّة

فكأن الخلق يسكنون إليه ويطمئنون بذكره،

قال اللّه تعالى : {أَلا بِذِكْرِ اللّه تَطْمَنُّ} .

وسمعت أبا القاسم الحسن : سمعت أبا الحسن علي بن عبد الرحيم القناد يقول : أصله من (الوله)،

وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ عليك. وأصله (أله) بالهمزة فأُبدل من الألف واو فقيل الوله،

مثل (إشاح، ووشاح) و (وكاف، وإكاف) و (أرّخت الكتاب، وورّخته) و (ووقّتت، وأُقّتت). قال الكميت :

ولهت نفسي الطروب إليهم

ولها حال دون طعم الطعام

فكأنه سمّي بذلك؛ لأن القلوب تولّه لمحبّته وتضطرب وتشتاق عند ذكره.

وقيل : معناه : محتجب؛ لأن العرب إذا عرفت شيئاً،

ثم حجب عن أبصارها سمّته إلهاً،

قال : لاهت العروس تلوه لوهاً،

إذ حجُبت.

قال الشاعر :

لاهت فما عرفت يوماً بخارجة

يا ليتها خرجت حتّى رأيناها

واللّه تعالى هو الظاهر بالربوبيّة (بالدلائل والأعلام) وهو المحتجب من جهة الكيفيّة عن الأوهام.

وقيل : معناه المتعالي،

يقال : (لاه) أي ارتفع.

وقد قيل : من (إلا هتك)،

فهو كما قال الشاعر :

تروّحنا من اللعباء قصراً

وأعجلنا الألاهة أن تؤوبا

وقيل : هو مأخوذ من قول العرب : ألهت بالمكان،

إذا أقمت فيه،

قال الشاعر :

ألهنا بدار ما تبين رسومها

كأن بقاياها وشام على اليدِ

فكأن معناه : الدائم الثابت الباقي.

وقال قوم : (ان يقال) ذاته وهي قدرته على الإخضاع.

وقال الحارث بن أسد المجلسي،

أبو عبد اللّه البغدادي : اللّه من (ألههم) أي أحوجهم،

فالعباد مولوهون إلى بارئهم أي محتاجون إليه في المنافع والمضارّ،

كالواله المضطرّ المغلوب.

وقال شهر بن حوشب : اللّه خالق كل شيء،

وقال أبو بكر الوراق : هو.

وغلّظ بعض بقراءة اللام من قوله : (اللّه) حتى طبقوا اللسان به الحنك لفخامة ذكره،

وليصرف عند الابتداء بذكره وهو الرب.

{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ،

قال قوم : هما بمعنىً واحد مثل (ندمان،

ونديم) و (سلمان،

وسليم)،

وهوان وهوين. ومعناهما : ذو الرحمة،

والرحمة : إرادة اللّه الخير بأهله،

وهي على هذا القول صفة ذات. وقيل : هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة،

(وفعل) الخير إلى من لم يستحق،

وعلى هذا القول صفة فعل،

يجمع بينهما للاتّساع،

كقول العرب : جاد مجد. قال طرفة :

فما لي أراني وابن عمي مالكاً

متى أدنُ منه ينأ عني ويبعدِ

وقال آخر :

وألفى قولها كذباً ومينا

وفرّق الآخرون بينهما فقال : بعضهم الرَّحْمن على زنة فعلان،

وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول. وقولك : رجل غضبان للممتلئ غضباً،

وسكران لمن غلب عليه الشراب. فمعنى (الرَّحْمن) : الذي وسعت رحمته كل شيء.

وقال بعضهم : (الرَّحْمن) العاطف على جميع خلقه؛ كافرهم ومؤمنهم،

برّهم وفاجرهم بأن خلقهم ورزقهم،

قال اللّه تعالى : {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ} ،

و(الرحيم) بالمؤمنين خاصّة بالهداية والتوفيق في الدنيا،

والجنة والرؤية في العقبى،

قال تعالى : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ} . ف (الرَّحْمن) خاصّ اللفظ عامّ المعنى،

و (الرحيم) عامّ اللفظ خاصّ المعنى. و (الرَّحْمن) خاص من حيث إنه لا يجوز أن يسمى به أحد إلاّ اللّه تعالى،

عامّ من حيث إنه يشمل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. و (الرحيم) عامّ من حيث اشتراك المخلوقين في المسمّى به،

خاص من طريق المعنى؛ لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق. وهذا قول جعفر بن محمد الصادق (رضي اللّه عنه).

الرَّحْمن اسم خاص بصفة عامة،

والرحيم اسم عام بصفة خاصة،

وقول ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسّر،

حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن يوسف الدّقاق،

حدّثنا الحسن بن محمد بن جابر،

حدّثنا عبد اللّه بن هاشم،

أخبرنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال : الرَّحْمن بأهل الدنيا،

والرحيم بأهل الآخرة. وجاء في الدعاء : يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.

وقال الضحّاك : الرَّحْمن بأهل السماء حين أسكنهم السماوات،

وطوّقهم الطاعات،

وجنّبهم الآفات،

وقطع عنهم المطاعم واللذات. والرحيم بأهل الأرض حين أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب،

وأعذر إليهم في النصيحة وصرف عنهم البلايا.

وقال عكرمة : الرَّحْمن برحمة واحدة،

والرحيم بمائة رحمة وهذا المعنى قد اقتبسه من قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) الذي حدّثناه أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري،

حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو،

حدّثنا أبو هريرة وأحمد بن محمد بن شاردة الكشي،

حدّثنا جارود ابن معاذ،

أخبرنا عمير بن مروان عن عبد الملك أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن للّه تعالى مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه،

فبها يتعاطفون،

وبها يتراحمون،

وأخّر تسعة وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة).

وفي رواية أخرى : (إن اللّه تعالى قابض هذه إلى تلك فمكملها مائة يوم القيامة، يرحم بها عباده).

وقال ابن المبارك : (الرَّحْمن : الذي إذا سُئل أعطى،

والرحيم إذا لم يُسأل غضب. يدلّ عليه ما حدّثنا أبو القاسم المفسّر،

حدّثنا أبو يوسف رافع بن عبد اللّه بمرو الروذ،

حدّثنا خلف ابن موسى : حدّثنا محمود بن خداش،

حدّثنا هارون بن معاوية،

حدّثنا أبو الملج وليس الرقّي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : من لم يسأل اللّه يغضب عليه،

نضمه الشاعر فقال :

إن اللّه يغضب إن تركت سؤاله

وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضب

وسمعت الحسن بن محمد يقول : سمعت إبراهيم بن محمد النسفي يقول : سمعت أبا عبد اللّه وهو ختن أبي بكر الوراق يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول : (الرَّحْمن : بالنعماء وهي ما أعطي وحبا،

والرحيم بالآلاء وهي ما صرف وزوى).

وقال محمد بن علي المزيدي : الرَّحْمن بالإنقاذ من النيران،

وبيانه قوله تعالى : {وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} ،

والرحيم بإدخالهم الجنان،

بيانه : {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ءَامِنِينَ} .

وقال المحاسبي : (الرَّحْمن : برحمة النفوس،

والرحيم برحمة القلوب).

وقال السريّ بن مغلس : (الرَّحْمن بكشف الكروب،

والرحيم بغفران الذنوب).

وقال عبد اللّه بن الجرّاح : (الرَّحْمن ب ..... الطريق،

والرحيم بالعصمة والتوفيق).

وقال مطهر بن الوراق : (الرَّحْمن بغفران السيّئات وإن كن عظيمات،

والرحيم بقبول الطاعات وإن كنّ (قليلات)).

وقال يحيى بن معاذ الرازي : (الرَّحْمن بمصالح معاشهم،

والرحيم بمصالح معادهم).

وقال الحسين بن الفضل : (الرَّحْمن الذي يرحم العبد على كشف الضر ودفع الشر،

والرحيم الذي يرقّ وربما لا يقدر على الكشف).

وقال أبو بكر الوراق أيضاً : (الرَّحْمن بمن جحده والرحيم بمن وحّده،

والرَّحْمن بمن كفر والرحيم بمن شكر،

والرَّحْمن بن قال ندّاً والرحيم بمن قال فردا).

في أن التسمية من الفاتحة أو لا؟

واختلف الناس في أنّ التسمية؛ هل هي من الفاتحة؟

فقال قرّاء المدينة والبصرة وقرّاء الكوفة : إنها افتتاح التيمّن والتبرّك بذكره،

وليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور،

ولا تجب قراءتها وأن الآية السادسة قوله تعالى : {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} . وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي وأبي حنيفة رحمهم اللّه ورووا ذلك عن أبي هريرة.

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن الحسن النيسابوري،

حدّثنا أبو الحسن محمد بن الحسن الكابلي،

أخبرنا علي بن عبد العزيز الحلّي،

حدّثنا أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي،

حدّثنا الحجاج عن أبي سعيد الهذلي عن ..... عن أبي هريرة قال (أنعمت عليهم) الآية السادسة،

فزعمت فرقة أنها آية من أمّ القرآن،

وفي سائر السور فصل،

فليست هاهنا أنها يجب قراءتها.

(وقال قوم : إنها آية من فاتحة الكتاب) رووا ذلك عن سعيد بن المسيب،

وبه قال قرّاء مكة والكوفة وأكثر قرّاء الحجاز،

ولم يعدّوا {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية.

وقال الشافعي والشعبي وهو رأي عبد اللّه أنها نزلت في الآية الأُولى من فاتحة الكتاب،

وهي من كل سورة آية إلاّ التوبة. والدليل عليه الكتاب والسنة؛ أمّا الكتاب سمعت أبا عثمان بن أبي بكر الزعفراني يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن موسى يقول : سمعت الحسن بن المفضّل يقول : رأيت الناس ....... في النمل أن {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيها من القرآن فوجدتها بخطها ولو أنها مكرّرات في القرآن،

فعرفنا أماكنها منه بل حتى {فَبِأَىِّ ءَالآء ِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ،

{وَيْلٌ يومئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ} لما كانا في القرآن كانت مكرّراتهما من القرآن.

وبلغنا أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كتب في بدء الأمر على رسم قريش : (باسمك اللّهم) حتى نزلت : {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاسْمِ اللّه وَمُرْسَ اهَآ} فكتب : {بِسْمِ اللّه} حتى نزلت : {قُلِ ادْعُوا اللّه أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَانَ} ،

فكتب : (بسم اللّه الرَّحْمن) ،

حتى نزلت : {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ،

فكتب مثلها فلمّا كانت ..... هذه .... وحيث أن يكون.... منه ثم افتخر النبي (صلى اللّه عليه وسلم) بهذه الآية،

وحقّ له ذلك.

حدّثنا عبد اللّه بن حامد بن محمد الوراق : أخبرنا أبو بكر أحمد بن اسحاق الفقيه حدّثنا محمد ابن يحيى بن سهل،

حدّثنا آدم بن أبي إياس،

حدّثنا سلمة بن الأحمر عن يزيد بن أبي خالد عن عبد الكريم بن أمية عن أبي بريدة عن أبيه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري؟).

فقلت : بلى. قال : (بأي شيء تفتتح إذا افتتحت القرآن؟).

قلت : {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقال : (هي هي).

وفي هذا الحديث دلّ دليل على كون التسمية آية تامّة من الفاتحة وفواتح السور؛ لأن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) حين لفظ الآية كلها،

والتي في سورة النمل ليست بآية وإنما هي بعض الآية،

وباللّه التوفيق.

وأمّا الأخبار الواردة فيه،

فأخبرنا أبو القاسم السدوسي،

حدّثنا أبو زكريا يحيى بن محمد ابن عبد اللّه العنبري،

حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي،

حدّثنا أبو سفيان المعمري عن إبراهيم بن يزيد قال : قلت لعمرو بن دينار : إن الفضل الرقاشي زعم أن {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ليس من القرآن؟

قال : سبحان اللّه ما أجرأ هذا الرجل سمعت سعيد بن جبير يقول : سمعت ابن عباس يقول : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إذا نزلت آية {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} علم أن السورة قد ختمت وفتح غيرها.

وحدّثنا الحسن بن محمد : حدّثنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي : حدّثنا أبو محمد إسماعيل ابن عيسى الواسطي : حدّثنا عبد اللّه بن نافع عن جهم بن عثمان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة؟)

قال : أقول : الحمد للّه رب العالمين. قال : (قل : {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ).

وحدّثنا الحسن بن محمد،

أخبرنا أبو الحسين...،

حدّثنا علي بن عبد العزيز،

حدّثنا أبو عبيد،

حدّثنا عمر بن هارون البلخي عن أبي صالح عن أبي مليكة عن مسلمة أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كان يقرأ : {الدِّينِ} يعني يقطّعها آية آية حتّى عدّ سبع آيات عدّ الأعراب.

أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد،

حدّثنا أبو أحمد عبد اللّه بن عدي الحافظ،

حدّثنا محمد ابن جعفر،

حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس،

حدّثنا الحسين بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب (كرّم اللّه وجهه) أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ،

وكان يقول : (من ترك قراءتها فقد نقص). وكان يقول : (هي تمام السبع المثاني والقرآن العظيم).

وأخبرنا الحسين بن محمد بن جعفر،

حدّثنا أبو العباس الأصم،

حدّثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي،

حدّثنا جعفر بن حيّان عن عبد الملك بن جريح عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} قال : فاتحة الكتاب.

وقيل لابن عباس : أين السابعة؟

قال : {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وعدّها في يديه ثم قال : أُخرجها لكم،

وما أجد فيها أمركم.

أخبرنا (محمّد بن الحسين) حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن مسلم،

حدّثنا يزيد بن سنان،

حدّثنا أبو بكر الحنفي،

حدّثنا نوح بن أبي بلال قال : سمعت المقبري عن أبي هريرة أنه قال : إذا قرأتم أمّ القرآن فلا تبرحوا {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فإنها إحدى آياتها وإنها السبع المثاني.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب،

أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد اللّه العنبري،

حدّثنا جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ،

حدّثنا أحمد بن نصر،

حدّثنا آدم بن إياس عن أبي سمعان عن العلا،

عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (يقول اللّه : قسمت الصلاة بيني وبين عبادي نصفين؛ فإذا قال العبد : {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال اللّه : مجّدني عبدي،

وإذا قال العبد {الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال اللّه : حمدني عبدي،

وإذا قال : {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال : أثنى عليّ عبدي،

وإذا قال : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال اللّه : فوّض إليّ أمره عبدي،

وإذا قال : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال اللّه : هذا بيني وبين عبدي،

وإذا قال : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قال اللّه : هذا لعبدي،

ولعبدي ما سأل).

وأخبرنا علي بن محمد بن الحسن المقري،

أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد القصّار،

حدّثنا محمد بن بكر البصري،

حدّثنا محمد بن علي الجوهري،

حدّثنا... حدثني أبو إسماعيل بن يحيى ...،

حدّثنا سفيان الثوري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : كنت مع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) والنبي (صلى اللّه عليه وسلم) يحدّث أصحابه؛ إذ دخل رجل يصلّي،

وافتتح الصلاة،

وتعوّذ،

ثم قال : {الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ} . فسمع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : (يا رجل،

قطعت على نفسك الصلاة،

أما علمت أن {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من الحمد؟

فمن تركها فقد ترك آية،

ومن ترك آية منه فقد قطعت عليه صلاته). لا تكون الصلاة إلاّ بفاتحة الكتاب،

ومن ترك آية فقد بطلت صلاته.

وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني،

حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي،

حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر بن هشام،

أخبرنا محمد بن يحيى،

حدّثنا حكيم بن الحسين،

حدّثنا سليمان بن مسلم المكّي عن نافع عن أبي مليكة عن طلحة بن عبيداللّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من ترك {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقد ترك آية من كتاب اللّه).

وقد عدّها علي ج فيما عدّ من أمّ الكتاب.

وأما الإجماع،

فأخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن حامد الورّاق،

أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الضبعي،

حدّثنا عبد اللّه بن محمد،

حدّثنا محمد بن يحيى،

حدّثنا علي بن المديني،

حدّثنا عبدالوهّاب بن فليح،

عن عبداللّه بن ميمون عن عبيد بن رفاعة أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة فصلّى بالناس صلاة يجهر فيها،

ولمّا قرأ أم القرآن ولم يقرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وقضى صلاته،

ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية : أنسيت أين {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حين استفتحت القرآن؟

فأعادها لهم معاوية فقرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

الكلام في جزئية البسملة من باقي السور

هذا في الفاتحة،

فأما في غيرها من السور،

فأخبرنا أبو القاسم الحبيبي،

حدّثنا أبو العباس الأصم،

حدّثنا الربيع بن سليمان،

أخبرنا الشافعي،

أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز،

عن ابن جريج،

عن عبد اللّه بن عثمان بن خيثم،

أن أبا بكر بن حفص بن عاصم قال : صلى معاوية بالمدينة صلاة يجهر فيها بالقراءة،

وقرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لأم القرآن ولم يقرأ للسورة التي بعدها حتى قضى صلاته،

فلمّا سلّم ناداه المهاجرون من كل مكان : يا معاوية،

أسرقت الصلاة أم نسيت؟

فصلى بهم صلاة أخرى وقرأ فيها للسورة التي بعدها.

وما ... النظر بآيات (السور) مقاطع القرآن على ضربين متقاربة ومتشاكلة. والمتشاكلة نحو ما في سورة القمر والرَّحْمن وأمثالهما،

والمتقاربة قيل : في سورة {ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هذا شَىْءٌ عَجِيبٌ} ،

وما ضاهاها. ثم نظرنا في قوله : {قَبْلَهُمْ} ،

فلم يكن من المتشاكلة ولا من المتقاربة،

ووجدنا أواخر آي القرآن على حرفين : ميم ونون أو حرف صحيح قبلها نا مكسورة فأوّلها،

أو واو مضموم ما قبلها،

أو ألف مفتوح ما قبلها،

ووجدنا سبيلهم هو هو مخالف لنظم الكتاب.

هذا ولم نرَ غير مبتدأ آية في كتاب اللّه .... إذ يقول أيضاً : إن التسمية لا (تخلو)؛ إما أن تكون مكتوبة للفصل بين السور،

أو في آخر السور،

أو في أوائلها أو حين نزلت كتبت،

وحيث لم تنزل لم تكتب،

فلو كتبت للفصل لكتبت ... وتراخ،

ولو كتبت في الابتدا لكتبت في (براءة)،

ولو كتبت في الانتهاء لكتبت في آخر {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} . فلمّا أبطلت هذه الوجوه علمنا أنها كتبت حيث نزلت،

وحيث لم تنزل لم تكتب.

يقول أيضاً : إنا وجدناهم كتبوا ما كان غير قرآن من الآي والأخرى،

أو خضرة،

وكتبوا التسمية بالسواد فعلمنا أنها قرآن،

وباللّه التوفيق.

حكم الجهر بالبسملة في الصلاة

ثم الجهر بها في الصلاة سنّة لقول اللّه تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (فأمر) رسوله أن يقرأ القرآن بالتسمية،

وقال : فأوجب الفلاح لمن صلّى بالتسمية.

وأخبرنا أبو القاسم (الحسن بن محمّد بن جعفر) حدّثنا أبو صخر محمد بن مالك السعدي بمرو،

حدّثنا عبد الصمد بن الفضل الآملي،

حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي بغوطة (دمشق) قال : صليت خلف المهديّ أمير المؤمنين فجهر ب {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ،

فقلت : ما هذه القراءة يا أمير المؤمنين؟

(فقال : ) حدثني أبي عن أبيه عن عبد اللّه بن عباس أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) هر ب {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ،

قلت : أآثرها عنك؟

قال : نعم.

وحدّثنا الحسن بن محمد بن الحسن قال : حدّثنا أبو أحمد محمد بن قريش بن حابس بمرو الروذ إملاءً،

حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدّيري،

حدّثنا عبد الرزاق عن عمر بن دينار،

أن ابن عمر وابن عباس كانا يجهران ب {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وحدّثنا الحسن بن محمد بن زكريا العنبري،

حدّثنا محمد بن عبد السلام،

حدّثنا إسحاق ابن إبراهيم،

أخبرنا خَيْثَمة بن سليمان قال : سمعت ليثاً قال : كان عطاء وطاووس ومجاهد يجهرون ب {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وحدّثنا الحسن بن محمد : حدّثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرَّحْمن المروزي،

حدّثنا الحسن ابن علي بن نصير الطوسي،

حدّثنا أبو ميثم سهل بن محمد،

حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الخزاعي،

عن عمّار بن سلمة،

عن علي بن زيد بن جدعان،

أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة ب بسم {اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يجهرون بها : عبد اللّه بن عباس،

وعبد اللّه بن عمر،

وعبد اللّه بن الزبير،

وعبد اللّه بن صفوان.

وحدّثنا الحسن بن محمد،

حدّثنا أبو نصر منصور بن عبد اللّه الاصفهاني،

حدّثنا أبو القاسم الاسكندراني،

حدّثنا أبو جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد أنه قال : (اجتمع آل محمد على الجهر ب {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ،

وعلى أن يقضوا ما فاتهم من صلاة الليل بالنهار،

وعلى أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن القول وفي صاحبهما).

وبهذا الإسناد قال : سئل الصادق عن الجهر بالتسمية،

فقال : (الحق الجهر به،

وهي التي التي ذكر اللّه عزّ وجلّ : {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا} ).

وحدّثنا الحسن،

حدّثنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن موسى بن كعب العدل،

حدّثنا الحسين ابن أحمد بن الليث،

حدّثنا محمد بن المعلّى المرادي،

حدّثنا أبو نعيم عن خالد بن إياس عن سعيد ابن أبي سعيد المقرىء عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أتاني جبريل فعلمني الصلاة)،

ثم قام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وكبّر فجهر ب {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وحدّثنا الحسن بن محمد،

حدّثنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن حمدون،

حدّثنا الشرقي،

حدّثنا محمد بن يحيى،

حدّثنا ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب ونافع بن أيوب قالا : حدّثنا عقيل عن الزهري قال : من سنّة الصلاة أن تقرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في فاتحة الكتاب (فإن) لم يقرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لم يقرأ السورة. وقال : إن أوّل من ترك {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عمرو ابن سعيد بن العاص بالمدينة،

واحتجّ من أنّ إتيان التسمية أنها من الفاتحة،

والجهر بها في الصلاة بما أخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل النيسابوري القطّان،

حدّثنا محمد بن إبراهيم الجرجاني،

حدّثنا إبراهيم بن عمّار عن سعيد بن أبي عروبة عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أنس بن مالك قال : صليت مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأبي بكر وعمر وعثمان،

فلم أسمع أحداً منهم يقرأ {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا محمد بن إسماعيل العماريّ،

حدّثنا يزيد بن أحمد بن يزيد،

حدّثنا أبو عمرو،

حدّثنا محمد بن عثمان،

حدّثنا سعيد بن بشير،

عن قتادة عن أنس،

أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يجهرون،

ويخفون {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

فعلم بهذا الحديث أنه لم ينفِ كون هذه الآية من جملة السورة،

لكنه تعرّض لترك الجهر فقط،

على أنه أراد بقوله : (لا يجهرون) : أنهم لا يتكلفون في رفع الصوت ولم يرد الإسراء والتخافت أو تركها أصلا.

ويدل عليه ما أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد الحبيبي،

أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري،

حدّثنا محمد بن عبد السلام الوراق وعبد اللّه بن محمد بن عبد الرَّحْمن قالا : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي،

أخبرنا يحيى بن آدم،

أخبرنا شريك،

عن ياسر،

عن سالم الأفطس،

عن ابن أبي ليلى،

عن سعيد،

عن ابن عباس،

قال : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يجهر ب {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} جهر بها صوته،

فكان المشركون يهزؤون بمكّة ويقولون : يذكر إله اليمامة،

يعنون مسيلمة الكذاب،

ويسمونه الرَّحْمن،

فأنزل اللّه : {وَلا تَجْهَرْ بِصَلا تِكَ} فيسمع المشركون فيهزؤون،

{وَلا تُخَافِتْ} عن أمتك ولا تسمعهم{وَابْتَغِ بَيْنَ ذلك سبيلا} .

واحتجّوا أيضاً بما أخبرنا عبد اللّه بن حامد،

٢

أخبرنا محمد بن جعفر المطيري، حدّثنا بشر ابن مطر (عن سفيان عن عبداللّه بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة) عن أبيه عن قتادة عن أنس أنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون القراءة ب {الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وإنما عنى بها أنهم كانوا يستفتحون الصلاة بسورة (الحمد)، فعبّر بهذه الآية عن جميع السورة كما يقول : قرأت{الْحَمْدُ للّه} و (البقرة)، أي سورة{الْحَمْدُ للّه} وسورة (البقرة) ... أي رويناها نحكم على هذين الحديثين وأمثالهما وباللّه التوفيق.

[فاطر : ]

قوله تعالى : {الْحَمْدُ للّه}

... على نفسه،

نعيماً منه على خلقه. ولفظه خبر ومعناه أمر،

تقريره : قولوا : الحمد للّه. قال ابن عباس : يعني : الشكر منه،

وهو من الحمد .... والحمد للّه نقيض الذم. وقال ابن الأنباري : هو مقلوب عن المدح كقوله : جبل وجلب،

و : بض وضبّ.

واختلف العلماء في الفرق بين الحمد والشكر،

فقال بعضهم : الحمد : الثناء على الرجل بما فيه من الخصال الحميدة،

تقول : حمدت الرجل،

إذا أثنيت عليه بكرم أو (حلم) أو شجاعة أو سخاوة،

ونحو ذلك. والشكر له : الثناء عليه أو لآله.

فالحمد : الثناء عليه بما هو به،

والشكر : الثناء عليه بما هو منه.

وقد يوضع الحمد موضع الشكر،

فيقال : حمدته على معروفه عندي،

كما يقال : شكرته،

ولا يوضع الشكر موضع الحمد،

(ف ) لا يقال : شكرته على علمه وحلمه.

والحمد أعمّ من الشكر؛ لذلك ذكره اللّه فأمر به،

فمعنى الآية : الحمد للّه على صفاته العليا وأسمائه الحسنى،

وعلى جميع صنعه وإحسانه إلى خلقه.

وقيل : الحمد باللسان قولاً،

قال اللّه : {وَقُلِ الْحَمْدُ للّه الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} ،

وقال : {قُلِ الْحَمْدُ للّه وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} والشكر بالأركان فعلاً،

قال اللّه تعالى : {اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدُ شَاكِرًا} .

وقيل : الحمد للّه على ما حبا وهو النعماء،

والشكر على ما زوى وهو اللأواء.

وقيل : الحمد للّه على النعماء الظاهرة،

والشكر على النعماء الباطنة،

قال اللّه تعالى : {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} .

وقيل : الحمد ابتداء والشكر ....

حدّثنا الحسن بن محمد بن جعفر النيسابوري لفظاً،

حدّثنا إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي،

حدّثنا محمد بن علي الترمذي،

حدّثنا عبداللّه بن العباس الهاشمي،

حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عبد اللّه بن عمرو (بن العاص) قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الحمد رأس الشكر ما شكر اللّه عبد لا يحمده).

وحدّثنا الحسن بن محمد،

أخبرنا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه،

حدّثنا عبد اللّه بن محمود السعدي،

حدّثنا علي بن حجر،

حدّثنا شعيب بن صفوان عن مفضّل بن فضالة عن علي بن يزيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه سئل عن {الْحَمْدُ للّه} قال : كلمة شكر أهل الجنة.

في إعراب {الْحَمْدُ للّه}

{الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

وقد اختلف القرّاء في قوله : {الْحَمْدُ للّه} ،

فقرأت العامّة بضمّ الدال على الابتداء،

وخبره فيما بعده. وقيل : على التقديم والتأخير،

أي للّه الحمد.

وقيل : على الحكاية. وقرأ هارون بن موسى الأعور ورؤبة بن العجاج بنصب الدال على الإضمار،

أي أحمد الحمد؛ لأن الحمد مصدر لا يثنّى ولا يجمع. وقرأ الحسن البصري بكسر الدال،

أتبع الكسرة الكسرة. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة الشامي بضم الدال واللام،

أتبع الضمة الضمّة.

{رَبِّ الْعَالَمِينَ} قرأ زيد بن علي : {رَبِّ الْعَالَمِينَ} بالنصب على المدح،

وقال أبو سعيد ابن أوس الأنصاري : على معنى أحمد ربّ العالمين. وقرأ الباقون {رَبِّ الْعَالَمِينَ} بكسر الباء،

أي خالق الخلق أجمعين ومبدئهم ومالكهم والقائم بأمورهم،

والرب بمعنى السيّد،

قال اللّه تعالى : {اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ} أي سيّدك،

قال الأعشى :

واهلكن يوماً ربّ كندة وابنه

وربّ معبين خبت وعرعر

وربّ عمر والرومي من رأس حضية

وأنزلن بالأسباب رب المشقرة

يعني : رئيسها وسيّدها.

ويكون بمعنى المالك،

قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (أربُّ إبل أنت أم رب غنم؟).

فقال : من كل قد آتاني اللّه فأكثر وأطنب وقال طرفة :

كقنطرة الرومي أقسم ربها

لتكتنفنّ حتى تشاد بقرمد

وقال النابغة :

وإن يك ربّ أذواد فحسبي

أصابوا من لقائك ما أصابوا

ويكون بمعنى الصاحب،

قال أبو ذؤيب :

فدنا له رب الكلاب بكفّه

بيض رهاب ريشهن مقزع

ويكون بمعنى المرعى،

يقول : ربّ يربّ ربابة وربوباً،

فهو ربّ،

مثل برّ وطب،

قال الشاعر :

يربّ الذي يأتي من العرف إنه

إذا سئل المعروف زاد وتمّما

ويكون بمعنى المصلح للشيء،

قال الشاعر :

كانوا كسالئة حمقاء إذحقنت

سلاءها في أديم غير مربوب

أي غير مصلح.

وقال الحسين بن الفضل : الرب : اللبث من غير إثبات أحد،

يقال : ربّ بالمكان وأربّ،

ولبث وألبث إذا أقام وفي الحديث أنه كان يتعوّذ باللّه من فقر ضرب أو قلب قال الشاعر :

ربّ بأرض تخطّاها الغنم لب بأرض ما تخطاها الغنم

وهو الاختيار؛ لأن المتكلمين أجمعوا على أنّ اللّه لم يزل ربّاً وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبي يقول : سئل أبو بكر محمد بن موسى الواسطي عن الرب،

فقال : هو الخالق ابتداءً،

والمربي غذاءً،

والغافر انتهاءً. ولا يقال للمخلوق : هو الرب،

معرّفاً بالألف واللام،

وإنما يقال على الإضافة : هو رب كذا؛ لأنه لا يملك الكل غير اللّه،

والألف واللام تدلاّن على العموم. وأمّا العالمون فهم جمع عالَم،

ولا واحد له من لفظه،

كالأنام والرهط والجيش ونحوها.

واختلفوا في معناه،

حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن،

أخبرنا أبو إسحاق بن أسعد بن الحسن بن سفيان عن جدّه عن أبي نصر ليث بن مقاتل عن أبي معاذ الفضل بن خالد عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن الربيع بن أنس عن شهر بن حوشب عن أبي بن كعب قال : العالمون هم الملائكة،

وهم ثمانية عشر ألف ملكاً منهم أربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمشرق،

وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمغرب،

وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالكهف الثالث من الدنيا،

وأربعة آلاف وخمسمائة ملك في الكهف الرابع من الدنيا،

مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلاّ اللّه عزّ وجلّ ومن ورائهم أرض بيضاء كالرخام .... مسير الشمس أربعين يوماً،

طولها لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ وجلّ مملوءة ملائكة يقال لهم الروحانيون،

لهم زجل بالتسبيح والتهليل،

لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من هول صوته فهم العالمون،

منتهاهم إلى حملة العرش.

وقال أبو معاذ (النحوي) : هم بنو آدم.

وقال أبو هيثم خالد بن يزيد : هم الجن والإنس؛ لقوله تعالى : {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} ،

وهي رواية عطية العوفي وسعيد بن جبير عن ابن عباس.

وقال الحسين بن الفضل : العالمون : الناس،

واحتجّ بقوله تعالى : {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} .

وقال العجاج : بخلاف هذا العالم.

وقال الفراء وأبو عبيدة : هو عبارة عمن يعقل،

وهم أربع أمم : الملائكة،

والجن،

والإنس،

والشياطين،

لا يقال للبهائم : عالم. وهو مشتق من العلم،

قال الشاعر :

ما إن سمعت بمثلهم في العالمينا

وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني : هم أهل التنزيه من الخلق. وقال عبد الرَّحْمن بن زيد ابن أسلم : هم المرتزقون. وقال الخضر بن إسماعيل : هو اسم الجمع الكثير،

قال ابن الزبعري :

إني وجدتك يا محمد عصمة

للعالمين من العذاب الكارث

وقال أبو عمرو بن العلاء : هم الروحانيون. وهو معنى قول ابن عباس : كل ذي روح دبّ على وجه الأرض. وقال سفيان بن عيينة : هو جمع للأشياء المختلفة.

وقال جعفر بن محمد الصادق : (العالمون : أهل الجنة وأهل النار). وقال الحسن وقتادة ومجاهد : هو عبارة عن جميع المخلوقات،

واحتجوا بقوله : {قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما}.

واشتقاقه على هذا القول من (العلم) و (العلامة)؛ لظهورهم ولظهور أثر الصنعة فيهم ثم اختلفوا في مبلغ العالمين وكيفيتهم،

فقال سعيد بن المسيب : للّه ألف عالم؛ منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر. وقال الضحاك : فمنهم ثلاثمائة وستون عالماً حفاة عراة لا يعرفون مَن خالقهم،

وستون عالماً يلبسون الثياب. وقال وهب : للّه تعالى ثمانية عشر ألف عالم،

الدنيا عالم منها،

وما العمارة في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء. وقال أبو سعيد الخدري : إن للّه أربعين ألف عالم،

الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد. وقال أبو القاسم مقاتل بن حيان : العالمون ثمانون ألف عالم؛ أربعون ألفاً في البرّ وأربعون ألفاً في البحر. وقال مقاتل بن سليمان : لو فسّرت {الْعَالَمِينَ} ،

لاحتجت إلى ألف جلد كل جلد ألف ورقة. وقال كعب الأحبار : لا يحصي عدد العالمين إلاّ اللّه،

قال اللّه : {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} .

٣

قال قوم : هما بمعنىً واحد مثل (ندمان،

ونديم) و (سلمان،

وسليم)،

وهوان وهوين. ومعناهما : ذو الرحمة،

والرحمة : إرادة اللّه الخير بأهله،

وهي على هذا القول صفة ذات. وقيل : هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة،

(وفعل) الخير إلى من لم يستحق،

وعلى هذا القول صفة فعل،

يجمع بينهما للاتّساع،

كقول العرب : جاد مجد. قال طرفة :

فما لي أراني وابن عمي مالكاً

متى أدنُ منه ينأ عني ويبعدِ

وقال آخر :

وألفى قولها كذباً ومينا

وفرّق الآخرون بينهما فقال : بعضهم الرَّحْمن على زنة فعلان،

وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول. وقولك : رجل غضبان للممتلئ غضباً،

وسكران لمن غلب عليه الشراب. فمعنى (الرَّحْمن) : الذي وسعت رحمته كل شيء.

وقال بعضهم : (الرَّحْمن) العاطف على جميع خلقه؛ كافرهم ومؤمنهم،

برّهم وفاجرهم بأن خلقهم ورزقهم،

قال اللّه تعالى : {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ} ،

و(الرحيم) بالمؤمنين خاصّة بالهداية والتوفيق في الدنيا،

والجنة والرؤية في العقبى،

قال تعالى : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ} . ف (الرَّحْمن) خاصّ اللفظ عامّ المعنى،

و (الرحيم) عامّ اللفظ خاصّ المعنى. و (الرَّحْمن) خاص من حيث إنه لا يجوز أن يسمى به أحد إلاّ اللّه تعالى،

عامّ من حيث إنه يشمل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. و (الرحيم) عامّ من حيث اشتراك المخلوقين في المسمّى به،

خاص من طريق المعنى؛ لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق. وهذا قول جعفر بن محمد الصادق (رضي اللّه عنه).

الرَّحْمن اسم خاص بصفة عامة،

والرحيم اسم عام بصفة خاصة،

وقول ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسّر،

حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن يوسف الدّقاق،

حدّثنا الحسن بن محمد بن جابر،

حدّثنا عبد اللّه بن هاشم،

أخبرنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال : الرَّحْمن بأهل الدنيا،

والرحيم بأهل الآخرة. وجاء في الدعاء : يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.

وقال الضحّاك : الرَّحْمن بأهل السماء حين أسكنهم السماوات،

وطوّقهم الطاعات،

وجنّبهم الآفات،

وقطع عنهم المطاعم واللذات. والرحيم بأهل الأرض حين أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب،

وأعذر إليهم في النصيحة وصرف عنهم البلايا.

وقال عكرمة : الرَّحْمن برحمة واحدة،

والرحيم بمائة رحمة وهذا المعنى قد اقتبسه من قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) الذي حدّثناه أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري،

حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو،

حدّثنا أبو هريرة وأحمد بن محمد بن شاردة الكشي،

حدّثنا جارود ابن معاذ،

أخبرنا عمير بن مروان عن عبد الملك أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن للّه تعالى مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه،

فبها يتعاطفون،

وبها يتراحمون،

وأخّر تسعة وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة).

وفي رواية أخرى : (إن اللّه تعالى قابض هذه إلى تلك فمكملها مائة يوم القيامة، يرحم بها عباده).

وقال ابن المبارك : (الرَّحْمن : الذي إذا سُئل أعطى،

والرحيم إذا لم يُسأل غضب. يدلّ عليه ما حدّثنا أبو القاسم المفسّر،

حدّثنا أبو يوسف رافع بن عبد اللّه بمرو الروذ،

حدّثنا خلف ابن موسى : حدّثنا محمود بن خداش،

حدّثنا هارون بن معاوية،

حدّثنا أبو الملج وليس الرقّي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : من لم يسأل اللّه يغضب عليه،

نضمه الشاعر فقال :

إن اللّه يغضب إن تركت سؤاله

وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضب

وسمعت الحسن بن محمد يقول : سمعت إبراهيم بن محمد النسفي يقول : سمعت أبا عبد اللّه وهو ختن أبي بكر الوراق يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول : (الرَّحْمن : بالنعماء وهي ما أعطي وحبا،

والرحيم بالآلاء وهي ما صرف وزوى).

وقال محمد بن علي المزيدي : الرَّحْمن بالإنقاذ من النيران،

وبيانه قوله تعالى : {وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} ،

والرحيم بإدخالهم الجنان،

بيانه : {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ءَامِنِينَ} .

وقال المحاسبي : (الرَّحْمن : برحمة النفوس،

والرحيم برحمة القلوب).

وقال السريّ بن مغلس : (الرَّحْمن بكشف الكروب،

والرحيم بغفران الذنوب).

وقال عبد اللّه بن الجرّاح : (الرَّحْمن ب ..... الطريق،

والرحيم بالعصمة والتوفيق).

وقال مطهر بن الوراق : (الرَّحْمن بغفران السيّئات وإن كن عظيمات،

والرحيم بقبول الطاعات وإن كنّ (قليلات)).

وقال يحيى بن معاذ الرازي : (الرَّحْمن بمصالح معاشهم،

والرحيم بمصالح معادهم).

وقال الحسين بن الفضل : (الرَّحْمن الذي يرحم العبد على كشف الضر ودفع الشر،

والرحيم الذي يرقّ وربما لا يقدر على الكشف).

وقال أبو بكر الوراق أيضاً : (الرَّحْمن بمن جحده والرحيم بمن وحّده،

والرَّحْمن بمن كفر والرحيم بمن شكر،

والرَّحْمن بن قال ندّاً والرحيم بمن قال فردا).

٤

اختلف القراء فيه من عشرة أوجه :

الوجه الأول : مالك بالألف وكسر الكاف على النعت،

وهو قراءة النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرَّحْمن بن عوف وابن مسعود وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأبي ذر وأبي هريرة وأنس ومعاوية،

ومن التابعين وأتباعهم عمر بن عبد العزيز ومحمد بن شهاب الزهري ومسلمة بن زيد والأسود بن يزيد وأبو عبد الرَّحْمن السلمي وسعيد بن جبير وأبو رزين وإبراهيم وطلحة بن عوف وعاصم بن أبي النجود و ... بن عمر الهمذاني وشيبان ابن عبد الرَّحْمن وعلي بن صالح بن حي وابن أبي ليلى وعبد اللّه بن إدريس وعلي بن حمزة الكسائي وخلف بن هشام والحسين بن أبي الحسن البصري من أهل البصرة وأبو رجاء العطاردي ومحمد بن سيرين وبكر بن عبد اللّه المزني وقتادة بن دعامة السدوسي ويحيى بن يعمر .... وعيسى بن عمر النفعي وسلام بن سليمان أبو المنذر ويعقوب بن أعين الحضرمي وأيوب بن المتوكل وأبو عبيدة و .... وسعيد بن مسعدة الأخفش وخالد بن معدان والضحاك بن مزاحم.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد بن محمد،

أخبرنا أحمد بن محمد بن علي،

حدّثنا محمد بن يحيى،

حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب وأخبرنا أبو العباس الأصمّ،

أخبرنا ابن عبد الحكم : حدّثنا .... بن سويد الحميري عن يونس عن يزيد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤون : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .

وأخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم،

أخبرنا محمد بن محمد بن خلف العطار،

حدّثنا المنذر بن المنذر الفارسي،

حدّثنا هارون بن حاتم،

حدّثنا إسحاق بن منصور الأسدي عن أبي إسحاق .... عن مالك بن دينار عن أنس قال : سمعت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وأبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً يقرؤون : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ،

وأوّل من قرأها : (ملك يوم الدين) مروان بن الحكم.

والوجه الثاني : ملك،

بغير ألف وكسر الكاف على التفسير أيضاً،

وهو قراءة زيد بن ثابت وأبي الدرداء وشعيب بن يزيد والمسور بن المخرمة ومن التابعين وأتباعهم عروة بن الزبير وأبو بكر بن عمر بن حزم ومروان بن الحكم و .... وعبد الرَّحْمن بن هرمز الأعرج وأبان بن عثمان وأبو جعفر يزيد بن المفضل ونسيبة بن نصّاح ونافع بن نعيم ومجاهد وابن كثير وابن محسن وحميد بن معين ويحيى بن وثاب وحمزة بن حبيب ومحمد بن سيرين وعبد اللّه بن عمر وأبو عمرو بن العلاء وعمرو بن .... وعبد اللّه بن عامر النصيبي.

وروي ذلك أيضاً عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وعن عثمان وعلي ج.

أخبرنا ابن حمدويه،

أخبرنا أبن أيوب (المنقري) : أخبرنا ابن حامد وابن .... قالا : أخبرنا حامد بن محمّد،

حدّثنا وأخبرنا ابن عمر،

حدّثنا الرفاء،

قالوا : حدّثنا علي بن عبد العزيز،

حدّثنا أبو عبيد،

حدّثنا يحيى بن سعيد القطّان،

حدّثنا عبد الملك بن جريج عن عبد اللّه ابن أبي مليكة عن أمّ سلمة قالت : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقطّع قراءة : {الدِّينِ} .

والوجه الثالث : ملْك بجزم اللام على النعت،

وهو رواية الحسن بن عليّ الجعفي وعبد الوارث بن سعيد،

وروي عن ابن عمر.

والوجه الرابع : أنّ مالكَ بالألف ونصب الكاف على النداء،

وهي قراءة الأعمش ومحمد بن (السميقع) وعبد الملك قاضي الجند،

وروي ذلك عن الرسول (صلى اللّه عليه وسلم) قال في بعض غزواته : (يا مالكَ يوم الدين).

والوجه الخامس : ملَك بنصب الكاف من غير ألف على النداء أيضاً،

وهي قراءة عطية ....

والوجه السادس : مالك بالألف ورفع الكاف على معنى : هو مالك،

وهي قراءة عزير العقيلي.

والوجه السابع : ملك برفع الكاف من غير ألف وهي قراءة أبي حمزة وابن سيرين.

والوجه الثامن : مالك،

بالإمالة والإضجاع البليغ. روي ذلك عن يحيى بن يعمر. وعن أيوب السختياني بين الإمالة والتفخيم .... عن .... عن الكلبي.

والوجه التاسع : (ملك يوم الدين) على الفعل،

وهي قراءة الحسن ويحيى بن يعمر وأبي حمزة وأبي حنيفة.

الفرق بين ملك ومالك

(أما) الفرق بين مالك وملك فقال قوم : هما لغتان بمعنى واحد،

مثل (فرهين) و (فارهين) و (حذرين) و (حاذرين) و (فكهين) و (فاكهين) .... بينهما،

فقال أبو عبيدة والأصمعي وأبو سالم والأخفش وأبو الهيثم : مالك أجمع وأوسع وأمدح،

ألاترى أنه يقال : اللّه مالك الطير والدواب والوحش وكل شيء،

ولا يقال : ملك كل شيء،

وإنما يقال : ملك الناس؟

قالوا : ولا يكون مالك الشيء إلاّ هو يملكه ويكون ملك الشيء وهو لا يملكه،

كقولهم : ملك العرب والعجم والروم.

وقالوا أيضاً : إن (المالك) يجمع الفعل والاسم.

وقال بعضهم : في (مالك) .... ومالك قوله (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات).

وقال أبو عبيد : الذي نختار ملك .... مروياً عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أثبت. ومن قرأ بها من أهل العلم أكثر. وهي مع هذا في المعنى أصحّ لقوله تعالى : {فَتَعَالَى اللّه الْمَلِكُ الْحَقُّ} ،

و : {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} ،

و : {مَلِكِ النَّاسِ} ،

و : {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ،

ولم يقل : لمن الملك اليوم؟

والملك مصدر الملك وغيرهُ،

وملك يصلح للمالك والمليك،

يقال : ملك الشيء يملكه ملكاً،

فهو مالك ومليك،

و : ملكه يملكه ملكاً فهو ملك لا غير. وهما بعد الناس،

ومعناهما الربّ؛ لأن العرب تقول : رب الدار والعبد والضيعة بمعنى أنه مالكها،

ولا يفرّقون بين قولهم : ربّها ومالكها ومن .... قال : إن المالك والملك هو القادر على استخراج الأعيان من العدم إلى الوجود،

ولا يقدر في الحقيقة على إخراجها إلاّ اللّه المالك،

قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (لا ملك إلاّ اللّه). فأما غيره،

فيسمى مالكاً وملكاً على المجاز.

والمراد بذلك : أنه مأذون له في التصرّف فيه.

وقال عبد العزيز بن يحيى : المالك يمكن بما يملكه،

منفرد به عن أبناء جنسه،

تعود منافعه إليه،

والمالك الثاني الذي بيده الشيء،

ويستولي عليه،

ويصرفه فيما يريده. تقول العرب : ملّكك زمام البعير،

وملكت العجين إذا شددته،

وأملكت المرأة إملاكاً،

قال الشاعر :

وجبرئيل أمين اللّه أملكها

معنى قوله : {الدِّينِ}

وأما معنى قوله : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ،

فقال ابن عباس والسدي ومقاتل : قاضي يوم الحساب. ودليله قوله عزّ وجلّ : { ذلك الدِّينُ الْقَيِّمُ} ،

أي الحساب المستقيم.

الضحاك وقتادة : الدين : الجزاء،

يعني : يوم يدين اللّه العباد بأعمالهم. دليله قوله : {لَمَدِينُونَ} ،

أي مجرّبون. قال لبيد :

حصادك يوماً ما زرعت وإنما

يدان الفتى يوماً كما هو دائن

وقال عثمان بن زيات : يوم القهر والغلبة،

تقول العرب : مدان فدان،

أي قهرته فخضع وذلّ. وقال الأعشى :

هو دان الرباب إذ كرهو الدين

دراكا بغزوة وارتحال

ثم دانت بعد الرباب وكانت

كعذاب عقوبة الأقوال

وسمعت أبا القاسم الحسين بن محمد الأديب يقول : سمعت أبا المضر محمد بن أحمد ابن منصور يقول : سمعت أبا عمر غلام ثعلب يقول : كان الرجل إذا أطاع ودان إذا عصى،

ودان إذا عزّ وكان إذا ذلّ،

ودان إذا قهر.

وقال الحسن بن الفضل : يوم الإطاعة،

قال زهير :

لئن حللت بواد في بني أسد

في دين عمرو وحالت بيننا فدك

أي في طاعة،

وكل ما أطيع اللّه فيه فهو دين.

وقال بعضهم : يوم العمل،

قال الفراء : دين الرجل خلقه وعمله وعادته،

وقال المثقب العبدي :

تقول إذا درأت وضيني لها

أهذا دينه أبداً وديني

وقال محمد بن كعب القرضي : {مَالِكِ يَوْمِ} لا ينفع فيه إلاّ {الدِّينِ} ،

وهذه من قول اللّه تعالى : ،

وقوله : {وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُم بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} .

وإنما خصّ يوم الدين بكونه مالكاً له؛ لأن الأملاك في ذلك اليوم زائلة (فينفرد تعالى بذلك)،

وهي باطلة والأملاك خاصة. وقيل : خص يوم الدين بالمالك فيه؛ لأن ملك الدنيا قد اندرج في قوله : {رَبِّ الْعَالَمِينَ} ،

فأثبت أنه مالك الآخرة بقوله : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ؛ ليعلم أن الملك له في الدارين. وقيل : إنما خصّ يوم الدين بالذكر؛ تهويلا وتعظيماً لشأنه كما قال تعالى : {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ يَخْفَى عَلَى اللّه مِنْهُمْ شَىْءٌ} ،

ولا خفاء بهم في كل الأوقات عن اللّه عزّ وجلّ.

٥

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} رجع من الخبر الى الخطاب على التلوين. وقيل فيه إضمار،

أي قولوا : {إِيَّاكَ} . و {أَيًّا} كلمة ضمير،

لكنه لا يكون إلاّ في موضع النصب،

والكاف في محلّ الخفض بإضافة إيا إليها،

وخصّ بالإضافة إلى الضمير؛ لأنه يضاف إلى الاسم المضمر ألا يقول الشاعر :

فدعني وإيا خالد

لأقطعن عُرْيَ نياطه

وحكى الخليل عن العرب : إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإياكم.

ويستعمل مقدّماً على الفعل مثل (إياك أعني) و (إياك أسأل)،

ولا يستعمل مؤخّراً على الفعل إلاّ أنّ ..... به حين الفعل،

فيقال : ما عبدت إلاّ إياك ونحوها. وقال أبو ميثم سهل ابن محمد : إياك ضمير منفصل،

والضمير ثلاثة أقسام :

ضمير متّصل نحو الكاف والهاء والياء في قولك : أكرمك،

وأكرمه،

وأكرمني. سمي بذلك لاتصاله بالفعل.

وضمير منفصل نحو إياك وإياه وإياي. سمي بذلك لانفصاله عن الفعل.

وضمير مستكن،

كالضمير في قولك : قعد وقام. سمي بذلك لأنه استكن في الفعل ولم يُستبقَ في اللفظ ويعمّ أن فيه ضمير الفاعل؛ لأن الفعل لا يقوم إلاّ بفاعل ظاهر أو مضمر.

وقال أبو زيد : إنما هما ياءان : الأولى للنسبة والثانية للنداء،

تقديرها : (أي يا)،

فأُدغمت وكسرت الهمزة لسكون الياء. وقال أبو عبيد : أصله (أو ياك)،

فقلبت الواو ياءً فأدغموه،

وأصله من (آوى،

يؤوي،

إيواء) كأن فيه معنى الانقطاع والقصد. وقرأ الفضل الرقاشي (أياك) بفتح الألف وهي لغة.

وإنما لم يقل : نعبدك (لأنه) يصحّ في العبارة،

وأحسن الإشارة؛ لأنهم إذا قالوا : إياك نعبد،

كان نظرهم منه إلى العبادة لا من العبادة إليه. وقوله : {نَعْبُدُ} أي نوحد ونخلص ونطيع ونخضع،

والعبادة رياضة النفس على حمل المشاق في الطاعة. وأصلها الخضوع والانقياد والطاعة والذلة،

يقال : طريق معبّد إذا كان مذللا موطوءاً بالأقدام. قال طرفة :

تبارى عتاقاً ناجيات وأتبعت

وظيفاً وظيفاً فوق مور معبّد

وبعير معبد إذا كان مطلياً بالقطران،

قال طرفة :

إلى أن تحامتني العشيرة كلّها

وأفردت إفراد البعير المعبّد

وسمّي العبد عبداً لذلّته وانقياده لمولاه.

{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : نستوفي ونطلب المعونة على عبادتك وعلى أمورنا كلّها،

يقال : استعنته واستعنت به،

وقرأ يحيى بن رئاب : (نستعين) بكسر النون. قال الفرّاء : تميم وقيس وأسد وربيعة يكسرون علامات المستقبل إلاّ الياء،

فيقولون إستعين ونِستعين ونحوها،

ويفتحون الياء لأنها أخت الكسرة. وقريش وكنانة يفتحونها كلّها وهي الأفصح والأشهر.

وإنّما كرّر {إِيَّاكَ} ؛ ليكون أدلّ على الإخلاص والاختصاص والتأكيد لقول اللّه تعالى خبراً عن موسى : {كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} ،

ولم يقل : كي نسبحك ونذكرك كثيراً.

وقال الشاعر :

وجاعل الشمس مصراً لا خفاء به

بين النهار وبين الليل قد فصلا

ولم يقل بين النهار والليل. وقال الآخر :

بين الأشجّ وبين قيس باذخ

بخ بخ لوالده وللمولود

وقال أبو بكر الورّاق : إياك نعبد لأنك خلقتنا،

وإياك نستعين لأنك هديتنا وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا الحسن علي بن عبد الرَّحْمن الفرّان،

وقد سئل عن الآية فقال : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لأنك الصانع،

و {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأن المصنوع لا غنى به عن الصانع،

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لتدخلنا الجنان،

و {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لتنقذنا من النيران،

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لأنّا عبيد و {إِيَّاكَ} لأنك كريم مجيد،

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لأنك المعبود بالحقيقة و {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأننا العباد بالوثيقة.

٦

{اهْدِنَا} ،

قال علي بن أبي طالب (كرّم اللّه وجهه) وأبيّ بن كعب : أرشدتنا فهذا كما يقال للرجل الذي يأكل : كل،

والذي يقرأ : إقرأ،

وللقائم : قم لي حتّى أعود لك أي دُم على ما أنت عليه. وقال السدّي ومقاتل : أرشدنا،

يقال : هديته للدّين وهديته الى الدين هدىً وهدايةً،

قال الحسن بن الفضل : الهدى في القرآن على وجهين :

الوجه الأول : هدى دعاء وبيان كقوله : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ،

وقوله : {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} و {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} .

الوجه الثاني : هدى توفيق وتسديد كقوله : {يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ} ،

وقوله : {إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} .

و{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الطريق الواضح المستوي،

قال عامر بن الطفيل :

خشونا أرضهم بالخيل حتّى

تركناهم أذل من الصراط

وقال جرير :

أمير المؤمنين على صراط

إذا اعوجّ الموارد مستقيم

الإختلاف في قراءة الصراط

وفى الصراط خمس قراءات : بالسين وهو الأصل،

سمّي الطريق سِراطاً لأنّه يسترط المارّة. أخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا محمد بن حمدويه،

حدّثنا محمود بن آدم،

حدّثنا سفيان عن عمر عن ثابت قال : سمعت ابن عباس قرأ السِراط بالسين،

وبه قرأ ابن كثير (من) طريق .... ويعقوب (من) طريق .....

وبإشمام السين وهي رواية أبي حمدون عن الكسائي،

وبالزاي وهي رواية أبي حمدون عن سليم عن حمزة.

وبإشمام الزاي وهي قراءة حمزة في أكثر الروايات والكسائي في رواية نهشل والشيرازي.

وبالصاد قراءة الباقين من القرّاء.

وكلّها لغات فصيحة صحيحة إلاّ إن الاختيار الصاد؛ لموافقة المصحف لأنها كتبت في جميع المصاحف بالصاد. ولأن آخرتها بالطاء لأنهما موافقتان في الاطباق والاستعلاء.

[الفاتحة : ]

واختلف المفسّرون في {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فأخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن حامد،

وأبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري قالا : أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد اللّه المزني،

حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن سليمان،

حدّثنا الحسين بن علي عن حمزة الزيّات عن أبي المختار الطائي عن (ابن) أبي أخ الحرث الأعسر عن الحرث عن علي قال : سمعت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (يقول) : (الصراط المستقيم كتاب اللّه عزّ وجلّ).

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا حامد بن محمد،

حدّثنا محمد بن شاذان الجوهري،

حدّثنا زكريا بن عديّ عن مقتضي عن منصور عن أبي وائل عن عبد اللّه قال : الصراط المستقيم كتاب اللّه عزّ وجلّ.

وأخبرنا عبد اللّه،

أخبرنا عبد الرَّحْمن بن محمد،

حدّثنا ليث،

حدّثنا عقبة بن سليمان،

حدّثنا الحسين بن صالح عن أبي عقيل عن جابر قال : الصراط المستقيم الإسلام،

وهو أوسع مما بين السماء والأرض (وإنما كان) الصراط المستقيم الإسلام لأن كل دين وطريق (غير) الإسلام فليس بمستقيم.

وروى عاصم الأحول عن أبي العالية الرياحي : هو طريق النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وصاحباه.

قال عاصم : فذكرت ذلك للحسن فقال : صدق أبو العالية ونصح.

وقال بكر بن عبد اللّه المزني : رأيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في المنام،

فسألته عن الصراط المستقيم،

فقال : سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي.

وقال سعيد بن جبير : يعني طريق (الحق).

وقال السدّي : أرشدنا إلى دين يدخل صاحبه به الجنة ولا يعذب في النار أبداً،

ويكون خروجه من قبره إلى الجنة.

وقال محمد بن الحنفية : هو دين (اللّه) الذي لا يقبل من عباده غيره.

أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه العايني،

حدّثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي ببغداد،

حدّثنا أبو القاسم (....) ابن نهار،

حدّثنا أبو حفص المستملي،

حدّثنا أبي،

حدّثنا حامد بن سهل،

حدّثنا عبد اللّه بن محمد العجلي،

حدّثنا إبراهيم بن جابر عن مسلم بن حيان عن أبي بريدة في قول اللّه تعالى : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قال : صراط محمد (صلى اللّه عليه وسلم) وآله (عليهم السلام).

وقال عبد العزيز بن يحيى : يعني طريق السواد الأعظم. (وقال) أبو بكر الورّاق : يعني صراطاً لا تزيغ به الأهواء يميناً وشمالا. وقال محمد بن علي النهدي : يعني طريق الخوف والرجاء. وقال أبو عثمان الداراني : (يعني) طريق العبودية.

وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول : سمعت أبا نصر منصور بن عبد اللّه بهرات يقول : سمعت أبا الحسن عمر بن واصل العنبري يقول : سمعت (سهل) بن عبد اللّه التستري يقول : طريق السنّة والجماعة لأن البدعة لا تكون مستقيمة.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المفسّر : حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصم : حدّثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي : أخبرنا أبو بكر بن عيّاش عن عاصم عن زر عن أبي وائل عن عبد اللّه قال : خطّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خطّين،

خطّاً عن يمينه وخطّاً عن شماله ثم قال : (هذه السُبُل،

وعلى كلّ سبيل منهما شيطان يدعو إليه،

وهذا سبيل اللّه) ،

ثم قرأ {وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف،

حدّثنا معمّر بن سفيان الصغير،

حدّثنا يعقوب بن سفيان الكبير،

حدّثنا أبو صالح عبد اللّه بن صالح،

حدّثنا معاوية بن صالح أن عبد الرَّحْمن بن جبير بن نصر حدّثه عن أبيه جبير عن نواس بن معاذ عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : (ضرب اللّه مثلا (صراطاً مستقيماً) وعلى جانبي الصراط ستور مرخاة فيها أبواب مفتّحة وعلى الأبواب ستور مرخاة،

وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط ولا تعوجوا،

وداع يدعو من فوق الصراط،

فإذا أراد فتح شيء من تلك الأبواب قال : ويلك لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه بالصراط : الإسلام. والستور حدود اللّه،

والأبواب المفتحة محارم اللّه،

وذلك الداعي على الصراط كتاب اللّه عزّ وجلّ،

والداعي من فوق واعظ اللّه في قلب كل مسلم).

٧

{صِرَاطِ} بدل من الأول {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} يعني : طريق الذين أنعمت عليهم بالتوفيق والرعاية،

والتوحيد والهداية،

وهم الأنبياء والمؤمنون الذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله : {وَمَن يُطِعِ اللّه وَالرَّسُولَ فَأُولَاكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَائِكَ رَفِيقًا} .

قال ابن عباس : هم قوم موسى وعيسى من قبل أن يغيّروا نعم اللّه عليهم.

وقال شهر بن حوشب هم أصحاب الرسول صلى اللّه عليه ورضي عنهم وأهل بيته (عليهم السلام) .وقال عكرمة : {أَنْعَمْتَ} بالثبات على الإيمان والإستقامة.

وقال علي بن الحسين بن داود : {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بالشكر على السرّاء والصبر على الضرّاء. وقال .... بن .... : بما قد سنّه محمد (صلى اللّه عليه وسلم) وقال الحسين بن الفضل : يعني أتممت عليهم النعمة فكم من منعم عليه .....

وأصل النعمة المبالغة والزيادة،

يقال : دققت الدواء فأنعمت دقّه أي بالغت في دقه،

ومنه قول العرب النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (إن أهل الجنة يتراءون الغرفة منها كما يتراءون الكوكب الدرّي الشرقي أو الغربي في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما).

أي زادا عليه. وقال أبو عمرو : بالغاً في الخير.

وقرأ الصادق : (صراط من أنعمت عليهم)،

وبه قرأ عمرو بن الزبير وعلي ،

حرف اللام يجر ما بعده. وفي {عَلَيْهِمْ} سبع قراءات :

الأولى : عليهم بكسر الهاء وجزم الميم وهي قراءة العامّة.

والثانية : عليهم بضم الهاء وجزم الميم وهي قراءة الأعمش وحمزة. وروي ذلك عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وعمر (رضي اللّه عنه).

والثالثة : عليهم بضم الهاء والميم وإلحاق الواو وهي قراءة عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق.

والرابعة : عليهمو بكسر الهاء وضم الميم وإلحاق الواو وهي قراءة ابن كثير والأعرج.

والخامسة : عليهم بكسر الهاء والميم وإلحاق الياء وهي قراءة الحسن.

والسادسة : عليهم بكسر الهاء وضم الميم مضمومة مختلسة وهي رواية عبد اللّه بن عطاء الخفّاف عن أبي عمرو.

والسابعة : عليهم بكسر الهاء والميم وهي قراءة عمرو بن حامد.

فمن ضمّ الهاء ردّه إلى الأصل لأنه لو أفرد كان مضموماً عند الابتداء به،

ومن كسره فلأجل الياء الساكنة. ومن كسر الهاء وجزم الميم فإنه يستثقل الضمّ مع مجاورة الياء الساكنة،

والياء أخت الكسرة والخروج من الضم إلى الكسر ثقيل. ومن ضمّ الهاء والميم أتبع فيه الضمّة. ومن كسر الهاء وضمّ الميم فإنه كسر الهاء لأجل الياء وضمّ الميم على الأصل،

والاختلاس للاستخفاف،

وإلحاق الواو والياء للإتباع واللّه أعلم. قال الشاعر في الميم المختلسة :

واللّه لولا شعبة من الكرم

وسطة في الحي من خال وعم

لكنت فيهم رجلا بلا قدم

{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ} غير : صفة الذين. والذين معرفة ولا توصف المعارف بالنكرات ولا النكرات بالمعارف إلاّ إن الذين ليس بمعرفة موقتة ولكنّه بمنزلة قولك : إني لأمرُّ بالصادق غير الكاذب،

كأنك قلت : من يصدق لا من يكذب. ولا يجوز : مررت بعبد اللّه غير الظريف.

ومعنى كلامه : غير صراط الذين غضبت {عَلَيْهِمْ} .

في معنى الغضب

واختلفوا في معنى الغضب من اللّه عزّ وجلّ،

فقال قوم : هو إرادة الانتقام من العصاة. وقيل : هو جنس من العقاب يضادّ والرضا. وقيل : هو ذم العصاة على قبح أفعالهم.

ولا يلحق غضب اللّه تعالى العصاة من المؤمنين بل يلحق الكافرين.

{ولا الضالين} عن الهدى.

وأصل الضلال الهلاك،

يقال ضلَّ الماء في اللبن إذا خفي وذهب،

و : رجل ضالّ إذا أخطأ الطريق،

و : مضلِّل إذا لم يتوجّه لخير،

قال الشاعر :

ألم تسأل فتخبرك الديار

عن الحي المضلل أين ساروا

قال الزجاج وغيره : وإنما جاز أن يعطف ب (لا) على غير؛ لأن غير متضمِّن معنى النفي؛ فهو بمعنى لا،

مجازه : غير المغضوب عليهم وغير الضالين كما تقول : فلان غير محسن ولا مجمل. فإذا كان (غير) بمعنى سوى لم يجز أن يعطف عليها ب (لا)؛ لأنه لا يجوز في الكلام عندي سوى عبد اللّه ولا زيد. وروى الخليل بن أحمد عن ابن كثير : {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ} نصباً.

وقرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما : (وغير الضالين)،

وقرأ السختياني (ولأ الضالئين) بالهمزة؛ لالتقاء الساكنين،

واللّه أعلم.

فأما التفسير :

فأخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا أحمد بن عبد اللّه المزني،

حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن سليمان،

أخبرنا أحمد بن حنبل ومحمد بن دينار قالا : حدّثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سماك قال : سمعت عباد بن حبيش عن عديّ بن حاتم عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} قال : (اليهود) ،

{ولا الضالين} قال : (النصارى).

وأخبرنا أبو القاسم الحبيبي،

أخبرنا أبو زكريا العنبري،

حدّثنا محمد بن عبد اللّه الوراق،

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم،

أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد اللّه بن بديل العقيلي عن عبد اللّه بن شقيق أنه أخبره من سمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهو بوادي القرى على فرسه فسأله رجل من القيْن،

فقال : يا رسول اللّه،

من هؤلاء الذين يقاتلونك؟

قال : (المغضوب عليهم) ،

وأشار إلى اليهود. فقال : من هؤلاء الطائفة الأخرى؟

فقال : (الضالون)،

وأشار إلى النصارى.

وتصديق هذا الحديث حكم اللّه تعالى بالغضب على اليهود في قوله : {هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ اللّه مَن لَّعَنَهُ اللّه وَغَضِبَ عَلَيْهِ} ،

وحكم الضلال على النصارى في قوله : {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا} .

وقال الواقدي : {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} بالمخالفة والعصيان،

{ولا الضالين} عن الدين والإيمان.

وقال التستري : {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} البدعة،

{ولا الضالين} عن السنة.

فصل في آمين

والسنّة المستحبة أن يقول القارئ بعد فراغه من قراءة فاتحة الكتاب : آمين؛ سواء كان في الصلاة أو غير الصلاة؛ لما أخبرنا عبد اللّه بن حامد الاصفهاني،

أخبرنا محمد بن جعفر المطيري،

حدّثنا الحسن بن علي بن عفان العامري،

حدّثنا أبو داود عن سفيان،

وأخبرنا عبد اللّه قال : وأخبرنا عبدوس بن الحسين،

حدّثنا أبو حاتم الرازي،

حدّثنا ابن كثير،

أخبرنا سفيان عن سلمة عن حجر أبي العنبس الحضرمي عن أبي قايل بن حجر قال : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إذا قرأ : {ولا الضالين} ،

قال : (آمين)،

ورفع بها صوته.

وروي عنه (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : (لقّنني جبرائيل ج آمين عند فراغي من فاتحة الكتاب).

وقال (إنّه كالخاتم على الكتاب) وفيه لغتان : أمين بقصر الألف،

وأنشد :

تباعد منّي فعطل إذ سألته

أمين فزاد اللّه ما بيننا بعداً

وآمين بمد الألف وأنشد :

يا ربّ لا تسلبني حبّها أبداً

ويرحم اللّه عبداً قال آمينا

وهو مبني على الفتح مثل أين.

واختلفوا في تفسيره فأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر،

أخبرنا أبو العباس محمد ابن إسحاق بن أيوب،

أخبرنا الحسن بن علي بن زياد،

حدّثنا عبيد بن يعيش عن محمد ابن الفضل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : سألت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) عن معنى (آمين) قال : (ربِّ افعل).

وقال ابن عباس وقتادة : معناه : كذلك يكون.

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد الوزّان،

أخبرنا مكي بن عبدان،

حدّثنا عبد اللّه بن حاتم،

حدّثنا عبد اللّه بن نمير،

أخبرنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف قال : آمين اسم من أسماء اللّه تعالى،

و (بذلك) قال مجاهد.

وقال سهل بن عبد اللّه : معناه : لا يقدر على هذا أحد سواك. وقال محمد بن علي النهدي : معناه لا تخيّب رجانا.

وقال عطية العوفي : آمين كلمة ليست بعربية،

إنما هي عبرية أو سريانية ثمّ تكلمت به العرب فصار لغة لها. وقال عبد الرَّحْمن بن زيد : آمين كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله أحد إلاّ اللّه عزّ وجلّ.

وقال أبو بكر الورّاق : آمين قوة للدعاء واستنزال للرحمة.

وقال الضحّاك بن مزاحم : آمين أربعة أحرف مقتطعة من أسماء اللّه تعالى،

وهو خاتم رب العالمين يختم به براءة أهل الجنة وبراءة أهل النار،

وهي الجائزة التي منها يجوزون إلى الجنة والنار.

يدلّ عليه ما أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر،

حدّثنا أبو الحسن محمد بن محمود بن عبد اللّه،

حدّثنا محمد بن علي الحافظ،

حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حمويه،

حدّثنا سعيد بن جبير،

حدّثنا المؤمل بن عبد الرَّحْمن بن عياش الثقفي،

عن أبي أمية بن يعلى الثقفي،

عن سعيد المقبري،

عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (آمين خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين).

أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن حمدون بن الفضل بقراءتي عليه في صفر سنة ثمان وأربعمائة أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين بن الشرقي،

حدّثنا محمد بن يحيى وعبد الرَّحْمن بن بِشْرْ وأحمد بن يوسف قالوا : حدّثنا عبد الرزاق،

أخبرنا معمّر عن همّام بن منبّه قال : حدّثنا أبو هريرة عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافق إحداهما الأخرى غُفر له ما تقدم من ذنبه).

وحدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمّد بن جعفر،

أخبرنا محمّد أبو الحسن محمد بن الحسن بهراة،

حدّثنا رجاء بن عبد اللّه،

حدّثنا مالك بن سليم،

عن سعيد بن سالم،

عن ابن جريج عن عطاء قال : آمين دعاء (وعنه عن) النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (ما حسدكم اليهود على شيء،

كما حسدوكم على آمين،

وتسليم بعضكم على بعض).

وقال وهب بن منبه : آمين على أربع أحرف،

يخلق اللّه تعالى من كل حرف ملكاً يقول : اللّهم اغفر لمن قال : آمين.

فصل في أسماء هذه السورة

هي عشرة،

وكثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى :

الأول : فاتحة الكتاب،

سمّيت بذلك لأنه يفتتح بها في المصاحف والتعليم والقراءة في الصلاة،

وهي مفتتحة بالآية التي تفتتح بها الامور تيمّناً وتبرّكاً وهي التسمية. وقيل : سمّيت بذلك لأن الحمد فاتحة كل كتاب كما هي فاتحة القرآن. وقال الحسين بن الفضل : لأنها أول سورة نزلت من السماء.

والثاني : سورة الحمد،

لأن فيها ذكر الحمد،

كما قيل : سورة (الأعراف) و (الأنفال) و (التوبة) ونحوها.

والثالث : أُمّ الكتاب والقرآن؛ سمّيت بذلك لأنها أوّل القرآن والكتب المنزلة،

فجميع ما أودعها من العلوم مجموع في هذه السورة؛ فهي أصل لها كالأم للطفل،

وقيل : سمّيت بذلك؛ لأنها أفضل سور القرآن كما أن مكة سميت أُم القرى لأنها أشرف البلدان. وقيل : سمّيت بذلك لأنها مقدّمة على سور القرآن،

فهي أصل وإمام لما يتلوها من السور،

كما أن أُم القرى أصل جميع البلدان دحيت الأرض من تحتها. وقيل : سمّيت بذلك لأنها مجمع العلوم والخيرات،

كما أن الدماغ يسمى أُمّ الرأس؛ لأنها مجمع الحواس والمنافع.

وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد المفسّر يقول : سمعت أبا بكر القفّال يقول : سمعت أبا بكر البريدي يقول : الأُم في كلام العرب : الراية ينصبها العسكر.

قال قيس بن الخطيم :

نصَبنا أُمّنا حتى ابذعرّوا

وصاروا بعد إلفتهم شلالا

فسمّيت أُم القرآن؛ لأن مفزع أهل الإيمان إليها كمفزع العسكر إلى الراية. والعرب تسمي الأرض أُمّاً؛ لأنّ معاد الخلق إليها في حياتهم وبعد مماتهم،

قال أُمية بن أبي الصلت :

والأرض معقلنا وكانت أُمّنا

فيها مقابرنا وفيها نولد

وأنشدني أبو القاسم قال : أنشدنا أبو الحسين المظفّر محمد بن غالب الهمداني قال : أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال : أنشدنا أبي قال : أنشدني أحمد بن عبيدة :

نأوي إلى أُمّ لنا تعتصب

كما وَلِها أنف عزيز وذنب

وحاجب ما إن نواريها الغصب

من السحاب ترتدي وتنتقب

يعني : نصبه كما وصف لها. وسميت الفاتحة أُمّاً لهذه المعاني. وقال الحسين بن الفضل : سميت بذلك؛ لأنها إمام لجميع القرآن تقرأ في كل (صلاة و) تقدم على كل سورة،

كما أن أُمّ القرى إمام لأهل الإسلام. وقال ابن كيسان : سميت بذلك؛ لأنها تامة في الفضل.

والرابع : السبع المثاني،

وسيأتي تفسيره في موضعه إن شاء اللّه.

والخامس : الوافية،

حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري،

حدّثنا أبي عن أمّه عن محمد بن نافع السنجري،

حدّثنا أبو يزيد محبوب الشامي،

حدّثنا عبدالجبار بن العلاء قال : كان يسمي سفيان بن عُيينة فاتحة الكتاب : الوافية،

وتفسيرها لأنها لا تنصف ولا تحتمل الاجتزاء إلاّ أن كل سورة من سور القرآن لو قرئ نصفها في ركعة والنصف الآخر في ركعة كان جائزاً،

ولو نصفت الفاتحة وقرئت في ركعتين كان غير جائز.

والسادس : الكافية،

أخبرنا أبو القاسم السدوسي،

أخبرنا أبو جعفر محمد بن مالك المسوري،

حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن عمران قال : حدّثنا سهيل بن (محمّد)،

حدّثنا عفيف بن سالم قال : سألت عبد اللّه بن يحيى بن أبي كثير عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال : عن الكافية تسأل؟

قلت : وما الكافية؟

قال : أما علمت أنها تكفي عن سواها،

ولا يكفي سواها عنها. إياك أن تصلي إلاّ بها.

وتصديق هذا الحديث ما حدّثنا الحسن بن محمد بن جعفر المفسر،

حدّثنا عبد الرَّحْمن بن عمر ابن مالك الجوهري بمرو،

حدّثنا أبي،

حدّثنا أحمد بن يسار،

عن محمد بن عباد الاسكندراني عن أشهب بن عبد العزيز،

عن ابن عيينة،

عن الزهري،

عن محمود بن الربيع،

عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أمّ القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها منها عوضاً).

والسابع : الأساس،

حدّثنا أبو القاسم الحسين بن محمد المذكر،

حدّثنا أبو عمرو بن المعبّر محمد بن الفضل القاضي بمرو،

حدّثنا أبو هريرة مزاحم بن محمد بن شاردة الكشي،

حدّثنا جارود بن معاد،

أخبرنا وكيع قال : إن رجلا أتى الشعبي فشكا إليه وجع الخاصرة،

فقال : عليك بأساس القرآن. قال : وما أساس القرآن؟

قال : فاتحة الكتاب. قال الشعبي : سمعت عبد اللّه بن عباس غير مرّة يقول : إن لكل شيء أساساً وأساس العمارة مكة؛ لأنها منها دُحيت الأرض وأساس السماوات غريباً،

وهي السماء السابعة،

وأساس الأرض عجيباً،

وهي الأرض السابعة السفلى،

وأساس الجنان جنة عدن،

وهي سرّة الجنان،

وعليها أُسّست الجنان،

وأساس النار جهنم،

وهي الدركة السابعة السفلى وعليها أُسست الدركات،

وأساس الخلق آدم ج،

وأساس الأنبياء نوح ج،

وأساس بني اسرائيل يعقوب،

وأساس الكتب القرآن،

وأساس القرآن الفاتحة،

وأساس الفاتحة {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تشفى.

والثامن : الشفاء،

حدّثنا أبو القاسم بن أبي بكر المكتّب لفظاً،

حدّثنا أبو علي حامد بن محمد بن عبد اللّه الرفّاء،

أخبرنا محمد بن أيوب الواقدي،

حدّثنا أبو عمرو بن العلاء،

حدّثنا سلام الطويل،

عن زيد العمي،

عن محمد بن سيرين،

عن أبي سعيد الخدري،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (فاتحة الكتاب شفاء من كل سمّ).

وأخبرنا محمد بن القاسم الفقيه،

حدّثنا أبو الحسين محمّد بن الحسن الصفار الفقيه،

حدّثنا أبو العباس السرّاج،

حدّثنا قتيبة بن سعيد،

حدّثنا معاوية بن صالح،

عن أبي سليمان قال : مرّ أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في بعض غزواتهم على رجل مقعد متربّع فقرأ بعضهم في أذنه شيئاً من القرآن فبرئ،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (هي أُمّ القرآن،

وهي شفاء من كل داء).

أخبرنا أحمد بن أُبيّ الخوجاني،

أخبرنا الهيثم بن كليب الشامي،

حدّثنا عيسى بن أحمد العسقلاني،

أخبرنا النضر بن شميل،

أخبرنا سعيد بن الحجاج،

عن عبد اللّه بن أبي السفر،

عن الشعبي عن خارجة بن الصلت التميمي،

عن عمّه قال : جاء عمي من عند رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فمرّوا بحيّ من الأعراب،

فقالوا : انّا نراكم قد جئتم من عند هذا الرسول،

إنّ عندنا رجلا مجنوناً مخبولا،

فهل عندكم من دواء أو رقية؟

فقال عمّي : نعم. فجيىء به،

فجعل عمي يقرأ أُمّ القرآن وبزاقه فإذا فرغ منها بزق فجعل ذلك ثلاثة أيام،

فكأنّما أهبط من جبال،

قال عمي : فأعطوني عليه جعلا،

فقلت : لا نأكله حتى نسأل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فسأله،

فقال : (كُلهُ،

فمن الحلّ تُرقيه بذلك. لقد أكلت بِرُقية حق).

والتاسع : الصلاة،

قد تواترت الأخبار بأن اللّه تعالى سمّى هذه السورة،

وهو ما يعرف انّه لا صلاة إلاّ بها.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد وأحمد بن يوسف بقراءتي عليهما قالا : أخبرنا مكي بن عبداللّه،

حدّثنا محمد بن يحيى قال : وفيما قرأته على ابن نافع،

وحدّثنا مطرف عن مالك بن أنس عن العلاء بن عبد الرَّحْمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (قال اللّه عزّ وجلّ : قسمت الصلاة يعني هذه السورة بيني وبين عبدي نصفين؛ فنصفها لي ونصفها لعبدي،

فإذا قرأ العبد : {الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ} يقول اللّه : حمدني عبدي. وإذا قال العبد : {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يقول اللّه تعالى : أثنى عليّ عبدي. وإذا قال العبد : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقول اللّه : مجّدني عبدي. وإذا قال العبد : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال اللّه : هذه الآية بيني وبين عبدي،

ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها قال : هذه لعبدي ولعبدي ما سأل.

والعاشر : سورة تعلم المسألة؛ لأن اللّه تعالى علّم فيه عباده آداب السؤال،

فبدأ بالثناء ثم الدعاء،

وذلك سبب النجاح والفلاح.

القول في وجوب قراءة هذه السورة في الصلاة.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا محمد بن جعفر الطبري،

حدّثنا بشر بن مطير،

حدّثنا سفيان،

حدّثنا العلاء بن عبد الرَّحْمن عن أبيه أنه سمع أبا هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من صلّى صلاة فلم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ثلاث مرات غير تمام).

وأخبرنا عبد اللّه قال : أخبرنا ابن عباس،

حدّثنا عبد الرَّحْمن بن بشر،

حدّثنا ابن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب).

أخبرنا عبد اللّه،

أخبرنا عبدوس بن الحسين،

حدّثنا أبو حاتم الرازي،

حدّثنا أبو قبيصة،

حدّثنا سفيان عن جعفر بن علي بيّاع الأنماط عن أبي هريرة قال : أمرني رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أن أنادي : (لا صلاة إلاّ بقراءة فاتحة الكتاب).

وأخبرنا عبد اللّه،

أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق،

أخبرنا أبو المثنى،

حدّثنا مسدِّد،

حدّثنا عبدالوارث بن حنظلة السدوسي قال : قلت لعكرمة : إنّي ربّما قرأت في المغرب {قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وأنّ الناس يعيبون عليَّ ذلك،

فقال : سبحان اللّه إقرأ بهما فإنّهما من القرآن،

ثمّ قال : حدّثنا ابن عبّاس أنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) خرج فصلّى ركعتين لم يقرأ فيهما إلاّ بفاتحة الكتاب لم يزد على ذلك غيره.

وأخبرنا أبو القاسم الحبيبي،

حدّثنا أبو العبّاس الأصمّ،

أخبرنا الربيع بن سليمان،

حدّثنا الشافعي،

حدّثنا سفيان عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب) واحتجّ من أجاز الصلاة بغيرها بقوله : {مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ} .

وأخبرنا أبو محمّد عبداللّه بن حامد بقراءتي عليه أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا أبو المثنّى حدّثنا مسدّد،

حدّثنا يحيى بن سعيد عن عبد اللّه بن عمر قال : حدّثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) دخل المسجد فدخل رجل وصلّى ثم جاء فسلّم على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : (ارجع فصلِّ،

فإنك لم تصلِّ) حتى فعل ذلك ثلاث مرات. قال الرجل : والذي بعثك بالحق نبياً ما أحسن غير هذا،

فعلِّمني. قال : (إذا قمت إلى الصلاة فكبّر ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن ثم اركع).

وهذه اللفظة يحتمل أنه أراد أن كل ما وقع عليه اسم قرآن وجهل إنما يراد سورة بعينها،

فلمّا احتمل الوجهين نظرنا فوجدنا النبي (صلى اللّه عليه وسلم) صلى بفاتحة الكتاب وأمر بها (وشدّد على) من تركها،

فصار هذا الخبر مجملا،

والأخبار التي رويناها مفسرة،

والمجمل يدل على المفسر،

وهذا كقوله : {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ} ثم لم يجز أحد (ترك الهدي) بل ثبتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بالصفة أن لا يكون أعور ولا أعرج ولا معيوباً،

فكذلك أراد بقوله عزّ وجلّ وقول رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ما فسّر بالصفة التي بينها أن تكون سورة الحمد إذا أحسنها،

وقدرها إذا لم يحسنها. فبالعلة التي أوجبوا قراءة آية تامة مع قوله : (ما تيسّر) له وجه ظاهره العلم،

واللّه أعلم.

ذكر وجوب قراءتها على المأموم كوجوبها على الإمام واختلاف الفقهاء فيه :

قال مالك بن أنس : يجب عليه قراءتها إذا خَافَتَ الإمام،

فأمّا إذا جهر فليس عليه (شيء). وبه قال الشافعي في القديم وقال في الجديد : يلزمه القراءة أسرَّ الإمام أو جَهَر. وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يلزمه القراءة خافت أو جهر.

واتّفق المسلمون على أن صلاته (صحيحة) إذا قرأ خلف الإمام.

والدليل على وجوب القراءة على المأموم كوجوبها على الإمام ما أخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا مكي بن عبد اللّه،

حدّثنا أبو الأزهر،

حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد،

حدّثنا أبي عن أبي إسحاق،

حدّثنا مكحول،

وأخبرنا عبد اللّه،

أخبرنا أحمد بن عبد الرَّحْمن بن سهل،

حدّثنا سهل بن عمار،

حدّثنا يزيد بن هارون،

أخبرنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود ابن الربيع عن عبادة ابن الصامت قال : صلّى بنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلاة الصبح فثقلت عليه القراءة فلمّا انصرف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من صلاته أقبل علينا بوجهه وقال : (إني لأراكم تقرؤون خلفي؟).

قلنا : أجل واللّه يا رسول اللّه هذا. قال : (فلا تفعلوا إلاّ بأُمّ الكتاب فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).

وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن عباس وجابر وابن مسعود وعمران بن حصين وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت وهشام بن عامر ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وعبد اللّه بن عمر وأبي الدرداء وعائشة وأبي هريرة وجماعة كبيرة من التابعين وأئمة المسلمين روي عنهم جميعاً أنهم رأوا القراءة خلف الإمام واجبة.

ووجه القول القديم ما روى سفيان عن عاصم بن أبي النجود،

عن ذكوان،

عن أبي هريرة وعائشة أنهما كانا يأمران بالقراءة وراء الإمام إذا لم يجهر. واحتج أبو حنيفة وأصحابه بما أخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه،

أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة،

حدّثنا الوليد ابن حمّاد اللؤلؤي : حدّثنا الحسن بن زياد اللؤلؤي : حدّثنا أبو حنيفة عن الحسن عن عبد اللّه بن شدّاد بن الماد عن جابر بن عبد اللّه قال : قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (من صلّى خلف امام فإنّ قراءة الإمام له قراءة).

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا أبو بكر بن إسحاق،

أخبرنا محمد بن أيوب،

أخبرنا أحمد بن يونس،

حدّثنا الحسن بن صالح،

عن جابر الجعفي،

عن أبي الزبير،

عن جابر،

عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من كان له إمام فقراءته له قراءة).

فأمّا حديث عبد اللّه بن شدّاد فهو مرسل،

رواه شعبة وزائدة وابن عينية وأبو عوانة وإسرائيل وقيس وجرير وأبو الأحوص مرسلا،

والمرسل لا تقوم به حجّة،

والوليد بن حماد والحسن لا يدرى من هما. وأما خبر جابر الجعفي فهو ساقط،

قال زائدة : جابر كذاب،

وقال أبو حنيفة : ما رأيت أكذب من جابر. وقال ابن عينية : كان جابر لا يوقن بالرجعة.

وقال شعبة : قال لي جابر : دخلت إلى محمد بن علي فسقاني شربة وحفظت عشرين ألف حديث. ولا خلاف بين أهل النقل في سقوط الاحتجاج بحديثه.

وقد روي عن جابر بن عبد اللّه ما خالف هذه الأخبار،

أخبرنا عبد اللّه بن حامد،

أخبرنا أبو بكر ابن إسحاق،

حدّثنا عبد اللّه بن محمد،

حدّثنا محمد بن يحيى،

أخبرنا سعد بن عامر،

عن شعبة،

عن مسعر عن يزيد بن الفقير،

عن جابر بن عبد اللّه،

قال : كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام،

ومحال أن يروي جابر بن عبد اللّه عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أن قراءة الإمام قراءة المأموم ثم يقرأ خلف الإمام ويأمر به مخالفة للنبي (صلى اللّه عليه وسلم)

واحتجوا أيضاً بما روي عن عاصم بن عبد العزيز عن أبي سهيل عن عوان عن ابن عباس عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (يكفيك قراءة الإمام جَهَرَ أو لم يجهر).

وهذا الحديث أيضاً لا يثبته أهل المعرفة بالحديث؛ لأنه غير متن الحديث،

وإنما الخبر الصحيح فيه عن أبي هريرة ما أخبرنا أبو عمرو الفراتي،

أخبرنا الهيثم بن كليب،

حدّثنا العباس ابن محمد الدوري،

حدّثنا بشر بن كلب،

حدّثنا شعبة،

عن العلاء بن عبد الرَّحْمن،

عن أبيه،

عن أبي هريرة أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج خداج غير تمام). قال : فقلت له : إذا كان خلف الإمام؟

قال : فأخذ بذراعي وقال : (يا فارسي أو قال : يا بن الفارسي اقرأ بها في نفسك).

واحتجوا أيضاً بما روى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللّه قال : كانوا يقرؤون خلف النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : (خلطتم عليّ القرآن).

وهذا الخبر فيه نظر،

ولو صحّ لكان المنع من القراءة كما رواه النضر بن شميل.

أخبرنا يونس بن أبي إسحاق،

عن أبي إسحاق،

عن أبي الأحوص،

عن عبد اللّه،

عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال لقوم يقرؤون القرآن ويجهرون به : (خلطتم عليّ القرآن)،

فليس في نهيه عن القراءة خلف الإمام جهراً ما يمنع عن القراءة سرّاً.

ونحن لا نجيز الجهر بالقراءة خلف الإمام؛ لما فيه من سوء الأدب والضرر الظاهر. وقد روى يحيى بن عبد،

عن محمد بن إبراهيم،

عن أبي حازم،

عن البياضي قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إذا قام أحدكم يصلّي،

فإنه يناجي ربّه،

فلينظر بما يناجيه،

ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن).

ودليل هذا التأويل حديث عبد اللّه بن زياد الأشعري قال : صليت إلى جنب عبد اللّه بن مسعود خلف الإمام فسمعته يقرأ في الظهر والعصر. وكذلك الجواب عن إحتجاحهم بخبر عمران بن الحصين قال : صلى بنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الظهر والعصر فلما انصرف قال : أيّكم قرأ (سبح اسم ربك الأعلى)،

قال رجل : أنا ولم أرد به إلاّ الخير. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (قد عرفت أن بعضكم خالجنيها).

واحتجّوا أيضاً بحديث أبي هريرة : فإذا قرأ فأنصتوا،

وليس الانصات بالسكوت فقط إنّما الإنصات أن تحسن استماع الشيء ثم يؤدى كما سمع،

يدل عليه قوله تعالى في قصّة الجن : {قَوْمُنَا} .

وقد يسمى الرجل منصتاً وهو قارىء مسبّح إذا لم يكن جاهراً به،

ألا ترى أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من أتى الجمعة فأنصت ولم يلغ حتى يصلي الإمام كان له كذا وكذا).

فسمّاه منصتاً وإن كان مصليّاً ذاكراً،

وقيل للنبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) ما تقول أيضاً؟

قال : (أقول اللّهمّ اغسلني من خطاياي) فدلّ أنّ الإنصات وهو ترك الجهر بالقراءة دون المخافتة بها،

يدل عليه ما أخبرنا به أبو القاسم الحسين،

حدّثنا أبو العباس الأصم،

حدّثنا أبو الدرداء هاشم بن محمد،

حدّثنا عبيد بن السكن،

حدّثنا إسماعيل بن عباس،

أخبرنا محمد بن الصباح،

عن عمرو بن شعيب،

عن أبيه،

عن جدّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من صلّى صلاةً مكتوبة أو سبحة فليقرأ بأُمّ القرآن).

قال : قلت : يا رسول اللّه،

إني ربما أكون وراء الإمام.

قال (صلى اللّه عليه وسلم) (اقرأ إذا سكت إنما جعل الإمام ليؤتمّ به).

قد رواه الثقات الأثبات عن أبي هريرة مثل الأعرج وهمام بن منبّه وقيس بن أبي حازم وأبي صالح وسعيد المقبري والقاسم بن محمد وأبي سلمة،

ولم يذكروا : (وإذا قرأ القرآن فأنصتوا).

[الروم : -]

وأمّا احتجاجهم بقوله تعالى : {وَإِذَآ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} ،

فسيأتي في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

آخر السورة،

وباللّه التوفيق.

سورة البقرة

مدنية : وهي مائتان وست وثمانون آية في العدد الكوفي وهي سندأمير المؤمنين عليج وهي خمسة وعشرون ألف (حرف) وخمسمائة حرف،

وستّة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة

أخبرنا عبد اللّه بن حامد بقراءتي عليه،

أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف،

حدثنا يعقوب ابن سفيان الصغير،

حدثنا يعقوب بن سفيان الكبير،

حدثنا هشام بن عمّار،

حدثنا الوليد بن مسلم،

حدثنا شعيب بن زرين عن عطاء الخراساني،

عن عكرمة،

قال : أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة.

فضلها :

أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها،

أخبرنا دعلج بن أحمد الشجري ببغداد،

حدثنا محمد بن أحمد بن هارون،

حدثنا خندف عن علي،

حدثنا حسّان بن إبراهيم،

حدثنا خالد بن شعيب المزني،

عن أبي حازم،

عن سهل بن سعد،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ لكل شيء سناماً،

وسنام القرآن سورة البقرة،

من قرأها في بيته ليلاً لم يدخله شيطان ثلاث ليال،

ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخل في بيته شيطان ثلاثة أيام).

وأخبرنا محمد بن القاسم بن أحمد المرتّب بقراءتي عليه،

حدثنا أبو عمرو بن مطرف،

حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن المسيب،

حدثنا عبد اللّه بن الحسين،

حدثنا يوسف بن الأسباط،

حدثنا حسن بن المهاجر عن عبد اللّه بن يزيد عن أبيه،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (تعلموا البقرة،

فإنّ أخذها بركة،

وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة).

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن الحسن المقري،

حدثنا أبو أحمد عبد اللّه بن علي الحافظ،

أخبرنا محمد بن يحيى بن مندة،

حدثنا أبو مصعب،

حدثنا عمران بن طلحة الليثي عن سعيد المقبري،

عن أبي هريرة،

قال : بعث النبي (صلى اللّه عليه وسلم) بعثاً ثم تتبعهم يستقرئهم،

فجاء إنسان منهم فقال : (ماذا معك من القرآن؟)

حتى أتى على آخرهم،

وهو أحدثهم سنّاً،

فقال : (ما معك من القرآن؟)

قال : كذا وكذا وسورة البقرة،

فقال : (اخرجوا وهذا عليكم أمين)،

قالوا : يا رسول اللّه هو أحدثنا سنّاً،

قال : (معه سورة البقرة).

﴿ ٠