١٩٠

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه} دين اللّه وطاعته {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} .

قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هذه أوّل آية نزلت في القتال فلما نزلت كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقاتل من يقاتله ويكف عمن كفَّ عنه حتّى نزلت : (اقتلوا المشركين) فنسخت هذه الآية {وَلا تَعْتَدُوا} أي لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من أُلقي إليكم السلم وكف يده فإن فعلتم ذلك فقد اعتديتم وهو قول ابن عبّاس ومجاهد.

وقال يحيى بن عامر : كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} . فكتب إليَّ : إن ذلك في النساء والذرية والرهبان ومن لم ينصب الحرب منهم.

وقال الحسن : لا يعتدوا أي لا تأتوا مانهيتم عنه.

وقال بعضهم : الاعتداء ترك قتالهم.

علقمة بن مرثد عن سليمان بن يزيد عن أبيه قال : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إذا بعث أمراً على سرية أو جيش أوصى في خاصة نفسه بتقوى اللّه وممن معه من المسلمين خيراً وقال : (إغزوا باسم اللّه،

وفي سبيل اللّه،

قاتلوا من كفر باللّه،

إغزوا ولا تغلّوا ولا تعدروا ولا تقتلوا وليداً).

وعن عطاء بن أبي رباح قال : لما استعمل أبو بكر يزيد بن أبي سفيان على الشام خرج معه يشيعهُ أبو بكر ماشياً وهو راكب فقال له يزيد : يا خليفة رسول اللّه إما أن تركب وإما أن أنزل،

فقال أبو بكر : ما أنت بنازل ولا أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل اللّه،

إني أوصيّك وصية إن أَنت حفظتها ستمر على قوم قد حبسوا أنفسهم في الصوامع زعموا للّه فزعهم وما حبسوا له أنفسهم،

وستمر على قوم قد فحصوا عن أوساط رؤسهم وتركوا من شعورهم أمثال العصائب،

فاضرب ما فحصوا منه بالسيف.

ثمّ قال : (لا تقتلوا إمرأة ولا صبياً ولا شيخاً فانياً ولا تعقروا شجراً مثمراً ولا تغرقوا نخلاً ولا تحرقوه ولا تذبحوا بقرة ولا شاة إلاّ لمأكل ولا تخربوا عامراً).

الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في صلح الحديبية وذلك أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لما خرج هو وأصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة وكانوا ألفاً وأربعمائة فساروا حتّى نزلوا الحديبية فصدهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدي بالحديبية ثمّ صالحه المشركون على أن يرجع عامه ذلك على أن يخلي له بكل عام قابل ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء،

فصالحهم رسول اللّه ثمّ رجع من فوره ذلك إلى المدينة فلما كان العام المقبل تجهز رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لا يفي لهم قريش وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم،

وكره رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل اللّه {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه} محرمين {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} يعني قريشاً {وَلا تَعْتَدُوا} ولا تظلموا فتبدؤا في الحرم بالقتال محرمين.

﴿ ١٩٠