٢١٢{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحياةُ الدُّنْيَا} الآية، قال بعضهم : نزلت هذه الآية في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه كانوا يتنعّمون بما ينقل لهم في الدنيا من المال ونسوا يوم المعاد {وَيَسخَرُون} من المؤمنين الذين يعزفون عن الدنيا، ويقبلون على الطاعة والعبادة، ويقولون : لو كان محمد نبيّاً لاتبعه أشرافنا وإنما تبعه الفقراء مثل أبي عمارة وصهيب وعمار وجابر بن عبد اللّه وأبي عبيدة بن الجراح وبلال وخباّب وأمثالهم، وهذا معنى رواية الكلبي عن ابن عباس. وقال مقاتل : نزلت في المنافقين عبد اللّه بن أبي وأصحابه، وكانوا يتنعمون في الدنيا ويسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين، ويقولون : انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم. وقال عطاء : نزلت في رؤساء اليهود ووفدهم من بني قريضة والنضير والقينقاع سخروا من فقراء المهاجرين فوعدهم اللّه أن يعطيهم أموال بني قريضة والنضير بغير قتال أسهل شيء وأيسره. فقال : أين الذين كفروا في الحياة الدنيا، في قول مجاهد، وحملَ (زيّن) بفتح الزاي والياء على معنى زينها اللّه وإنّما ذكّر الفعل بمعنيين أحدهما أن تأنيث الحياة ليس بحقيقي لأنّ معنى الحياة والبقاء والعيش واحد، والآخر أنه فصل بين اسم المؤنث والفعل فأعمل المذكر، كقول الشاعر : إن امرأً غرّه منكن واحدة بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور {وَيَسْخرُنَ من الَّذيِنَ آمَنُوا} لفقرهم. عن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من استذلّ مؤمناً أو مؤمنة أو حقّره لفقره وقلة ذات يده شهّره اللّه يوم القيامة ثم فضحه، ومن بهت مؤمناً أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه اللّه على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه، وإن المؤمن أعظم عند اللّه وأكرم عليه من مَلَك مقرب، وليس شيء أحبّ إلى اللّه من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة، وإن (الرجل) المؤمن ليُعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده). وعن إبراهيم بن أدهم قال : حدّثنا عباد بن كثير بن قيس، قال : جاء رجل عليه بزّة له فقعد الى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فجاء رجل عليه (لممار) له فقعد إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، قال : ألقى بثيابه فضمّها إليه، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : (أكلُّ هذا تقززاً من أخيك المسلم، أكنت تخشى أن يصيبه من غناك أو يصيبك من فقره شيء،) فقال للنبي : معذرة إلى اللّه وإلى رسوله، إن النفس لأمّارة وشيطان يكيدني، أشهد يا رسول اللّه أن نصف مالى له، فقال الرجل : ما أريد ذلك، فقال له النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (وَلِمَ؟) قال : لا يفسد قلبي كما أفسد قلبه). وقال أبو بكر الصديق (رضي اللّه عنه) : لا تحقرنّ أحداً من المسلمين فإنّ صغير المسلمين عند اللّه كبيراً. وقال يحيى بن معاذ : بئس القوم قوم إن استغنى بينهم المؤمن حسدوه، وإذا افتقر بينهم استذلّوه {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} عن أبي ذر قال : قال لي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يا أبا ذر ارفع بصرك إلى أرفع رجل تراه في المسجد). فنظرت فإذا رجل جالس وعليه حلّة فقلت : هذا. فقال : (يا أبا ذر ارفع بصرك إلى أوضع رجل تراه في المسجد) فنظرت فإذا رجل ضعيف عليه أخلاق فقلت : هذا، فقال (صلى اللّه عليه وسلم) (والذي نفسي بيده لهذا عند اللّه يوم القيامة أفضل من قراب الأرض من هذا). {وَاللّه يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال ابن عباس : يعني كثيراً بغير فوت ولا (هنداز) لأن كل ما دخل عليه الحساب فهو قليل. وقال الضحاك : يعني من غير تبعة، يرزقه في الدنيا ولا يحاسبه ولا يعاقبه في الآخرة. وقيل إنّ هذا راجع إلى اللّه ثم هو يحتمل على هذا القول معنيين : أحدهما أنه لا يُفترض عليه، ولا يُحاسب فيما يرزق، ولا يقال له : لما أعطيت هذا، وحرمت هذا؟ ولم أعطيت هذا أكثر مما أعطيت ذاك؟ لأنه لا شريك له بما عنده، ولا قسيم ينازعه. والمعنى الآخر أنه لا يخاف نفاذ خزائنه فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها إذا كان الحساب من المعطي، إنما يكون ليعمّ أقدر العطاء لئلا يتجاوز في عطائه إلى ما يجحف به فهو لا يحتاج الى الحساب؛ لأنه عالم غني لا يخاف نفاد خزائنه لأنها بين الكاف والنون |
﴿ ٢١٢ ﴾