٢٢٠{لعلكم تتفكرون في الدّنيا والآخرة} فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا، وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى. وقال أكثر المفسّرين : معناها : يبيّن اللّه لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلّكم تتفكرون في زوال الدنيا وفنائها فتزهدوا فيها، وفي إقبال الآخرة وذهابها فترغبوا فيها. {فِى الدُّنْيَا والآخرة} قال الضحّاك والسدّي وابن عباس في رواية عطية : كان العرب في الجاهلية يعظّمون شأن اليتيم ويشدّدون في أمره حتى كانوا لا يؤاكلونه، ولا يركبون له دابّة، ولا يستخدمون له خادماً، وكانوا يتشاءمون بملامسة أموالهم، فلمّا جاء الاسلام سألوا عن ذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية. وقال قتادة والربيع وابن عباس في رواية سعيد بن جبير وعلي بن أبي طلحة : لمّا نزل في أمر اليتامى {ولاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} وقوله {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} اعتزلوا أموال اليتامى وعزلوا طعامهم من طعامهم، واجتنبوا مخالطتهم في كل شيء حتى كان يُصنع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد واشتدّ ذلك عليهم، وسألوا عنه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فنزلت {فِى الدُّنْيَا والآخرة} . {قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} وقرأ طاووس : قلْ إصلاح إليهم خير بمعنى الاصلاح لأموالهم من غير أُجرة. ومن غير عوض عنهم خير وأعظم أجراً. {وَإِن تُخَالِطُوهُمْ} فتشاركوهم في أموالهم وتخالطوها بأموالكم في نفقاتكم ومطاعمكم ومساكنكم وخدمكم ودوابّكم، فتصيبوا من أموالهم عوضاً عن قيامكم بأُمورهم وتكافئوهم على ما تصيبون من أموالهم {فَإِخْوَانُكُمْ} أي فهم إخوانكم، وقرأ أبو مجلز : فإخوانكم نصيباً أي فخالطوا إخوانكم أو فأخوانكم تخالطون والإخوان يعين بعضهم بعضاً ونصب أعينهم. يقال : بعض على وجه الاصلاح والرضا قالت عائشة : إنّي لأكره أن يكون مال اليتيم عندي كالغرة حتى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي. ثم قال : {وَاللّه يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} لها فاتقوا اللّه في مال اليتامى، ولا تجعلوا مخالفتكم إيّاهم ذريعة إلى إفساد أموالهم وأكلها بغير حق {وَلَوْ شَآءَ اللّه عْنَتَكُمْ} لضيّق عليكم وآثمكم في ظلمكم إيّاهم قال ابن عباس : ولو شاء اللّه لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً. وأصل العنت الشدّة والمشقّة يقال : عقبه عنوت أي شاقه كؤود، وقال الزجاج : أصل العنت أن يحدث في رِجل البعير كسر بعد جبر حتى لا يمكنه أن يمشي. قال القطامي : فماهمُ صالحوا من ينتقى عنتي ولا همُ كدّروا الخير الذي فعلوا |
﴿ ٢٢٠ ﴾