٢٢٢

{وَيَسْ َلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الآية عطاء بن السائب عن سعد بشير عن ابن عباس ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ،

ما سألوا النبي عن ثلاث عشرة مسألة حتى (نزل ذكرهنّ) في القرآن : { يَسَْئلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} { يَسَْئلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم} { يَسَْئلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ} { يَسَْئلُونَكَ عَنِ اهِلَّةِ} { يَسَْئلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} {يسألونك عن اليتامى} {وَيَسْ َلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} { يَسَْئلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَ اهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي} {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} { يَسَْئلُونَكَ عَنِ الأنفال} {يسألونك عن الروح} {وَيَسْ َلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ} {وَيَسْ َلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} .

قال المفسرون : كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها في بيت ولم يجالسوها على فراش كفعل المجوس واليهود.

فسأل أبو الدحداح ثابت بن الدحداح رسول اللّه عن ذلك وقال : يا رسول اللّه كيف نصنع بالنساء إذا حضن؟

فأنزل اللّه {وَيَسْ َلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} أي الحيض،

وهو مصدر قولك حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً،

مثل السير والمسير،

والعيش والمعيش،

والكيل والمكيل. وأصل الحيض الانفجار يقال : حاضت الثمرة إذا سال منها شيء كالدم.

{قُلْ هُوَ أَذًى} أي قذر،

قاله قتادة والسّدّي،

وقال مجاهد والكلبي : دم،

والأذى ما يعمّ ويكره من شيء {فَاعْتَزِلُوا النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ} اعلم إنّ الحيض يمنع من تسعة أشياء : من الصلاة جوازاً ووجوباً ومن الصوم جوازاً ثم يلزمها قضاء الصوم ولا يلزمها قضاء الصلاة.

عاصم الأحول عن معادة العدوية أن إمرأة سألت عائشة فقالت : الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت لها : أحروريّة أنت؟

فقالت : ليست بحروريّة ولكني أسأل،

فقالت : كان يصيبنا ذلك على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فنؤمر بقضاء الصوم،

ولا نؤمر بقضاء الصلاة.

عياض عن أبي سعيد قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداهنّ،

فقلن له : وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول اللّه؟

قال : أليس شهادة المرأة على مثل نصف شهادة الرجل فذاك من نقصان عقلها؟

أوليس إذا حاضت المرأة لم تصلِّ ولم تصمْ؟

فقلن بلى قال : فذلك من نقصان دينها.

وتمنع أيضاً من قراءة القرآن وقد رخص فيها مالك بعض الرخصة إذا طالت المدّة احترازاً من نسيان القرآن،

والفقهاء على خلافه،

وتمنع من مسّ المصحف،

ودخول المسجد والاعتكاف فيه،

ومن الطواف بالبيت ومن الاحتساب بالعدة ومن الوطء قال اللّه تعالى : {فَاعْتَزِلُوا النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ} فلمّا نزلت هذه الآية عمد المسلمون الى النساء الحيّض فأخرجوهنّ من البيوت واعتزلوهنّ فاذا اغتسلنّ ردّوهن الى البيت،

فقدم بعض من أعراب المدينة فشكوا عزل الحيض معهم وقالوا : يا رسول اللّه إنّ البرد شديد والثياب قليلة فإنْ آثرناهنّ بالثياب حال بنا وأهل البيت برد،

وإن آثرتا بالثياب هلكت الحيض،

وليس كلنا يجد سعة لذلك فيوسع عليهم جميعاً،

فقال لهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : إنّما أُمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن،

ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم،

وقرأ عليهم هذه الآية.

الناصري عن سعيد بن المسّيب عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : (من وطئ امرأته وهي حائض فقضى منهما ولد فأصابه جذام فلا يلومنّ إلاّ نفسه،

ومَنِ احتجم يوم السبت والأربعاء فأصابه ضرر واضح فلا يلومنّ إلاّ نفسه).

وإنْ جامعها أثِمَ ولزمته الكفارة،

وهي ما روى ابن أبي المخارق عن مقسم عن ابن عباس عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنّ رجلا جامع امرأته وهي حائض قال : إن كان دماً عبيطاً فليتصدّق بدينار،

وإن كان صفرة فنصف دينار.

ولا بأس باستخدام الحائض ومباشرة بدنها إذا كانت مؤتزرة وبالاستمتاع بها فوق الإزار.

قيل لمسروق : ما يحلّ للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟

قال : كل شيء إلاّ الجماع.

وعن ربيعة بن عبد الرحمن أنّ عائشة كانت مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مضطجعة في ثوب واحد وأنها وثبت وثبة شديدة فقال لها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : (ما لكِ لعلّك نفستِ يعني الحيضة قالت : نعم،

قال : شدّي عليك إزارك ثم عودي لمضجعك).

معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى عن أبي سلمة أنّ زينب بنت أبي سلمة حدّثت أن أم سلمة حدّثتها قالت : بينا أنا مضطجعة مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أنفست؟

قلت : نعم،

فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة.

عن يزيدة مولاة ميمونة زوج النبي (صلى اللّه عليه وسلم) عن ميمونة قالت : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين.

إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كنت أغتسل أنا ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من إناء واحد،

ونحن جنبان وكنت أُفلي رأس رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهو معتكف في المسجد وأنا حائض،

وكان يأمرني إذا كنت حائضاً أن أتّزر ثم يباشرني.

ثابت بن عبيدة عن القاسم عن عائشة أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : ناوليني الخمرة فقالت : إني حائض فقال : (إنّ حيضتك ليست في يدك).

وعن شريح قال : قيل لعائشة : هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟

قالت : نعم،

كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يدعوني فآكل معه وأنا حائض،

وكان يأخذ العرق فيقسم عليّ فيه فأعُرّق منه،

ثم أضعه فيأخذ فيعرّق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق ويدعو بالشراب فيقسم عليّ قبله أن أشرب منه فآخذه وأشرب منه،

ثم أضعه فيأخذه ويشرب منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح.

فدلّت هذه الأخبار على أنّ المراد بالاعتزال عن الحيض جماعهنّ،

وذلك أن المجوس واليهود كانوا يجتنبون الحيّض في كل شيء،

وكان النصارى يجامعوهن ولا يبالون بالحيض،

فأنزل اللّه تعالى بالاقتصاد بين هذين الأمرين،

وخير الأمور أوسطها.

ثابت عن أنس قال : أنزل اللّه عزّ وجلّ : {يسألونك عن الحيض} الآية فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : افعلوا كل شيء إلاّ الجماع،

فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل،

لم يدعْ من أمرنا شيئاً إلاّ خالفنا فيه،

فجاء أسد بن حصين وعباد بن شبر إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقالا : يا رسول اللّه إنّ اليهود قالت كذا وكذا،

أفلا نجامعهنّ؟

فتغيّر وجه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ،

فظنّا أن قد وجد عليهما،

فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ،

فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما.

{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ} يعني لا تجامعوهنّ،

{حَتَّى يَطْهُرْنَ} قرأ ابن محيص والأعمش وعاصم وخمرويه والكسائي يطّهّرن بتشديد الطاء والهاء ومعناه يغتسلن،

يدلّ عليه قراءة عبد اللّه حتى يتطهرنّ بالتاء على الأصل،

وقرأ الباقون {يَطْهُرْنَ} مخففاً ومعناه {حَتَّى يَطْهُرْنَ} من حيضهنّ وينقطع الدم.

واختلف الفقهاء في الحائض متى يحلّ وطؤها،

فقال أبو حنيفة وصاحباه : إذا حاضت المرأة بعشرة أيام حلّ وطؤها دون أن تغتسل،

فإن طهرت لما دون العشرة لم يحلّ وطؤها إلاّ بإحدى ثلاث : قلت أن تغتسل أو يمضي بها أقرب وقت الصلاة،

فيحكم لها بذلك حكم الطاهرات في وجوب الصلاة في زمنها أو تيمماً عند عدم الماء.

مجاهد وطاوس وعطاء : إذا طهرت الحائض من الدم وأخذ زوجها شبق،

فإن غسلت فرجها وتوضأت ثم أتاها جاز.

وقال الشافعي : لا يحلّ وطء الحائض إلاّ يحين انقطاع الدم والاغتسال،

وهو قول سالم ابن عبد اللّه وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وابن شهاب والليث بن سعد وزفر وقال الحسن البصري : إذا وطئ الرجل امرأته بعد إنقطاع الدم قبل أن تغتسل فعليه من الكفارة مثل ما على من يطأ الحائض،

فمن قرأ {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بالتشديد فهو حجّة للمبيحين،

والدليل على أنّ وطأها لا يجوز ما لم تغتسل أن اللّه عزّوجل علّق جواز وطئها بشرطين فلا تحل قبل حصولهما،

وهما : قوله عزّوجل {حَتَّى يَطْهُرْنَ} وقوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي اغتسلن دليله قوله {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ولا يجهد الانسان على ما لا صنع له فيه،

والاغتسال فعلها وانقطاع الدم ليس من فعلها،

ويدلّ عليه أيضاً قوله في النساء والمائدة {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وأطّهر وتطّهر واحد وهو الاغتسال {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه} أي من حيث أمركم أن تعتزلوهن منه وهو الفرج،

قاله مجاهد وإبراهيم وقتادة وعكرمة.

الوالبي عن ابن عباس يقول : وطأهنّ في الفرج،

ولا تعدوه إلى غيره فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى.

الربيع بن عبيد : نهيتم عنه واتقوا الأدبار،

وإنما قال :

{مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه}

لأنّ النهي أيضاً أمر بترك المنهي عنه.

وقال قوم : قوله : {فَأْتُوهُنَّ} من الوجه الذي أمركم اللّه أن تأتوهنّ وهو الطهر،

فكأنه قال : فأتوهنّ من قبل طهرهنّ لا من قبل حيضهنّ،

وهو قول ابن رزين والضحّاك ورواية عطية عن ابن عباس.

ابن الحنفية : فأتوهنّ من قبل الحلال دون الفجور.

ابن كيسان : لا تأتوهنّ صائمات ولا معتكفات ولا محرمات،

وأتوهنّ،

وأقربوهنّ وغشيانهنّ لكم حلال.

الفرّاء : مثل قولك : أتيت الارض من مأتاه أي من الوجه الذي يؤتى منه.

الواقدي معناه {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ} وهو الفرج،

نظيره في سورة الملائكة والأحقاف {أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرض} أي في الأرض،

وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصلاةِ} أي في يوم الجمعة.

{إِنَّ اللّه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} قال مجاهد عن ابن رزين والكلبي {إِنَّ اللّه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} من الذنوب {الْمُتَطَهِّرِينَ} من أدبار النساء أن لا يأتوها.

وقال : من أتى المرأة في دبرها فليس من المتطّهرين،

فإن دبر المرأة مثله من الرجل.

مقاتل بن حيّان {التَّوَّابِينَ} من الذنوب {الْمُتَطَهِّرِينَ} من الشرك والجهل.

كنت عند أبي العالية يوماً فتوضأ وضوءاً حسناً فقلت {إِنَّ اللّه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} فقال : الطهور من الماء حسن ولكنهم المتطهرون من الذنوب.

سعيد بن جبير {التَّوَّابِينَ} من الشرك {الْمُتَطَهِّرِينَ} من الذنوب.

وعن أبي العالية أيضاً {التَّوَّابِينَ} من الكفر {الْمُتَطَهِّرِينَ} بالايمان.

ابن جريج عن مجاهد {التَّوَّابِينَ} من الذنوب لا يعودون لها {الْمُتَطَهِّرِينَ} هنا لم يصبوها.

قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم بن محمد بن حبيب يقول : سألت أبا الحسن علي بن عبد الرحيم القنّاد عن هذه الآية قال : {إِنَّ اللّه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} من الكبائر {الْمُتَطَهِّرِينَ} من الصغائر. {التَّوَّابِينَ} من الأفعال {الْمُتَطَهِّرِينَ} من الأقوال.

التوابين من الأقوال والأفعال والمتطهرين من العقود والإضمار. التوابين من الآثام والمتطهرين من الاجرام. التوابين من الجرائر،

والمتطهرين من خبث السرائر. التوابين من الذنوب والمتطهرين من العيوب.

والتواب الذي كلما أذنب تاب،

نظيره قوله {إنه كان للأوّابين غفوراً} .

محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : (مرّ رجل ممن كان قبلكم في بني إسرائيل بجمجمة فنظر اليها فقال : أي ربّ أنت أنت،

وأنا أنا،

أنت العوّاد بالمغفرة،

وأنا العوّاد بالذنوب،

ثم خرّ ساجداً فقيل له : ارفع رأسك فأنا العوّاد بالمغفرة،

وأنت العوّاد بالذنوب فرفع رأسه فغفر له).

﴿ ٢٢٢