٢٢٣

{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} الآية،

جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يارسول اللّه هلكت،

قال : ما الذي أهلكك؟

قال : حوّلت رحلي البارحة فلم يردّ عليّ شيئاً فأوحى اللّه تعالى {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول أقبل وأدبر واتق الدّبر والحيضة.

محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : كان اليهود يقولون : من جامع امرأته وهي مجبيّة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول،

فذكر ذلك لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : كذبت اليهود فأنزل اللّه تعالى {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .

مجاهد عن ابن عباس قال : كان هذا الحي من الأنصار،

وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود،

وهم أهل كتاب،

وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم،

فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلاّ على حرف،

وذلك أيسر ما يكون للمرأة،

فكان هذا الحي من الأنصار يأخذون بذلك من فعلهم،

وكان هذا الحي من قريش يشرح عن النساء شرحاً منكراً،

ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات،

فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار،

فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع وإلاّ فاجتنبني،

حتى انتشر أمرهما فبلغ ذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأنزل اللّه عزّ وجلّ {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} يعني موضع الولد قالوا : {حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} مدبرات ومقبلات ومستلقيات.

قال الحسن وقتادة والمقاتلان والكلبي تذاكر المهاجرون والأنصار واليهود إتيان النساء في مجلس لهم فقال المهاجرون : إنّا نأتيهن باركات وقايمات ومستلقيات ومن بين أيديهن ومن خلفهن،

بعد أن يكون المأتي واحداً في الفرج،

فعابت اليهود وقالت : ما أنتم إلاّ أمثال البهائم لكنّا نأتيها على هيئة واحدة،

فإنا لنجد في التوراة أن كل إتيان يؤتى للنساء غير الاستلقاء دنس عند اللّه،

ومنه يكون الحَوَل والخَبل،

فذكر المسلمون ذلك لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقالوا : يا رسول اللّه إنّا كنا في جاهليتنا وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا،

فإنّ اليهود عابت ذلك علينا وزعمت أنّا كذا وكذا،

فكذّب اللّه عزّوجل اليهود،

وأنزل رخصة لهم {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي كيف شئتم وحيث شئتم ومتى شئتم بعد أن يكون في (فرج) واحد.

(أنّى) حرف استفهام ويكون سؤالاً عن الحال والمحلّ.

وقال سعيد بن المسيب : هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا.

يحيى بن أبي كثير عن رجل قال : قال عبد اللّه ستامر الحرّة في العزل ولا تستأمر الأمة،

وفي هذه الآية دليل على تحريم أدبار النساء لأنها موضع الفرث لا موضع الحرث،

وإنما قال اللّه تعالى : {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} وهذا من لطف كنايات القرآن حيث عبّر بالحرث عن الفرج فقال : {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} أي مزرع ومنبت الولد،

وأراد به المحرث المزدرع،

ولكنّهن لما كنّ من أسباب الحرث جُعلن حرثاً.

وقال أهل المعاني : تقدير الآية : نساؤكم كحرث لكم،

كقوله تعالى : {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} أي كنار،

قال الشاعر :

النشر مسك والوجوه دنانير

وأطراف الأكف عنم

والعرب تسمي النساء حرثاً،

قال المفضل بن سلمة : أنشدني أبي :

إذا أكل الجراد حروث قوم

فحرثي همّه أكل الجراد

وقال الثعلبي : وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد السدوسي،

قال : أنشدني أبو منصور مهلهل بن علي العزّي،

قال : أنشدني أبي قال : أنشدنا أحمد بن يحيى :

حبّذا من حبّة اللّه النبات الصالحات

هن النسل والمزروع بهنّ الشجرات

يجعل اللّه لنا فيما يشاء البركات

إنما الأرضون لنا محرثات

فعلينا الزرع فيها وعلى اللّه النبات

وقد وهم بعض الفقهاء في تأويل هذه الآية وتعلق بظاهر خبر رواه وهو ما أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن الحسين من رواة الدينوري،

حدّثنا محمد بن عيسى الهيّاني أبو بكر الطرسوسي وإسحاق الغروي عن مالك بن أنس عن نافع قال : كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية

{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ}

قال : أتدري فيما نزلت هذه الآية؟

قلت : لا،

قال : نزلت في رجل أتى امرأة في دبرها على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فشقّ ذلك عليه فنزلت {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} الآية،

وأما تأويل حديث ابن عمر فهو ما روى عطاء عن موسى بن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه أنّه لقي سالم بن عبد اللّه،

فقال : يا أبا عمر ما حدّث محدّث نافع عن عبد اللّه؟

قال : وما هو؟

قال : زعم أنه لم يكن يرى بأساً بإتيان النساء من أدبارهنّ،

قال : كذب العبد وأخطأ،

إنّما قال عبد اللّه : تؤتى في فروجهنّ من أدبارهنّ،

الدليل على تحريم الأدبار ما روى عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في قوله تعالى {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} قال : لا يكون الحرث إلاّ حيث يكون النبات،

وعن عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إن اللّه لا يستحي من الحق،

لا تأتوا النساء في أدبارهنّ.

مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ملعون من أتى امرأته في دبرها.

{وَقَدِّمُوا لأنفُسِكُمْ} يعني طلب الولد،

وقيل : التزوّج بالعفائف ليكون الولد صالحاً طاهراً،

وقيل : هو لذم الإفراط،

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسّه النار إلاّ تحلّة القسم،

فقيل : يا رسول اللّه اثنان،

قال : واثنان،

فقال : فظننا أن لو قيل واحد لقال واحد.

شهر بن عطية عن عطاء {وَقَدِّمُوا لأنفُسِكُمْ} قال : التسمية عند الجماع،

وقال مجاهد {وَقَدِّمُوا لأنفُسِكُمْ} يعني : إذا أتى أهله فليدعُ. سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال : قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فليقل : بسم اللّه اللّهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا،

فإنْ قدر بينهما منهما ولد لم يضرّه شيطان.

السدّي والكلبي يعني الخير والعمل الصالح دليله سياق الآية {وَاتَّقُوا اللّه وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ} ابن كيسان قدِّموا لأنفسكم في كل ما أحلّ اللّه لكم،

وما تعبّدكم به،

فإن تصديقكم اللّه ورسوله بكل ما أحلّه لكم وحرّم عليكم وما تعبّدتم به قدم صدق لكم عند ربّكم،

واتقوا اللّه فيما أمركم به ونهاكم عنه،

واعلموا أنّكم ملاقوه فيجزيكم بأعمالكم.

﴿ ٢٢٣