١٢{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} : قرأ إسحاق وثابت والأعمش وحمزة والكسائي وخَلْقٌ بالياء فيهما، الباقون بالتاء، فمن قرأهما بالياء فعلى الأخبار عنهم أنَّهم يحشرون ويقلبون، ومن قرأهما بالتاء فعلى الخطاب أي قلَّ لهم إنكم ستغلبون وتحشرون وكلا الوجهين (صحيح) ؛ لأنه لم يوح إليهم، واذا كان المخاطب بالشيء غير حاضر وكانت مخاطبته (في) الكلام بالتاء على الخطاب، وبالياء على الأخبار والأعلام كما تقول : (قل لغير اللّه ليضربن ولتضربن). واختلف المفسرون في المعنى لهذه الآية من هم؟ فقال مقاتل : هم مشركو مكَّة، ومعنى الآية قيل لكفَّار مكّة : ستغلبون يوم بدر وتحشرون في الهجرة، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلَّى اللّه عليه وسلَّم للكافرين يوم بدر : (إنَّ اللّه غالبكم وحاشركم الى جهنَّم). دليلُ التأويل قوله تعالى : {سيهزم الجمع ويوَّلَّونَ الدُبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وَأَمَر}. وقال بعضهم : المراد بهذه الآية اليهود. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إنَّ يهود أهل المدينة قالوا لمَّا هَزَمَ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) المشركين يوم بدر : هذا واللّه النبي الأمَّي الذي بشَّرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته وصفته، وأنَّه لا تردُّ له راية، وأرادوا تصديقه واتَّباعه، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى الى وقفة أخرى به، فلمَّا كان يوم أُحدْ ونكب أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) شكَّوا وقالوا : لا واللّه ما هو به فغلبَ عليهم الشقاء ولم يسلموا، وقد كان بينهم وبين رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عهدُ الى مدة لم تنقضِ فنقضوا ذلك العهد من أجله. وإنطلق كعب بن الإشرف في ستين راكباً الى أهل مكَّة، أبي سفيان واصحابه، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لتكون كلمتنا واحدة، ثم رجعوا الى المدينة، فأنزل اللّه فيهم هذه الآية. وقال محمد بن إسحاق عن رجاله لمَّا أصاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قريشاً ببدر، وقدِم الى المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال : (يا معشر اليهود إحذروا من اللّه مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم قد عرفتم إنَّي نبي مرسل تجدونَ ذلك في كتابكم وعهدَ اللّه إليكم). فقالوا : يا محمَّد لا يغرنَّك أن لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة، لك واللّه لو قاتلناك لعرف منا البأس، فأنزل اللّه تعالى {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} : يعني اليهود ستغلبون وتهزمون وتحشرون الى جهنَّم في الآخرة، وهذه رواية عكرمة، وسعيد بن جبير عن أبن عباس. قال : أهل اللغة إشتقاق جهنَّم من الجهنام وهي البئر البعيدة القعر. |
﴿ ١٢ ﴾