١١٣-١١٤{لَيْسُوا سَوَآءً} الآية قال ابن عباس ومقاتل : لما أسلم عبد اللّه بن سلام وثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت رؤوس اليهود : ما آمن بمحمد إلاّ شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وقالوا لهم : لقد خسرتم حيث استبدلتم بدينكم ديناً غيره، فأنزل اللّه تعالى {لَيْسُوا سَوَآءً} وسواء يقتضي شيئين اثنين فصاعداً، واختلفوا في وجه هذه الآية فقال قوم : في الكلام إضمار تقديره : ليسوا سواء. {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ} وأخرى غير قائمة فتزلّ الأخرى لاكتفائه بذكر أحد الفريقين كقول أبي ذؤيب : عصيت إليها القلب إني لأمرها مطيع فما أدري أرشد طلابها أراد : أرشد أم غيّ، فحذفه لدلالة الكلام عليه. وهذا قول مجموع مقدم كقولهم : (أكلوني البراغيث) و (ذهبوا أصحابك). وقال : تمام القول عند قوله : {لَيْسُوا سَوَآءً} وهو وقف لأن ذكر الفريقين من أهل الكتاب قد جرى في قولهم {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} ثم قال {لَيْسُوا سَوَآءً} يعني المؤمنين والفاسقين، ثم وصف الفاسقين فقال : {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} ، ثم وصف المؤمنين فقال : {أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ} الآية فهو مردود على أول الكلام، وهو مختار محمد بن جرير والزجاج، قال : وإن شئت جعلت قوله : {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} ابتداءً لكلام آخر؛ لأنّ ذكر الفريقين قد جرى، ثمّ قال : ليس هذان الفريقان سواءً وهم، ثمّ ابتدأ فقال : {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} . قال ابن مسعود : معناها لا يستوي اليهود وأُمة محمد القائمة بأمر اللّه تعالى يعني الثابتة على الحقّ المستقيم. ابن عباس : أُمّة قائمة مهتدية قائمة على أمر اللّه لن تنزع عنه ولم تتركه كما تركه الآخرون وضيّعوه. مجاهد : عادلة، السدي : مطيعة قائمة على كتاب اللّه وفرائضه وحدوده. وقيل : قائمة في الصلاة. قال الأخفس أُمة قائمة أي ذو أُمّة قائمة، والأُمّة : الطريقة، من قولهم : أممت الشيء أي قصدته. قال النابغة : وهل يأتمن ذو أُمّة وهو طائع. أي ذو طريقة. ومعنى الآية ذوا طريقة مستقيمة. {يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللّه} يقرؤون كتاب اللّه. قال مجاهد : يتبعون، يقال : تلاه، أي اتّبعه. قال الشاعر : قد جعلت دلويَ تسيلينني ولا أريد تبع القرين إني لم أُردهما (...). أي تستتبعني. {أَمَّنْ هُوَ} ، أي ساعاته، وإحداها إنْيٌ مثل نحْي وأنحاء وإنىً مثل معىً. قال الشاعر : حلو ومر كعطف القدح شيمته في كل إنْي قضاء الليل ينتعل أي تسليه آناء الليل بأمر مضى فيه ولم يتأخر. قال الراجز في اللغة الأخرى : للّه درّ جعفر أي فتى مشمّر عن ساقه كلّ إنى وقال السدي : آناء الليل جوفه. الأوزاعي عن حسان عطية قال : بلغنا أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها، ولولا أن يشق على أمّتي لفرضتهما عليهم). {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} أي يصلون؛ لأنّ التلاوة لا تكون في الركوع والسجود، نظيره قوله : {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} أي يصلّون وفي القرآن : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ} أي صلوا، وقوله : {فَاسْجُدُوا للّه وَاعْبُدُوا} . واختلفوا في نزول الآية ومعناها؛ فقال بعضهم : هي قيام الليل عن مجمع بن يحيى الأنصاري عن رجل من بني شيبة كان يدرس الكتب فقال : إنا نجد كلاماً من كلام (الرب) أيحسب راعي إبل وغنم، إذا جنه الليل انخذل بكن وهو قائم وساجد آناء الليل. ابن مسعود : هو في صلاة العتمة، يصلونها ومن حولهم من أهل الكتاب لا يصلونها. عاصم عن زرين عن ابن مسعود قال : أخر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة، قال : (أما إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر اللّه عز وجل ذه الساعة غيركم) ، فأنزل اللّه هذه الآية : {لَيْسُوا سَوَآءً} حتى بلغ قوله {وَاللّه عَلِيمُ بِالْمُتَّقِينَ} . وروى الثوري عن منصور قال : بلغنا أنها نزلت في قوم كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء. وقال عطاء في قوله : {لَيْسُوا سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ} الآية تزيد أربعين رجلا من أهل نجران من العرب، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى (عليه السلام) وصدقوا بمحمد (صلى اللّه عليه وسلم) وكان من الأنصار منهم عدة قبل قدوم النبي (صلى اللّه عليه وسلم) منهم أسعد ابن زرارة والبراء بن معرور ومحمّد بن مسلمة وأبو قيس هرمة بن أنس، وكانوا موحدين يغتسلون من الجنابة ويقرّون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم اللّه عز وجل بالنبي (صلى اللّه عليه وسلم) فصدقوه ونصروه. |
﴿ ١١٤ ﴾