١٧١

{عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من اللّه وفضل وأن اللّه} يعني وبأن اللّه في محل الخفض على قوله : {بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّه وَفَضْلٍ} .

وقرأ الكسائي والفرّاء والمفضل ومحمد بن عيسى : (وأن اللّه) بكسر الألف على الاستثناء،

ودليلهم قراءة ابن مسعود {وَاللّه} (لا يضيع أجر المؤمنين).

قال الكلبي باسناده : إن العبد إذا لقى العدو في سبيل اللّه،

فتح له باب من السماء وأطلعت عليه زوجتاه من الحور العين،

فإذا أقبل على العدو يقاتلهم قالتا : اللّهم وفقه وسدّده،

وإذا أدبر عن العدو قالتا : اللّهم أعف وتجاوز،

فإذا قتل يباهي اللّه عزّ وجلّ به الملائكة فيقول لهم : انظروا إلى عبدي بذل نفسه ودمه ابتغاء مرضاتي،

فتقول الملائكة : يا ربّ أفلا تذهب فتنصره على من يريد قتله؟

فيقول لهم : خلّوا عن عبدي،

فقد سهر ونصب في طلب مرضاتي،

أحبَّ لقائي وأحببت لقاءه. فينزل إليه زوجتاه من الحور العين،

ويأمر اللّه الملائكة أن يأتوه من آفاق الأرض،

فيحبونه ويبشرونه بالجنة والكرامة من اللّه تعالى،

فإذا فعلوا ذلك بعث اللّه إليهم : أن خلّوا بين عبدي وبين زوجته حتى يستريح،

فتقول زوجتاه : لقد كنا إليك بالأشواق،

ويقول لهما مثل ذلك.

وعن الحسين بن علي (عليه السلام) قال : بينما علي بن أبي طالب يخطب الناس ويحثهم على الجهاد إذ قام إليه شاب وقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل اللّه؟

قال : كنت رديف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) على ناقته العصباء ونحن منقلبون من غزوة،

فسألته عمّا سألتني عنه فقال (صلى اللّه عليه وسلم) (الغزاة إذا همّوا بالغزو كتب اللّه تعالى لهم براءة من النار،

فإذا تجهزوا لغزوهم باهى اللّه تعالى بهم الملائكة،

فإذا ودعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت،

ويخرجون من ذنوبهم كما تخرج الحية من سلخها،

يوكل عزّ وجلّ بكل رجل منهم أربعين ألف ملك يحفظونه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله،

ولا يعمل حسنة إلاّ ضعفت له،

وكتب له كل يوم عبادة ألف رجل يعبدون اللّه عزّ وجلّ ألف سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً،

اليوم مثل عمر الدنيا،

فإذا صاروا بحضرة عدوّهم انقطع علم أهل الدنيا عن ثواب اللّه إياهم،

فإذا برزوا لعدوّهم وأشرعت الأسنّة وفوّقت السهام وتقدم الرجل إلى الرجل حفّتهم الملائكة بأجنحتها ويدعون اللّه لهم بالنصرة والتثبت،

ونادى مناد : الجنة تحت ظلال السيوف،

فتكون الضربة والطعنة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف،

وإذا زال الشهيد عن فرسه بطعنة أو ضربة لم يصل إلى الأرض حتى يبعث اللّه تعالى إليه زوجته من الحور العين فتبشره بما أعد اللّه له من الكرامة،

وإذا وصل إلى الأرض تقول له الأرض : مرحباً بالروح الطيب التي أُخرجت من البدن الطيب أبشر فإن لك ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

ويقول اللّه تعالى : أنا خليفته في أهله،

من أرضاهم فقد أرضاني ومن أسخطهم فقد أسخطني،

ويجعل اللّه روحه في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث تشاء تأكل من ثمارها،

وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش،

ويعطى الرجل منهم سبعين غرفة من غرف الفردوس،

سلوك كل غرفة ما بين صنعاء والشام يملأ نورها ما بين الخافقين،

في كل غرفة سبعون باباً،

على كل باب سبعون مصراعاً من ذهب،

وعلى كل باب سبعون غرفة مسبلة،

وفي كل غرفة سبعون خيمة،

في كل خيمة سبعون سريراً من ذهب قوائمها الدر والزبرجد،

مزمولة بقضبان الزمرد،

على كل سرير أربعون فراشاً،

غلظ كل فراش أربعون ذراعاً،

على كل فراش زوجة من الحور العين {عُرُبًا أَتْرَابًا} ).

فقال الشاب : يا أمير المؤمنين أخبرني عن العروبة؟

قال : (هي الغنجة الرضية المرضية الشهية،

لها ألف وصيف وسبعون ألف وصيفة،

صفر الحلي بيض الوجوه،

عليهن تيجان اللؤلؤ،

على رقابهم المناديل،

بأيديهم الأكواب والأباريق،

وإذا كان يوم القيامة يخرج من قبره شاهراً سيفه تشخب أوداجه دماً،

اللون لون الدم والرائحة رائحة المسك،

يخطو في عرصة القيامة. فوالذي نفسي بيده لو كان الأنبياء على طريقهم لترجّلوا لهم،

ممّا يرون من بهائهم،

حتى يأتوا إلى موائد من الجواهر فيقعدون عليها،

ويشفع الرجل منهم في سبعين ألف من أهل بيته وجيرته،

حتى أن الجارين يتخاصمان أيهما أقرب جواراً فيقعدون معي ومع إبراهيم على مائدة الخلد،

فينظرون إلى اللّه في كل يوم بكرة وعشية).

وروى مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي : رجل كانت له صحبة قال : قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (يُعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه : يكفّر عنه كل خطيئة،

ويرى مقعده من الجنة،

ويزوَّج من الحور العين،

ويؤمن الفزع الأكبر وعذاب القبر،

ويحلّى بحلية الإيمان).

ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك قال : كان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) في بعض غزواته فأتاه رجل أسود فقال : يا رسول اللّه إني أسود قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي،

فإن قاتلت هؤلاء حتى أُقتل فأين أنا؟

قال : (في الجنة) قال : فحمل عليهم فقاتل حتى قُتل،

قال : فجاء رسول اللّه (عليه السلام) حتى وقف على رأسه فقال : (لقد بيّض اللّه وجهك وطيّب ريحك وأكثر مالك) ثم قال : (لقد رأيت زوجتيه من الحور العين في الجنة تنازعانه جبة له من صوف،

ليدخلا بينه وبين جبته).

أبو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما يجد الشهيد من القتل في سبيل اللّه إلاّ كما يجد أحدكم مسَّ القرصة).

وفي غير هذا الحديث : (عضة نملة أشد على الشهيد من مس السلاح).

وعن عبد الرحمن بن عبد اللّه عن أبيه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن للّه عباداً يصونهم عن القتل والزلازل والأسقام،

يطيل أعمارهم في حسن العمل،

ويحسن أرزاقهم ويُحييهم في عافية ويقبض أرواحهم في عافية على الفرش،

ويعطيهم منازل الشهداء).

﴿ ١٧١