٢٠٠كما فعلت رؤساء اليهود {أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إن اللّه سريع الحساب يا أيها الذين آمنوا اصبروا}. قال الحسن : (اصبروا) على دينكم فلا تدعوه لشدة ولا رخاء ولا سرّاء ولا ضرّاء، قتادة : (اصبروا) على طاعة اللّه، الضحاك ومقاتل بن سليمان : (اصبروا) على أمر اللّه عزّ وجلّ، مقاتل ابن حيان : (اصبروا) على فرائض اللّه، زيد بن أسلم : على الجهاد، الكلبي : على البلاء. قالت الحكماء : الصبر ثلاثة أشياء : ترك الشكوى، وصدق الرضا، وقبول القضاء. وقيل : الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنّة. {وَصَابِرُوا} يعني الكفار، قاله أكثر المفسرين. قال عطاء والقرظي : (وصابروا) الوعد الذي وعدكم، {وَرَابِطُوا} يعني المشركين، وأصل الرباط أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم، ثم قيل ذلك لكل مقيم في ثغر يدفع عمّن وراءه وإن لم يكن له مركب، قال اللّه تعالى : {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} . قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا حامد (الخازرنجي) يقول : المرابطة اعتقال المبارزين في الحرب، وأصل الربط الشد، ومنه قيل للخيل : الرباط، ويقال : فلان رابط الجأش، أي قوي القلب. قال لبيد : رابط الجأش على كل وجل قال عبيد : داوموا واثبتوا. عن سمط بن عبد اللّه البجلي عن سلمان الفارسي : أنهم كانوا في جند المسلمين، فأصابهم ضرّ وحصر فقال سلمان لصاحب الخيل : ألا أحدّثك حديثاً سمعته من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فيكون لك عوناً على الجند، سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (من رابط يوماً أو ليلة في سبيل اللّه كان عدل صيام شهر وصلاته الذي لا يفطر ولا ينصرف من صلاة إلاّ لحاجة، ومن مات مرابطاً في سبيل اللّه أجرى اللّه له أجرة حتى يقضي بين أهل الجنة وأهل النار). الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (من رابط يوماً في سبيل اللّه جعل اللّه عزّ وجلّ بينه وبين النار سبعة خنادق، كل خندق منها كسبع سماوات وسبع أرضين). وفيه قول آخر وهو ما روى مصعب بن ثابت عن عبد اللّه بن الزبير عن عبد اللّه بن صالح قال : قال لي سلمة بن عبد الرحمن : يابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} ؟ قال : قلت : لا. قال : إنه يابن أخي لم يكن في زمان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) غزو يرابط فيه، ولكنّه انتظار الصلاة خلف الصلاة. ودليل هذا التأويل ما روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ألا أخبركم بما يمحو اللّه به الخطايا ويرفع به الدرجات) قالوا : بلى يا رسول اللّه. قال : (اسباغ الوضوء عند المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط). وقال أصحاب اللسان في هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا اصبروا} عند صيام النفس على احتمال الكرب {وَصَابِرُوا} على مقابلة العناء والتعب {وَرَابِطُوا} في دار أعدائي بلا هرب. {وَاتَّقُوا اللّه} بهمومكم من الألتفات إلى السبب {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} غداً بلقائي على بساط الطرب. السري السقطي : اصبروا على الدنيا، رجاء السلامة (وصابروا) عند القتال بالبينات والاستقامة (ورابطوا) هو النفس اللوامة (واتقوا) ما يعقب لكم الندامة (لعلكم تفلحون) غداً على بساط الكرامة. وقيل : (اصبروا) على بلائي (وصابروا) على نعمائي (ورابطوا) في دار أعدائي (واتقوا) محبة من سواي (لعلكم تفلحون) غداً بلقائي. وقيل : (اصبروا) على الدنيا (وصابروا) على البأساء والضراء (ورابطوا) في دار الأعداء (واتقوا) اله الأرض والسماء (لعلكم تفلحون) في دار البقاء. |
﴿ ٢٠٠ ﴾