٥

{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللّه لَكُمْ قِيَامًا} الآية.

اختلفوا في هؤلاء السفهاء من هم؟

فقال قوم : هم النساء.

قال الحضرمي : عمد رجل فدفع ماله إلى امرأته فوضعته في غير الحق،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

مجاهد : نهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وبين سفهاء من كن أزواجاً أو كن أو بنات أو أُمهات.

جويبر عن الضحاك : النساء من أسفه السفهاء،

يدل على صحة هذا التأويل ما روى علي بن زيد عن القاسم عن أبي أُمامة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ألا إنما خلقت النار للسفهاء يقولها ثلاثاً ألا وإن السفهاء النساء إلاّ امرأة أطاعت قيّمها).

أبان عن ابن عياش عن أنس بن مالك قال : جاءت امرأة سوداء جريئة المنطق ذات ملح إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقالت : بأبي وأمي أنت يا رسول اللّه قُل فينا خيراً مرة واحدة،

فإنه بلغني أنك تقول فينا كل شرّ. قال : (أي شيء قلت لكُنّ؟)

قالت : سمّيتنا السفهاء في كتابه وسمّيتنا النواقص.

فقال : (وكفى نقصاناً أن تدعن من كل شهر خمسة أيام لا تصلين فيهنَّ،

أما يكفي إحداكنَّ إذا حملت كان لها كأجر المرابط في سبيل اللّه،

وإذا وضعت كانت كالمتشحط بدمه في سبيل اللّه،

وإذا أرضعت كان لها بكل جرعة كعتق رقبة من ولد إسماعيل،

وإذا سهرت كان لها بكل سهرة تسهرها كعتق رقبة من ولد إسماعيل،

وذلك للمؤمنات الخاشعات الصابرات اللاتي لا يكفرن بالعشير). قالت السوداء : يا له فضلاً لولا ما تبعه من الشرط.

وروى عاصم عن مورق قال : مرّت امرأة بعبد اللّه بن عمر لها شارة وهيبة فقال لها ابن عمر : {ولاتؤتوا السفهاء أموالكم}. وقال معاوية بن قرة : عوّدوا نساءكم فإنهن سفيهات،

إن أطعت المرأة أهلكتك.

وقال آخرون : هم الأولاد،

وهي رواية عطية عن ابن عباس.

قال الزهري وأبو مالك وابن يقول : لا تعط ولدك السفيه مالك الذي هو قوامك بعد اللّه فيفسده،

وقال بعضهم : هم النساء والصبيان. قال الحسن : هي امرأتك السفيهة وأبنك السفيه.

قتادة : أمر اللّه بهذا المال أن يُخزن فيحسن خزائنه ولا تملكه المرأة السفيهة ولا الغلام السفيه فيبذره،

قال اللّه تعالى : {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} .

عبيد عن الضحاك : ولا تعطوا نساءكم وأبناءكم أموالكم فيكونوا عليكم أرباباً.

ابن عباس : لا تعمد إلى مالك الذي خوّلك اللّه تعالى وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك وبنيك،

فيكونوا هم الذين يقومون عليك،

ثم تنظر إلى ما في أيديهم،

ولكن أمسك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤنتهم.

الكلبي : إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد،

فلا ينبغي له أن يسلط واحداً منهما على ماله ليفسده.

وقال السدي : لا تُعط المرأة مالها حتى تتزوج وإن قرأت التوراة والإنجيل والقرآن،

ولا تعط الغلام ماله حتى يحتلم.

وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مال اليتيم يكون عندك،

يقول : لا تؤته إياه،

وأنفق عليه حتى يبلغ،

فإن قيل على هذا القول : كيف أضاف المال إلى الأولياء فقال : (أموالكم) وهي أموال السفهاء؟

قيل : إنما أضاف إليهم لأنها الجنس الذي جعله اللّه أموالا للناس كقوله : {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه} وقوله : {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} ردّها إلى الجنس،

أي الجنس الذي هو جنسكم.

وقال محمد بن جرير : إنما أضيفت إلى الولاة لأنهم قوامها ومدبروها،

والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله،

هو المستحق للحجر بتضييعه ماله وإفساده وسوء تدبيره.

روى الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال : ثلاثة يدعون اللّه فلا يستجيب لهم : رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها،

ورجل كان له على رجل دين فلم يُشهد عليه،

ورجل أعطى سفيهاً ماله وقد قال اللّه {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ} أي الجهال بموضع الحق.

{أَمْوَالَكُمُ الَّتِى} .

قرأ الحسن والنخعي : اللاتي،

وهما بمعنى واحد.

وأنشد :

من اللواتي والتي واللاتي

زعمن أني كبرت لذاتي

فجمع بين ثلاث لغات.

قال الفراء : العرب تقول في جمع النساء : اللاتي،

أكثر مما تقولون : التي،

ويقولون في جمع الأموال وسائر الأشياء : التي،

أكثر ممّا يقولون : اللاتي،

وهما جائزان.

{جَعَلَ اللّه لَكُمْ قِيَامًا} قرأ ابن عمر (قَواما) بالواو وفتح القاف كالدوام،

وقرأ عيسى بن عمر (قِواما) بكسر القاف على الفعل،

لأن الأصل الواو.

وقال الكسائي : هما لغتان ومعناهما واحد،

وكان أبو حاتم يفرّق بينهما فيقول : القوام بالكسر الملاك،

والقوام بالفتح امتداد القامة.

وقرأ الأعرج ونافع : (قِيّما) بكسر القاف.

الباقون : (قياماً) وأصله قواماً فانقلب الواو ياءً،

لانكسار ما قبلها،

مثل صيام ونيام،

وهن جميعاً ملاك الأمر وما يقوم به الإنسان،

يقال : فلان قوام أهل بيته،

وأراد هاهنا قوام عيشكم الذي تعيشون به.

وقال الضحاك : به يقام الحج والجهاد وأعمال البر،

وهي فكاك الرقاب من النار.

وقال بعضهم : أموالكم التي تقومون بها قياماً.

{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} أي أطعموهم {وَاكْسُوهُمْ} لمن يجب عليكم رزقه ويلزمكم نفقته،

والرزق من اللّه عزّ وجلّ عطية غير محدودة،

ومن الناس الاجراء الموظف بوقت محدود،

يقال : رزق فلان عياله كذا وكذا،

أي أجرى عليهم،

وإنما قال : فيها،

ولم يقل : منها،

لأنه أراد أن يجعل لهم فيها رزقاً،

كأنه أوجب عليهم ذلك. {وَقُولُوا لَهُمْ قولا معروفا} عدة جميلة.

وقال عطاء : (قولا معروفاً) إذا ربحت أعطيتك كذا وإن غنمت في غزاتي جعلت لك حظاً.

الضحاك : ردوا عليهم رداً جميلا.

وقيل : هو الدعاء.

قال ابن زيد : إن كان ليس من ولدك ولا ممّن يجب عليك نفقته فقل له قولا معروفاً،

قل له عافانا اللّه وإيّاك بارك اللّه فيك.

وقال المفضل : قولا ليناً تطيب به أنفسهم،

وكلما سكنت إليه النفس أحبته من قول أو عمل فهو معروف،

وما أنكرته وكرهته ونفرت منه فهو منكر

﴿ ٥