٣١{إِن تَجْتَنِبُوا كبائر مَا تُنُهَوْنَ عَنْهُ} الآية. اختلفوا في الكبائر التي جعل اللّه اجتنابها تكفيراً للصغائر. فروى عمرو بن شرحبيل عن عبد اللّه بن مسعود قال : قلت : يا رسول اللّه أي الذنب أعظم؟ قال : (أن تجعل للّه ندّاً وهو خلقك) قال : قلت : ثم ماذا؟ قال : (أن تزني بحليلة جارك) هذا الحديث من قول اللّه : {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللّه الها ءَاخَرَ} الآية. صالح بن حيان عن أبي بُريدة عن أبيه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أكبر الكبائر الشرك باللّه وعقوق الوالدين ومنع فضول الماء بعد الري). الشعبي عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (الكبائر الإشراك باللّه، واليمين الغموس، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرّم اللّه، وقول الزور أو قال شهادة الزور). سفيان عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد اللّه بن عمرو قال : من الكبائر أن يشتم الرجل والديه. قالوا : وكيف يشتم الرجل والديه؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أُمّه فيسب أُمّه. أبو الطفيل عن ابن مسعود قال : الكبائر أربع : الإشراك باللّه، والأياس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه. عكرمة عن عمار قال : حدثنا طيسلة بن علي النهدي قال : سألت ابن عمر عن الكبائر، فقال : هي تسع قلت ما هن؟ قال : الإشراك باللّه تعالى، وقتل المؤمن متعمداً، وعقوق الوالدين المسلمين، وأكل الربا، وأكل أموال اليتامى، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، والسحر، وإستحلال الميتة قبلكم أحياءً وأمواتاً. وقال جعفر الصادق : الكبائر ثلاث : تركك ملتك، وتبديلك سنّتك، وقتالك أهل صفقتك. وقال فرقد المسيحي : قرأت في التوراة : أُمهات الخطايا ثلاث وهي : أول ذنب عصى اللّه به الكبر، وكان ذلك لإبليس عليه اللعنة، والحرص، وكان ذلك لآدم (عليه السلام)، والحسد، وكان لقابيل حين قتل هابيل. عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الكبائر أولهنّ : الإشراك باللّه، وقتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم بداراً أن يكبر والفرار من الزحف ورمي المحصنة والإنقلاب على الأعراب بعد الهجرة فهذه سبع). سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن رجلا سأله عن الكبائر السبع، قال : هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع إلاّ أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار. علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس قال : الكبائر عشرون : الشرك باللّه عزّ وجلّ، وعقوق الوالدين، وقتل المؤمن، والقنوط من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه، واليأس من روح اللّه، والسحر، والزنا والربا، والسرقة، وأكل مال اليتيم، وترك الصلاة، ومنع الزكاة، وشهادة الزور، وقتل الولد خشية أن يأكل معك، والحسد، والكبر، والبهتان، والحرص، والحيف في الوصية، وتحقير المسلمين. السدي عن ابن مالك قال : ذكروا الكبائر عند عبد اللّه فقال عبد اللّه : افتحوا سورة النساء، وكل شيء نهى اللّه عنه حتى ثلاث وثلاثون آية فهو كبيرة، ثم قال : مصداق ذلك {إِن تَجْتَنِبُوا كبائر مَا تُنُهَوْنَ عَنْهُ} الآية. وقال ابن سيرين : ذكر عند ابن عباس الكبائر فقال : كل ما نهى اللّه عنه فهو كبيرة، حتى الطرفة وهي النظرة. سعيد بن جبير عنه : كل شيء عصى اللّه فيه فهو كبيرة، فمن عمل شيئاً منها فليستغفر، فإن اللّه لا يخلد في النار من هذه الأمة إلاّ راجعاً عن الإسلام أو جاحد فريضة أو مكذباً بقدر. علي بن أبي طلحة عنه : كل ذنب ختمه اللّه بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. سعيد بن جبير : كل ذنب نسبه اللّه إلى النار وأوعد عليه النار فهي كبيرة. الحسن : الموجبات للحدود. الضحاك : ما وعد اللّه تعالى عليه حدّاً في الدنيا وعذاباً في الآخرة. الحسين بن الفضل : ما سمّاه اللّه في كتابه القرآن كبيراً أو عظيماً، نحو قوله : {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} ، {إن قتلهم كان خطأ كبيراً} ، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} ، {سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} ، {إِنَّ ذَالِكُمْ كَانَ عِندَ اللّه عَظِيمًا} . مالك بن معول : الكبائر ذنوب أهل البدع والسيئات ذنوب أهل الشيّنة. وكيع : كل ذنب أصرّ عليه العبد فهو كبيرة، وليس من الكبائر ما تاب منه العبد واستغفر منه. أحمد بن عاصم الأنطاكي : الكبائر ذنوب العمد، والسيئات الخطأ، والنسيان، والإكراه، وحديث النفس، المرفوعة من هذه الأمة. سفيان الثوري : الكبائر ما فيه المظالم بينك وبين العباد، والصغائر ما بينك وبين اللّه تعالى، لأن اللّه كريم يغفره، واحتجّ بقول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (ينادي يوم القيامة مناد من بطنان العرش يا أُمّة محمد إن اللّه عزّ وجلّ يقول : أمّا ما كان لي قبلكم فقد وهبتها لكم وبقي التبعات، فتواهبوا وادخلوا الجنة برحمتي). المحاربي : الكبائر ذنوب المذنبين المستحلين مثل ذنب إبليس، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم. السدي : الكبائر ما نهى اللّه عنه من الذنوب الكبار والسيئات مقدماتها، وتبعاتها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها. قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (العينان تزنيان واليدان تزنيان ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه). وقال قوم : الكبيرة ما قبح في العقل والطبع مثل القتل والظلم والزنا والكذب ونحوها، والصغيرة ما نهى اللّه عنه شرعاً وسمعاً. وقال : كل ذنب يتجاوز عنه بفضله يوم القيامة فهو صغيرة، وكل ذنب عذّب عليها بعدله فهو كبيرة. وقيل : الكبائر الذنوب الباطنة والسيئات الذنوب الظاهرة. وقال بعضهم : الصغائر ما يستحقرونه العباد والكبائر ما يستعظمونه فيخافون واقعته. وقال أنس بن مالك : إنكم تعملون أعمالا هي أدق من الشعر في أعينكم كنّا نعّدها على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من الكبائر. وقال بعضهم : الكبائر الشرك وما يؤدّي إليه، وما دون الشرك فهو من السيئات، قال اللّه تعالى : {إِنَّ اللّه يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ} . فصل في تفصيل أقاويل أهل التأويل في عددالكبائر مجموعة من الكتاب والسنة مقرونة بالدليل والحجة أحدها : الإشراك باللّه لقوله تعالى : {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّه فَقَدْ حَرَّمَ اللّه عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} . الثاني : الأياس من روح اللّه لقوله : {وَلا تَايَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّه} الآية. والثالث : القنوط من رحمة اللّه لقوله : {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّآلُّونَ} . والرابع : الأمن من مكر اللّه لقوله : {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} . والخامس : عقوق الوالدين لقوله : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إلا إياه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} . والسادس : قتل النفس التي حرّم اللّه لقوله : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} . والسابع : قذف المحصنة لقوله : {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} الآية. والثامن : الفرار من الزحف لقوله : {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً} الآية. التاسع : أكل الربا لقوله : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَواا} الآية. والعاشر : السحر لقوله : {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} الآية. والحادي عشر : الزنا : {وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا} . والثاني عشر : اليمين الكاذبة لقوله : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّه وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} . والثالث عشر : منع الزكاة لقوله : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآيتين. والرابع عشر : الغلول لقوله : {ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة} . والخامس عشر : شهادة الزور لقوله : {وَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} الآية. والسادس عشر : الميسر وهو القمار لقوله : {الميسر والأنصاب والأزلام} . والسابع عشر : شرب الخمر لقوله : {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية. والثامن عشر : ترك الصلاة متعمداً لقوله : {حَافِظُوا عَلَى الصلاتِ} الآية. والتاسع عشر : قطيعة الرحم لقوله {وَاتَّقُوا اللّه الَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ والأرحام} وقوله : {وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم اللّه} . والعشرون : الحيف من الوصية لقوله : {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} الآية. والحادي والعشرون : أكل مال اليتيم لقوله : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية. والثاني والعشرون : التغرب بعد الهجرة لقوله : {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّه شيئا} . والثالث والعشرون : استحلال الحرم لقوله : {تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللّه} ، وقوله : {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَاد} . والرابع والعشرون : الإرتداد لقوله : {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} الآية. والخامس والعشرون : نقض العهد لقوله : {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّه مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} . فذلك قوله تعالى : {إِن تَجْتَنِبُوا كبائر} . وقرأ ابن مسعود : كبر ما تنهون عنه، على الواحد، وفيه معنى مع {نُكَفِّرْ عَنكُمْ سيئاتكم} من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان ومن الحج إلى الحج، كما قال (صلى اللّه عليه وسلم) (الصلاة الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنب الكبائر). {وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَ كَرِيمًا} وهي الجنة. وقرأ عاصم وأهل المدينة : (مدخلا) بفتح الميم وهو موضع الدخول. وقرأ الباقون : بالضم على المصدر، معنى الأدخال. وروي عن أبي هريرة وعن أبي سعيد أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) جلس على المنبر ثم قال : (والذي نفسي بيده) ثلاث مرات ثم سكت فأقبل كل رجل منّا يبكي حزناً ليمين رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ثم قال : (ما من عبد يأتي بالصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر إلاّ فتحت له أبواب الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصطفق) ثم تلا {إِن تَجْتَنِبُوا كبائر مَا تُنُهَوْنَ عَنْهُ} الآية. |
﴿ ٣١ ﴾