٣٦{وَاعْبُدُوا اللّه} وحّدوا اللّه وأطيعوه، قالت الحكماء : العبودية ترك العصيان، وملازمة الذلّ والانكسار، وقيل : العبودية أربعة أشياء : الوفاء بالعهود، والحفظ للحدود، والرّضا بالموجود، والصبر على المفقود. {وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} برّاً بهما وعطفاً عليهما. وقرأ ابن جني : (إحسانٌ) بالرفع، أي وجب الإحسان بهما، {وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} عن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قسوة قلبه، فقال : (إن أردت أن يلين قلبك فاطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم وأطعمه). {وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى} : قرأ العامة بالخفض عطفاً على الكلام الأول، وقرأ ابن أبي عبلة : {وَالْجَارِ} وما يليه نصباً. و {الجار ذي القربى} ذو القرابة {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} البعيد الذي بينك وبينه قرابة، وقال الضحاك : هو الغريب من قوم آخرين، وقرأ الأعمش والفضل : (والجار الجنب) بفتح الجيم وسكون النون، وهما لغتان : رجل جَنْب وجُنُب وجانب وأجنب وأجنبيّ، إذا لم يكن قريباً، وجمعها أجانب، وقال الاّعشى : أتيت حريثاً زائراً عن جنابة فكان حريث في عطائي جامدا أي عن غربة من غير قربة، ومنه يقال : اجتنب فلان فلاناً، إذا بعد منه، ومنه قيل للمجنب : جنب لاعتزاله الصّلاة، وبُعده من المسجد حتى يغتسل، وقال نوف البكالي : الجار الجُنب هو الكافر، {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ} يعني الرفيق في السفر، قال ابن عباس ومجاهد وأبو جعفر وعكرمة وقتادة، عن سعيد بن معروف بن رافع، عن أبيه، عن جدِّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (التمسوا الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق). وقال بعضهم : الجار الجُنب هو الجار اللاصق داره بدارك، فهو إلى جنبك، وقال علي وعبد اللّه وابن أبي ليلى والنخعي : هو المرأة تكون معه إلى جنبه. ابن زيد وابن جريح : هو الذي يلزمك ويصحبك رجاء برّك ورفدك. وقال ابن عباس : إنّي لاستحي أن يطأ الرجل بساطي ثلاث مرات لا يُرى عليه أثر من برّي. وقال المهلّب : إذا غدا عليكم الرجل وراح، فكفى به مسألة وتذكرة بنفسه. وقد قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ خير الأصحاب عند اللّه عز وجلّ خيرهم لصاحبه، خير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره). عثمان بن عطا، عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ليس بمؤمن من لا يؤمن جاره بوائقه، فأيّما رجل أغلق أبوابه دون جاره، فخافه على أهله وماله فليس ذلك بمؤمن). قالوا : يا رسول اللّه، وما حق الجار؟ قال : (إن دعاك أجبته، وإن أصابته فاقة عُدت عليه، وإن استقرضك أقرضته، وإن أصابه خير هنأته، وإن مرض عُدته، وإن أصابه مصيبة عزّيته، وإن توفي شهدت جنازته، ولا تستعلُ عليه بالبنيان لتحجب عنه الريح إلاّ بإذنه، ولا تؤذه بقتار قِدرك إلاّ أن يُغرف له منها، وإن ابتعت فاكهة فأهدِ له منها، وإن لم تفعل فأدخلها سرّاً، ولا يخرج ولدك منها فيغيظ ولده). ثم قال (صلى اللّه عليه وسلم) (الجيران ثلاثة : فمنهم من له ثلاثة حقوق، ومنهم من له حقّان، ومنهم من له حق واحد؛ فأما صاحب الثلاثة الحقوق : فالمسلم الجار ذو الرحم، له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم، وأمّا صاحب الحقّين : فالمسلم الجار له حق الإسلام وحق الجار، وأمّا صاحب الحق الواحد، فالمشرك الجار، له حق الجوار، وإن كان مشركاً). أبو هشام القطان، عن أنس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من آذى جاره فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن حارب جاره فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب اللّه عزّ وجلّ). {وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني المماليك، عن أبي أُمامة أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) دفع إلى أبي ذّر غلاماً، فقال : (يا أبا ذّر أطعمه مما تأكل واكسُه مما تلبس)، قال : لم يكن له سوى ثوب واحد فجعله نصفين، فراحَ إلى نبي اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : (ما شأن ثوبك هذا؟)، فقال : إن الفتى الذي دفعته إليّ أمرتني أن أُطعمه مما آكل واكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلاّ هذا الثوب فناصفته، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أُشير عليك بأن تعتقه)، ثم قال رسول اللّه : (ما فعل فتاك؟) قال : ليس لي فتًى فقد أعتقته، قال : (آجرك اللّه يا أبا ذّر). الأعمش عن عتيق عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الغنم بركة، والإبل عزّ لأهلها، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، والعبد أخوك فإن عجز فأعنه). وعن عليِّ (رضي اللّه عنه) قال : (كان آخر كلام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الصلاة واتقوا اللّه فيما ملكت أيمانكم). {إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَا فَخُورًا} . |
﴿ ٣٦ ﴾