٨٣

{وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ امْنِ أَوِ الْخَوْفِ} الآية،

وذلك أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غُلبوا بادر المنافقون إلى الاستفسار عن حال السرايا فيفشون ويحدّثون به قبل أن يحدّث به رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأنزل اللّه {وَإِذَا جَآءَهُمْ} يعني المنافقين،

{أَمْرٌ مِّنَ امْنِ} (كظفر المسلمين وقتل عدوّهم) {أَوِ الْخَوْفِ} كالهزيمة والقتل. {أَذَاعُوا بِهِ} أي أشاعوه وأفشوه {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى امْرِ مِنْهُمْ} أي وإن لم يحدّثوا به ولم يفشوه حتى يكون النبي (صلى اللّه عليه وسلم) هو الذي يحدّث به ويفشيه،

وأولي الأمر أهل الرأي من الصحابة،

مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللّه عنهم.

{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ} .

الكلبي عن أبي صالح وابن عباس،

وعلي بن الحكم عن الضحاك : يستنبطونه أي يتّبعونه.

وقال عكرمة : يحرصون عليه ويسألون عنه،

وقال ابن عبيدة والقتيبي : يخرجونه،

ويقال : استنبط إستنبطه الماء إذا أخرجه.

(جويبر) عن الضحاك عن ابن عباس في قوله {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ امْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} إنّ المنافقين كانوا إذا أمُروا بالقتال لم يطيعوا اللّه فيما أمرهم به،

وإن نهاهم عن محارمه لم ينتهوا عنها،

وإن أفضى الرسول إليهم سراً أذاعوا به إلى العدوّ ليلاً بتكتّم،

فأنزل اللّه تعالى ردّاً عليهم {وَلَوْ رَدُّوهُ} يعني آمورهم في الحلال والحرام (إلى الرسول) في التصديق به والقبول (وإلى أولي الأمر منهم) يعني حملة الفقه والحكمة {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} يعني الذين يفحصون عن العلم. ثم قال {وَلَوْ فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ تَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} أي معناه لاتّبعتم الشيطان كلّكم.

قال الضحاك : هم أصحاب محمد (صلى اللّه عليه وسلم) يأمرهم بأمر من أمور الشيطان.

قال ابن عباس : فضل اللّه الإسلام ورحمته القرآن (لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليل) يعني بالقليل الذي امتحن اللّه قلوبهم يعني على هذا القول يكون قوله {إِلا قَلِيلا} مستثنى من قوله {تَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} .

وقال بعضهم : في الآية تقديم وتأخير معناه : لعلمه الذين يستنبطونه إلاّ قليلاً.

وقال بعضهم : معناه : إذا أذاعوا به قليلاً لم يذع ولم يفش،

وهكذا قال الكلبي : واختار الفرّاء أيضاً هذا القول. وقال : لأنّ علم اللّه فاعتبر علمه المستنبط وغيره،

والإذاعة قد تكون في بعضهم دون بعض لذلك أُستحسن الاستثناء من الإذاعة،

وفي هذه الآية دليل ممن يحبون القول بالإجتهاد عند عدم النص.

قال اللّه تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى امْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فالعلم محيط بالاستنباط،

ليس تلاوة.

وإذا كان إدراكه بالاستنباط،

فقد دل بذلك على أن من العلم مايدرك بالتلاوة والرواية وهو النص.

ومنه ما يدرك منه ومن المعنى،

وحقيقة الاعتبار والاستنباط من القياس للحكم بالمعاني المودعة في النصوص غير الحكم بالنصوص

﴿ ٨٣