١٠٣فأنزل اللّه عزّوجل : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الآية. واختلفوا في أعداد هؤلاء الناس وأسمائهم فروى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس قال : كانوا عشرة رهط منهم أبو لبابة، وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم أبو (منية) : منهم هلال وأبو لبابة وكردم ومرداس وأبو قيس، وقال قتادة والضحاك : كانوا سبعة منهم جد بن قيس وأبو لبابة وجدام وأوس، كلّهم من الانصار. وقال عطية عن ابن عباس : كانوا خمسة أحدهم أبو لبابة، وقال آخرون : نزلت في أبي لبابة واختلفوا في ذنبه. فقال مجاهد : نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين قال لقريظة : إن نزلتم على حكمه فهو الذبح وأشار إلى رقبته، وقد مضت القصة في سورة الأنفال. فندم وتاب فأقرّ بذنبه فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية. قال الزهري : نزلت في تخلّفه عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية فقال : واللّه لا أحل نفسي منها ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب اللّه عليّ. فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاماً ولا شراباً حتّى خرّ مغشياً عليه فأنزل اللّه تعالى {وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} الآية فقيل له : قد تيب عليك يا أبا لبابة فقال : واللّه لا أحل نفسي منها حتى يكون رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) هو الذي يحلّني، فجاء النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فحلّهُ بيده، ثمّ قال أبو لبابة : يا رسول اللّه إن من توبتي أن أبرّ دار قومي التي أصبت بها الذنب وأن انخلع من مالي كله صدقة إلى اللّه وإلى رسوله، فقال : (يجزيك يا أبا لبابة الثلث). قالوا جميعاً : وأخذ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) منهم ثلث أموالهم وترك الاثنين لأن اللّه عزّ وجلّ قال : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ولم يقل : أموالِهم، فلذلك لم يأخذ كلها. وقال الحسن وقتادة : هؤلاء سوى الثلاثة الذين تخلّفوا {تطهرهم بها} من ذنوبهم والقراءة بالرفع حالاً لاجواباً، أي خذ من أموالهم صدقة مطهرة ومزكّية كقول الحطيئة : متى تأته تعشو الى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقف وقرأ مسلمة بن محارب : تطهرهم وتزكيهم بالجزم على الجواب، وقرأ الحسن : تطهرهم خفيفة من أطهر تطهير {وَتُزَكِّيهِم} أي تطهرهم، وقيل : تصلحهم، وقيل : ترفعهم من منازل المنافقين الى منازل المخلصين، وقيل : هي أموالهم. {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي استغفر لهم وادعُ لهم، وقيل : هو قول الوالي إذا أخذ الصدقة : آجرك اللّه فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت، والصلاة في اللغة الدعاء ومنه قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (إذا دُعي أحدكم الى طعام فليجبه فإن كان مفطراً فليأكل وإن كان صائماً فليصلِ) أي فليدع، وقال الأعشى : وقابلها الريح في دنّها وصلّي على دنّهاوارتسم أي دعا لها بالسلامة والبركة. وقال أيضاً : تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يارب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا {إن صلاتك} قرأ أهل الكوفة : صلاتك على الواحد هاهنا وفي سورة هود والمؤمنين بإضماره. أبو عبيد قال : لأن الصلاة هي من الصلوات، وروى ذلك عن ابن عباس، ألا تسمع اللّه يقول : {وَأَنْ أَقِيمُوا} فهذه صلاة الأبد، والصلوات للجمع كقوله : صليت صلوات أربع وخمس صلوات، وقرأ الباقون كلها بالجمع واختاره أبو حاتم، قال : ومن زعم أنّ الصلوات من الصلاة لأن الجمع بالتاء قليل فقد غلط، لأن اللّه تعالى قال : {مانفدت كلمات اللّه} {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} لم يرد القليل. {سَكَنٌ لَّهُمْ} قال ابن عباس : رحمة لهم، وقال قتادة : وقار لهم، وقال الكلبي : طمأنينة لهم إن اللّه قد قبل منهم، وقال معاذ : تزكية لهم منك، أبو عبيدة : تثبيت. {وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} شعبة عن عمرو بن مرّة عن عبد اللّه بن أبي أوفى، وكان من أصحاب الشجرة : أنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إذا أتاه قوم بصدقاتهم قال : (اللّهم صلّ عليهم)، فأتيته بصدقتي فقال : (اللّهم صلّ على أبي أوفى) قال ابن عباس : ليس هذا صدقة الفرض، إنما هو كصدقة كفارة اليمين، وقال عكرمة : هو صدقة الفرض. فلما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يذنبوا متخلّفين : هؤلاء كانوا بالأمس معنا لايكلمون ولايجالسون فما لهم؟ |
﴿ ١٠٣ ﴾