٢

{اللّه الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَات} وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه؟

وقوله : {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء،

يقال : عمود وعمد مثل أديم وأدم،

وعمدان،

وكذا مثل رسول ورسل،

ويجوز أن يكون العمد جمع عماد،

ومثل إهاب وأُهب،

قال النابغة :

وخيس الجنّ إنّي قد أذنتُ لهم

يبنُون تدمُر بالصّفاحِ والعَمَد

واختلفوا في معنى الآية فنفى قومٌ العمد أصلا،

وقال : رفع السماوات بغير عمد وهو الأقرب الأصوب،

وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس : يعني ليس من دونها دعامة تدعهما،

ولا فوقها علاقة تمسكها،

وروى حمّاد بن سملة عن إياس بن معاوية قال : السماء مُقبّبة على الأرض مثل القبر،

وقال آخرون : معناه : اللّه الذي رفع السماوات بعمد ولكن لا ترونها،

فأثبتوا العمد ونفوا الرؤية،

وقال الفرّاء من تأوّل ذلك فعلى مذهب تقديم العرب الجملة من آخر الكلمة الى أوّلها كقول الشاعر :

إذا أُعجبتك الدهر حال من أمرىً

فدعه وأوكل حاله واللياليا

تُهين على ما كان عن صالح بهفان كان فيما لا يرى الناس آليا

معناه : وإن كان فيما يرى الناس لا يألو. وقال الآخر :

ولا أراها تزال ظالمة

تحدث لي نكبة وتنكرها

معناه : آراها لا تزال ظالمة فقدّم الجحد.

{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} علا عليه وقد مضى تفسيره،

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي ذللّها لمنافع خلقه ومصالح عباده {كُلٌّ يَجْرِى جَلٍ مُّسَمًّى} أي كلّ واحد منهما يجري الى وقت قُدِّرَ له،

وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ويُخسف القمر وتنكدر النجوم،

وقال ابن عباس : أراد بالأجل المُسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهين إليها لا يجاوزانها.

{يُدَبِّرُ الأمر} قال مجاهد : يقضيه وحده {يُفَصِّلُ ايَاتِ} ينتهيان،

{لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} لكي توقنوا بوعدكم وتصدّقوه

﴿ ٢