٤

{وَقَضَيْنَآ إِلَى بنى إسرائيل} إلى قوله {حَصِيرًا} .

روى سفيان بن سهيل عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش قال : سمعت حذيفة بن اليمان قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن بني إسرائيل لما إعتدوا وعتوا وقتلوا الأنبياء بعث اللّه عليهم ملك فارس بخت نصر،

وكان اللّه ملكه سبعمائة سنة فسار اليهم حتّى دخل بيت المقدس فحاصرها ففتحها وقتل على دم يحيى بن زكريا (عليه السلام) سبعين ألف،

ثمّ سبى أهلها وسلب حلي بيت المقدس واستخرج منها سبعين ألفاً ومائة عجلة من حلي (حتى أورده بابل)).

قال حذيفة : يارسول اللّه لقد كانت بيت المقدس عظيماً عند اللّه قال : (أجل بناه سليمان ابن داود من ذهب وياقوت وزبرجد،

وكان بلاطه ذهباً وبلاطه فضة وبلاطه من ذهباً أعطاه اللّه ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين فسار بخت نصر بهذه الأشياء حتّى نزل بها بابل وأقام بنو إسرائيل في يديه مائة سنة يستعبدهم المجوس وأبناء المجوس فهم الأنبياء وابناء الأنبياء،

ثمّ إن اللّه تعالى رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورس وكان مؤمناً أن سر إلى بقايا ببني إسرائيل حتّى يستنقذهم فسبا كورش بني إسرائيل وحلي بيت المقدس حتّى رده إليه،

فأقام بنو إسرائيل مطيعين للّه مائة سنة ثم إنهم عادوا في المعاصي فسلط عليهم ملكاً يقال له : إنطياخوش فغزا بني إسرائيل حتّى أتى بهم بيت المقدس فسبا أهلها وأحرق بيت المقدس وقال لهم : يابني إسرائيل ان عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسبي،

فعادوا في المعاصي فسلط اللّه عليهم ملكا رومية يقال له : ماقسير بن إسبيانوس فغزاهم في البر والبحر فسباهم وسبا حلي بيت المقدس وأحرق بيت المقدس).

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (فهذا من صفة حلي بيت المقدس ويرده المهدي إلى بيت المقدس وهو الف سفينة وسبعمائة سفينة يرمى بها على يافا حتّى ينقل إلى بيت المقدس هديها يجمع اللّه الأولين والآخرين).

وقال محمّد بن إسحاق بن يسار : كان مما أنزل اللّه على موسى في خبر عن بني إسرائيل في أحداثهم وماهم فاعلون بعده {وَقَضَيْنَآ إِلَى بنى إسرائيل} إلى قوله {حَصِيرًا} فكانت بنوا إسرائيل وفيهم الأحداث والذنوب،

وكان اللّه في ذلك متجاوزاً عنهم متعطفاً عليهم محسناً اليهم،

فكان أول ما أنزل بهم بسبب ذنوبهم من تلك الوقائع كما أخبر على لسان موسى (عليه السلام) أن ملكاً منهم كان يدعى صديقة كان اللّه عزّ وجلّ إذا ملك الملك عليهم بعث اللّه نبياً يسدده ويرشده ويكون فيما بينه وبين اللّه تعالى،

فيتحدث إليهم في أمرهم لأنزل عليهم الكتب،

إنما يؤمرون بإتباع التوراة والأحكام التي فيها وينهونهم عن المعصية ويدعونهم إلى ماتركوا من الطاعة،

فلما ملك اللّه ذلك الملك بعث اللّه شعياء بن أمصيا وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى،

وشعياء هو الذي بشّر بعيسى ومحمّد (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : ابشروا (...) الآن يأتيك راكب الحمار ومن بعده راكب البعير،

فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زماناً،

فلما إنقضى ملكه عظمت الأحداث وشعياء معه،

بعث اللّه عليهم سنحاريب ملك بابل مع ستمائة ألف راية،

فأقبل سائراً حتّى أقبل حول بيت المقدس والملك مريض في ساقه قرحة فجاء إليه شعياء فقال : يا ملك بني إسرائيل إن سنحاريب ملك بابل قد نزل هو وجنوده بستمائة الف قد هابهم الناس وفرقوا منهم،

فكبر ذلك على الملك. فقال : يانبي اللّه هل أتاك وحي من اللّه فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل اللّه بنا وبسنحاريب وجنوده.

فقال له النبي (عليه السلام) : لم يأت وحي فبيناهم إلى ذلك أوحى اللّه تعالى إلى شعياء النبي (عليه السلام) أن أيت ملك بني إسرائيل فمره أن يوصي بوصيته ويستخلف على ملكه من شاء من أهل بيته،

فأتى شعياء صدّيقة وقال له : إن ربك قد أوحى إليك إن أمرك أن توصي بوصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من أهل بيتك فإنك ميت. فلما قال ذلك شعياء لصديقة أقبل على القبلة وصلى ودعا وبكى فقال وهو يصلي ويتضرع إلى اللّه تعالى بقلب مخلص متوكل رصين وظن صادق : اللّهمَّ رب الأرباب وإله الألهه قدوس المتقدس يارحمن يارحيم يارؤوف الذي لا تأخذه سنة ولا نوم أكرمتني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل وذلك كله كان منك وأنت أعلم به مني بسري وعلانيتي لك وأن الرحمن استجاب له وكان عبداً صالحاً،

فأوحى اللّه إلى شعياء وأمره أن يخبر صديقة الملك أن ربه قد استجاب له وقبل منه ورحمه وقد أخر أجله خمس عشر سنة فأنجاه من عدوه سنحاريب ملك بابل وجنوده فأتاه شعياء النبي (عليه السلام) وأخبره بذلك،

فلما قال ذلك ذهب عنه الوجع وانقطع عنه الحزن وخر ساجداً وقال : يا إلهي وإله آبائي لك سجدت وسبّحت وكرمت وعظمت،

أنت الذي تعطي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء،

عالم الغيب والشهادة أنت الأوّل والآخر والظاهر والباطن وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين،

أنت الذي أجبت دعوتي ورحمت ضري فلما رفع رأسه أوحى اللّه إلى شعياء أن قل للملك صديقه فيأمر عبداً من عبيده فيأتيه بالتين فيجعله على قرحه فيشفى ويصبح قديراً،

ففعل ذلك فشفى،

وقال الملك لشعياء : سل ربك أن يجعل لنا علماً بما هو صانع بعدونا هذا.

فقال اللّه لشعياء : قل له إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلاّ سنحاريب وخمسة نفر من كُتّابه.

فلما أصبحوا جاءه صارخ فصرخ على باب المدينة : يا ملك بني إسرائيل إن اللّه قد كفاك عدوك فأخرج فإن سنحاريب ومن معه هلكوا،

فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مفازة ومعه خمسة من كُتّابه أحدهم بخت نصّر،

فجعلوهم في الجوامع ثمّ أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآوهم خرَّ ساجداً حين طلعت الشمس إلى العصر،

ثمّ قال لسنحاريب : كيف ترى فعل ربنا بكم؟

ألم نقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون؟

فقال سنحاريب : قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي رحمكم بها قبل أن أخرج من بلادك فلم أطع مرشداً ولم يلقني في الشقوة إلاّ قلة عقلي ولو سمعت وأطعت ما غزوتكم ولكن الشقوة غلبت عليَّ وعلى من معي. فقال صديقه : الحمد للّه ربّ العزة الذي (كفاناكم) بما شاء أن يبقك لي من معك لكرامة لك عليه وإنما أبقاك ومن معك ليزدادوا شقوة في الدنيا وعذاباً في الآخرة ولتخبروا من ورائكم بما رايتم من فعل ربنا،

فلذلك وذم من معك (آتون) على اللّه من دم قراد لو قتلت،

ثمّ إن ملك بني إسرائيل أمر أمير جيشه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين ما حول بيت المقدس (وامليا) وكان يرزقهم في كل يوم خبزتين من الشعير لكل رجل منهم.

فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل : القتل خير مما يفعل بنا فأفعل ما أُمرت،

فأمر بهم الملك إلى سجن القتل فأوحى اللّه إلى شعياء النبي (عليه السلام) : أن قل لملك بني إسرائيل ليرسل سنحاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم ويحملهم حتى يبلغوا بلادهم،

فبلغ شيعا (للملك ذلك) ففعل،

فخرج سنحاريب ومن معه حتّى قدموا بابل فلمّا قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل اللّه بجنوده،

فقال له كهانته وسحرته : يا ملك (بابل) قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي اللّه إلى نبيهم فلم تطعنا،

وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم،

وكان أمر سنحاريب مما خوفوا،

ثمّ كفاهم اللّه إياه تذكرة وعبرة ثمّ لبث سنحاريب بعد ذلك سبع سنين ثمّ مات،

واستخلف (بعده) ابن إبنه على ما كان عليه،

فعمل فيهم بمثل عمل جده وقضى في الملك حتّى قتل بعضهم (بعضاً عليه) ونبيهم شعياء معهم لا يذعنون إليه ولا يقبلون منه،

فلما فعلوا ذلك قال اللّه لشعياء : قم في قومك أوحَ على لسانك.

فلما قام النبي (عليه السلام) أطلق اللّه لسانه بالوحي،

فقال : ياسماء استمعي ويا أرض انصتي حتّى فإن اللّه يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمة واسطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده واستقبلهم بالكرامة وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها،

فآوى شاردتها وجمع ضالتها وجبر كسرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها،

فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت كباشها فقتل بعضهم بعضاً حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير،

فويل لهذه الأُمة الخاطئة الذين لايدرون من أين جاءهم الخير،

أن البعيد مما يذكر وطنه فينتابه وأن الحمار مما يذكر الآري الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر المرج الذي سمن فيه فينتابه وأن هؤلاء القوم لا يدرون من أين جاءهم الخير وهم أولوا الألباب والعقول ليسوا بقراً ولا حميراً،

وإني ضارب لهم مثلاً فليستمعوا،

قل لهم : كيف ترون في أرض كانت خواء زماناً خربة مواتاً لا عمران فيها وكان لها رب حكيم قوي،

فأقبل عليها بالعمارة وكره أن تخرب أرضه فأحاط عليها جداراً وشيّد فيها قصراً وأنبط نهراً وصنف فيها غراساً من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها،

وولى ذلك واستحفظه قيماً ذا رأي وهمة ومتعة حفيظاً قوياً أميناً وانتظرها فلما أطلعت جاء طلعها خروباً قالوا : بئست الأرض هذه،

نرى أن يهدم جدارها وقصورها ويدفن نهرها ويقبض قيّمها ويحرق غرسها حتّى تصير كما كانت أول مرة خراباً مواتاً لا عمران فيها.

قال اللّه لهم : فإن الجدار ذمتي وإن القصر شريعتي وإن النهر كتابي وإن القيّم نبيّ وإن الغرّاس هم وإن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وإني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم،

وإنهم مثلُ ضربه اللّه تعالى لهم يتقربون إليّ بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا أكله،

ويدعون أن يتقربون إليّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمّتها فأيديهم مخضوبة منها،

وثيابهم متزملة بدمائها،

يشيدون لي البيوت مساجداً ويطهرون أجوافها وينجسون قلوبهم وأجسادهم ويدنسونها،

فأي حاجة إلى تشييد البيوت ولست أسكنها،

أم أي حاجة إلى تزويق المساجد ولست أدخلها إنما أُمرت برفعها لأُذكر فيها وأُسبّح ولتكون مَعْلَماً لمن أراد أن يصلي فيها،

يقولون : لو كان اللّه يقدر على أن يجمع ألْفَتَنا لجمعها،

ولو كان اللّه يقدر على (أن) يفقّه قلوبنا لفقهها فأعمد إلى عودين يابسين،

ثمّ ائت بهما ناديهما في أجمع ما يكونون فقل للعودين : إن اللّه يأمركما أن تكونا عوداً واحداً ففعل،

ذلك في مجلسه إختلطا فصارا واحداً،

فقال اللّه لهم : إني قد قدرت على أن أفقه العيدان اليابسة وعلى أن أُؤالف بينهما فكيف لا أقدر على أن أجمع إلفهتم إن شئت،

أم كيف لا أقدر على أن أفقّه قلوبهم وأنا الذي صورتها.

يقولون : صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تقبل صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا،

ودعونا بمثل (حنين الحمام) وبكينا مثل عواء الذئب في مكان ذلك لا نسمع ولا يستجاب لنا قال اللّه : فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم،

ألست أسمع السامعين وأُبصر الناظرين وأُقرب المجيبين وأرحم الراحمين؟

الآن ذلّت يدي؟

قلت : كيف ويداي مبسوطتان بالخير أُنفق كيف أشاء ومفاتح الخزائن عندي لا يفتحها غيري أو لأن رحمتي ضاقت فكيف ورحمتي وسعت كل شيء،

إنما يتراحم المتراحمون بفضلها أو لأن (البخل يعتريني) أو لست أكرم الأكرمين والفتاح بالخيرات؟

أجود من أعطي وأكرم من سئل لو أن هؤلاء القوم نظروا لأنفسهم بالحكمة التي نورت في قلوبهم فنبذوها وإشتروا بها الدنيا إذاً لأبصروا من حيث أتو وإذاً لأيقنوا أن أنفسهم (هي) أعدى العُداة فيهم،

فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور (ويتقوون) عليه بطعمة الحرام؟

وكيف أُنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني وينتهك محارمي،

أم كيف تزكوا عندي صدقاتهم؟

وهم يتصدقون بأموال غيرهم وإنما أُؤجر عليها أهلها المغصوبين،

أم كيف أستجيب لهم دعاءهم؟

وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد وإنما أستجيب للداع اللين وأنا أسمع قول المستضعف المسكين،

وإن من علامة رضاي رضا المساكين،

فلو رحموا المساكين وقربوا الضعفاء وأنصفوا المظلوم ونصروا المغصوب والمغلوب وأعدلوا الغائب (وأدوا) إلى اليتيم والأرملة والمسكين وكل ذي حق حقه،

ثمّ لو كان ينبغي أن أكلم البشر إذاً لكلّمتهم،

وإذاً لكنت نور أبصارهم وسمع آذانهم ومعقول قلوبهم وإذاً لدعمت أركانهم وكنت قوة أيديهم وأرجلهم،

وإذاً لبثت ألسنتهم وعقولهم.

يقولون : لمّا سمعوا كلامي وبلغتهم رسالاتي : إنها أقاويل متقولة وأحاديث متوارثة وتأليف كما يؤلف السحرة والكهنة،

وزعموا أنهم لو شاؤا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا وأن يطلعوا على علم الغيب،

لاطلعوا بما توحي إليهم الشياطين وكلمهم ويستخفى بالذي يقول ويسرّ وهم يعملون أني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما يبدون وما كنتم يكتمون وإني قد قضيت يوم خلقت السماء والارض قضاء أثبته على نفسي وجعلت دونه أجلاً مؤجلاً لابد أنه واقع،

فإن صدَّقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاؤون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيت فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

وإن كانوا يقدرون على أن يقولوا مايشاؤون فليألفوا مثل الحكمة التي أُدبّر بها أمر ذلك القضاء إن كنتم صادقين فإنّي قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الإجراء وأن أجعل الملك في الدعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغنى في الفقراء والثروة في الأقلاء (والمدائن في الفلوات) والأجام في المغوز والبردة في الغيطان،

والعلم في الجهلة والحِكَم في الأميين فسلهم متى هذا ومن القيّم بها وعلى يد مَن أسنّه ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون،

فإني باعث لذلك نبيّاً أُحياً ليس أعمى من عميان ولا ضالا من ضالين وليس بفظ ولا غليظ ولا (بصخاب) في الأصوات (ولا متزين بالفحش) ولا قوال للخنى أُسدده لكل جميل أهب له كل خلق (كريم) أجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقولة والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل والمعروف سيرته والحق شريعته والهدى امامه والاسلام ملته وأحمد اسمه أهدي به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة،

ثمّ أرفع به بعد (الخمالة) وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد المعيلة وأجمع به بعد الفرقة وأولف به قلوباً مختلفة وأهواء متشتتة وأُمماً متفرقة وأجعل أمته خيرا أمة أخرجت للناس،

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إيماناً بي وتوحيداً لي وإخلاصاً بي يصلون لي قياماً وقعوداً وركعاً وسجوداً ويقاتلون في سلبي صفوفاً وزحوفاً ويخرجون من ديارهم وأموالهم إبتغاء رضواني،

ألهمتهم التكبير والتوحيد والتسبيح والحمد والمدحة والتمجيد لي في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم،

يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأسواق ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون في الأنصاف،

قربانهم دماؤهم وأناجيلهم في صدورهم رهابين في الليل ليوث في النهار،

ذلك فضلي أُدتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم.

فلما فرغ نبيهم شعياء اليهم من مقالته عَدَوْا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيت شجرة وانفلقت له فدخل فيها (وأدركه الشيطان الشجرة) فأخذ بهدبة من ثوبه فأرآهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتّى قطعوعها وقطعوه في وسطها،

(فإستخلف اللّه) على بني إسرائيل بعد قتلهم شعياء رجلاً منهم يقال له ناشية بن أموص وبعث لهم الخضر نبياً واسم الخضر ارميا بن حلفيا وكان من سبط هارون بن عمران فأما سمي الخضر لانه جلس على فروة بيضاء فقام (عنها وهي تهتز) خضراء،

فقال اللّه لارميا حين بعثه نبياً إلى بني إسرائيل : يا أرميا من قبل أن أخلقك إخترتك،

ومن قبل أن أصورك في بطن أمك قدستك ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك،

وذكر الحديث بطوله في خطبة أرميا لقومه وفتياه التي أفتى به،

ودخول بُخت نصر وجنوده بيت المقدس فوطىء الشام كما ذكرنا في سورة البقرة.

فلما رأى ارميا ذلك طار حتّى خالط الوحش ودخل بخت نصّر وجنوده بيت المقدس فوطىء الشام وقتل بني إسرائيل حتّى أفناهم وخرب بيت المقدس،

ثمّ أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم قربته تراب ثمّ يقذفه في بيت المقدس فقذفوا فيه التراب حتّى ملؤه،

ثم إنصرف راجعاً إلى أرض بابل وإحتمل معه سبايا بني إسرائيل وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلهم فجمعوا عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل فاختار منهم بسبعين ألف صبي.

فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمهم فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه : أيها الملك لك غنائمنا كلها (وأقسم بيننا) فلولا الصبيان الذين إخترتهم من بني إسرائيل،

ففعل فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة وكان من أولئك الغلمان دانيال،

وحنانيا،

وعزاريا،

وماشايل وسبعة آلاف من أهل بيت داود وأحد عشر ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه ابن يامين،

وثمانية ألف من سبط أشر بن يعقوب،

وأربعة عشر الفاً من سبط زبالون بن يعقوب (ونفتال) بن يعقوب وأربعة الف من سبط (يهوذا) بن يعقوب (وأربعة) ألف من سبط (روبيل ولاوي) إبني يعقوب ومن بقي من بني إسرائيل وجعلهم بخت نصر ثلاث فرق : فثلثا أقر بالشام وثلثاً سُبي وثلثا قتل.

وذهب بأبيه بيت المقدس حتّى أقدمها بابل وذهبت بالصبيان التسعين الألف حتّى أقدمهم بابل،

فكانت هذه الواقعة الأولى التي أنزل اللّه ببني إسرائيل بأحداثهم وظلمهم وذلك قول اللّه

﴿ ٤