٢

{وأنزلنا فيها آيات بيّنات لعلكم تذكّرُونَ الزانية والزاني} إذا كانا حُرّين بالغين بكرين غير محصنين {فَاجْلِدُوا} فاضربوا {كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ} رحمة ورقّة.

قال الأخفش : رحمة في توجّع وفيها ثلاث لغات : رأفة ساكنة الهمز وقد تخفف الهمزة،

وهي قراءة العامة،

ورأَفة بفتح الهمزة،

ورآفة مهموزة ممدودة مثل الكتابة،

وهما قراءة أهل مكة مثل الشناة والشنآة،

وقيل : القصر على الاسم والمدّ بمعنى المصدر مثل صؤل صآلةً،

وقبح قباحة،

ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لأنّ العرب لا تجمع بين أكثر من ثلاث فتحات.

واختلف العلماء في معنى الآية فقال قوم : ولا تأخذكم بهما رأفة فتعطلّوا الحدود ولا تقيموها.

روى المعمّر عن عمران قال : قلت لأبي مخلد في هذه الآية : واللّه إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل أو تقطع يده فقال : إنّما ذاك أنّه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم عليهم الحدّ،

وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي وابن زيد وسليمان بن يسار،

يدلّ عليه من الآية أنّ اللّه سبحانه وتعالى أمر بالجلد،

وهو ضرب الجلد كالرأس لضرب الرأس فذكر الضرب بلفظ الجلد لئلاّ ينكأ ولا يبرح ولا تبلغ به اللحم.

وروى ابن أبي مليكة عن عبد اللّه بن عبد اللّه أنَّ عبد اللّه بن عمر جلد جارية له فقال للجالد : اجلد ظهرها ورجليها وأسفلها وخفّفها،

قلت : فأين قول اللّه سبحانه {وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللّه} ؟

قال : أفأقتلها؟

إنَّ اللّه أمرني أن أضربها وأؤدّبها ولم يأمرني أن أقتلها.

وقال الآخرون : بل معناها ولا يأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضرباً،

وهو قول سعيد بن المسيّب والحسن.

قال الزهري : يجتهد في حدّ الزنا والفرية ويخفّف في حدّ الشراب.

وقال قتادة : يخفّف في حدّ الشراب والفرية ويجتهد في الزنا.

وقال حمّاد : يُحدّ القاذف والشارب وعليهما ثيابهما،

وأمّا الزاني فيخلع ثيابه،

وتلا هذه الآية.

{فِى دِينِ اللّه} أي في حكم اللّه نظيره قوله سبحانه {ماكان ليأخذ أخاه في دين الملك} .

{إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} وليحضر حدّيهما إذا أُقيم عليهما {طَآفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} اختلفوا في مبلغ عدد الطائفة فقال النخعي ومجاهد : أقلّه رجل واحد فما فوقه،

واحتجّا بقوله {وَإِن طَآفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الآية. عطاء وعكرمة : رجلان فصاعداً،

الزهري : ثلاثة فصاعداً،

ابن زيد : أربعة بعدد من يقبل شهادته على الزنى،

قتادة : نفر من المسلمين.

روى حفص بن غياث عن أشعث عن أبيه قال : أتيت أبا برزة الأسلمي في حاجة وقد أخرج جارية له إلى باب الدار وقد زنت وولدت من الزنا،

فألقى عليها ثوباً وأمر ابنه أن يضربها خمسين ضرباً غير مبرح،

ودعا جماعة ثم قرأ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} .

أخبرني ابن فنجويه قال : حدَّثنا أبو علي بن حنش المقري قال : حدَّثنا محمد بن أحمد ابن عثمان قال : حدَّثنا إبراهيم بن نصره قال : حدَّثنا مسدّد قال : حدَّثنا إسماعيل قال : حدَّثنا يونس بن عبيد عن حريز بن يزيد البجلي عن أبي زرعة عن عمرو بن حريز عن أبي هريرة قال : إِقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة.

وأخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد اللّه بن حمدون قال : حدَّثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد ابن عدي قال : أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال : أخبرني محمد بن شعيب قال : أخبرني معاوية بن يحيى عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة عن حذيفة عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أنّه قال : (يا معشر الناس اتقوا الزنى فإنَّ فيه ست خصال،

ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة،

فأمّا اللاتي في الدنيا فيذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر،

وأمّا اللاتي في الآخرة فيوجب السخطة وسوء الحساب والخلود في النار).

وأخبرنا أبو طاهر بن خزيمة قرأه عليه في شهور سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة قال : حدَّثنا عبد اللّه بن محمد بن مسلم قال : حدّثنا عطية بن بقية قال : حدَّثنا أبي قال : حدّثني عبّاد بن كثير عن عمران القصير عن أنس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إنَّ أعمال أُمَتي تُعرض علىّ في كلّ جمعة مرّتين فاشتدّ غضب اللّه على الزناة.

وأخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه قال : حدَّثنا إبراهيم بن يزيد الحرّاني قال : حدَّثنا المغيرة ابن سقلاب قال : حدَّثنا النضر بن عدي عن وهب بن منبه قال : مكتوب في التوراة : الزاني لا يموت حتى يفتقر،

والقوّاد لا يموت حتى يعمى.

﴿ ٢