١٠{وَلَوْ فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللّه تَوَّابٌ حَكِيمٌ} جواب لولا محذوف يعني لعاجلكم بالعقوبة وفضحكم ولكنه ستر عليكم ورفع عنكم الحد باللعان حكمة منه ورحمة. فأما سبب نزول الآية، فروى عكرمة عن ابن عباس قال : لمّا نزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} الآية، قال سعد بن عبادة : واللّه لو أتيت لكاع وقد تفخّذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أُحركّه حتى آتي بأربعة شهداء فواللّه ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب، فإن قلت ما رأيت، إنّ في ظهري لثمانين جلدة، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : (يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيّدكم)؟ قالوا : لا تلمه فإنه رجل غيور، ما تزوج امرأة قط إلاّ بكراً و لا طلّق امرأة له فاجترأ رجل منّا أن يتزوّجها. فقال سعد بن عبادة : يا رسول اللّه بأبي أنت وأُمّي واللّه إنّي لأعرف أنّها من اللّه وأنّها حقّ ولكن عجبت من ذلك لما أخبرتك، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (فإنّ اللّه يأبى إلاّ ذاك)، فقال : صدق اللّه ورسوله. قال : فلم يلبثوا إلاّ يسيراً حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أُميّة من حديقة له، فرأى رجلا مع امرأته يزني بها فأمسك حتى أصبح، فلمّا أصبح غدا على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) هو جالس مع أصحابه فقال : يا رسول اللّه إنّي جئت أهلي عشاء فوجدت رجلا مع أهلي، رأيت بعيني وسمعت بأُذني فكره رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ما أتاه به وثقل عليه جدّاً حتى عرف ذلك في وجهه. فقال هلال : واللّه يا رسول اللّه إني لأرى الكراهية في وجهك مما أتيتك به، واللّه يعلم أني صادق وما قلت إلاّ حقّاً وإنّي لأرجو أن يجعل اللّه فرجاً، فهمَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بضربه. قال : واجتمعت الأنصار فقالوا : ابتلينا بما قال سعد، أيُجلد هلال وتبطل شهادته؟ فإنّهم لكذلك ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أنَّ الوحي قد نزل حتى فرغ، فأنزل اللّه سبحانه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلا أَن فُسُهُمْ} إلى آخر الآيات. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أبشر يا هلال فإنّ اللّه قد جعل لك فرجاً)، فقال : قد كنت أرجو بذلك من اللّه تعالى. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أرسلوا إليها)، فجاءت فلمّا اجتمعا عند رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قيل لها، فكذّبت. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟). فقال هلال : يا رسول اللّه بأبي وأمّي لقد صدقتُ وما قلتُ إلاّ حقّاً. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لاعنوا بينهما)، فقيل لهلال : اشهد، فشهد أربع شهادات باللّه إنّه لمن الصادقين، فقيل له عند الخامسة : يا هلال اتّق اللّه فإنَّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال هلال : واللّه لا يعذبني اللّه عليها كما لم يجلدني عليها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فشهد الخامسة أن لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين. ثم قال للمرأة : اشهدي فشهدت الخامسة أن غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين، ففرّق رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بينهما وقضى أن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها، ثمَّ قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن جاءت به كذا وكذا) فهو لزوجها، وإن جاءت به كذا وكذا) فهو للذي قيل فيه). قال : فجاءت به غلاماً كأنه حمل أورق على الشبه المكروه، وكان بعد أميراً بمصر لا يدرى من أبوه. وأخبرنا محمد بن عبدوس قال : أخبرنا محمد بن الحسن قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : أخبرنا القاسم بن سلام قال : حدّثنا هيثم عن يونس بن عبيد عن الحسن قال : لمّا نزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} الآية، قال سعد بن عبادة : يا رسول اللّه أرأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلا فقتله يقتلونه، وإن أخبر بما رأى جُلد ثمانين أفلا يضربه بالسيف؟ فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كفى بالسيف شا...، قال : أراد أن يقول شاهداً ثمَّ أمسك وقال : لولا ان يتتابع فيه الغيران والسكران، وذكر الحديث. وقال ابن عباس في سائر الروايات ومقاتل : لمّا نزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية، قرأها النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدي الأنصاري فقال : جعلني اللّه فداك إنْ رأى رجل منّا مع إمرأته رجلا فأخبر بما رأى جُلد ثمانين وسمّاه المسلمون فاسقاً ولا تقبل شهادته أبداً، فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل قد فرغ من حاجته ومرَّ؟ وكان لعاصم هذا ابن عم له يقال له عويمر وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس بن محصن فأتى عويمر عاصماً فقال : لقد رأيت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة، فاسترجع عاصم وأتى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في الجمعة الأُخرى فقال : يا رسول اللّه ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذي سألت في الجمعة الماضية في أهل بيتي فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وما ذاك؟ قال : أخبرني عويمر ابن عمّي أنه رأى شريك ابن السحماء على بطن امرأته خولة، وكان عويمر وخولة شريك كلّهم بني عم عاصم، فدعا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بهم جميعاً فقال لعويمر : (اتق اللّه في زوجتك وخليلتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان، فقال : يا رسول اللّه أُقسم باللّه إني رأيت شريكاً على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة اشهر وانها حبلى من غيري. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) للمرأة : (اتقي اللّه ولا تخبري إلاّ بما صنعت)، فقالت : يا رسول اللّه إنَّ عويمراً رجل غيور، وإنه رآني وشريكاً نطيل السَمَرَ ونتحدث فحملته الغيرة على ما قال. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لشريك : (ما تقول)؟ قال : ما تقوله المرأة، فأنزل اللّه سبحانه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية، فأمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حتى نودي : الصلاة جامعة، فصلّى العصر ثمَّ قال لعويمر : قم فقام فقال : أشهد باللّه إنَّ خولة لزانية وإنّي لمن الصادقين، ثمَّ قال في الرابعة : أشهد باللّه إنّي ما قربتها منذ أربعة أشهر وإنّي لمن الصادقين ثمَّ قال في الخامسة : لعنة اللّه على عويمر يعني نفسه إن كان من الكاذبين فيما قال. ثمَّ أمره بالقعود وقال لخولة : قومي فقامت فقالت : أشهد باللّه ما أنا بزانية وإنّ عويمراً لمن الكاذبين، ثمَّ قالت في الثانية : أشهد باللّه إنه ما رأى شريكاً على بطني وإنه لمن الكاذبين، ثمَّ قالت في الثالثة : أشهد باللّه إني حبلى منه وإنّه لمن الكاذبين، ثمَّ قالت في الرابعة : أشهد باللّه إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين، ثمَّ قالت في الخامسة : غضب اللّه على خولة تعني نفسها إن كان من الصادقين، ففرق رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بينهما وقال : (لولا هذه الأيمان لكان لي في أمرهما رأيٌ، ثمَّ قال : تحيّنوا بها الولادة فإن جاءت بأُصيهب أُثيبج يضرب إلى السواد فهو لشريك بن السحماء، وإن جاءت بأورق جعد حمش حدلج الساقين فهو لغير الذي رميت به). قال ابن عباس : فجاءت بأشبه خلق اللّه بشريك. ذكر حكم الآية إذا قذف الرجل زوجته بالزنا لزمه الحدّ وله التخلّص منه بإقامة البيّنة على زناها أو باللعان، فإن أقام البيّنة حقّق الزنا ولزمها الحدّ، وان التعن حقّق عليها الزنا ولها التخلص منه باللعان، فإن التعنت وإلاّ لزمها الحدّ، وللزوج ان يلتعن سواء كان متمكّنا من البيّنة أو غير متمكّن منها، ويصح اللعان من كلّ زوج مكلّف حراً كان أو عبداً، مسلماً كان أو كافرا، فكلُّ مَن صحّت يمينه صحَّ قذفه ولعانه. وقال أهل العراق : اللعان بين كلّ حرّين بالغين ولا يصحّ اللعان إلاّ عند الحاكم أو خليفته، فإذا لاعن بينهما غلّظ عليهما بأربعة أشياء عدد الألفاظ، والمكان، والوقت، وجمع الناس. فأمّا اللفظ فأربع شهادات والخامسة ذكر اللعنة للرجل وذكر الغضب للمرأة، وقد مضت كيفية ذلك، وأمّا المكان فإنه يقصد أشرف البقاع بالبلدان إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وإن كان ببيت المقدس ففي مسجدها، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، إن كانا يهوديين بالكنيسة وإن كانا نصرانيين فبالبيعة، وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلاعن بينهما في مجلس حكمه. وأما الوقت، فإنّه بعد صلاة العصر. وأمّا العدد، فيحتاج أن يكون هناك أربعة أنفس فصاعداً، فاللفظ وجمع الناس مشروطان، والمكان والزمان مستحبّان، فإذا تلاعنا تعلّق باللعان أربعة أحكام : سقوط الحدّ، ونفي الولد، وزوال الفراش، ووقوع التحريم المؤبّد، وكلّ هذا يتعلّق بلعان الزوج، فأمّا لعان المرأة فإنه يسقط به الحدّ فقط، فإن أكذب الرجل نفسه فإنه يعود ما عليه ولا يعود ماله في الحدّ والنسب عليه فيعودان. وأما التحريم والفراش فإنهما له فلا يعودان، وفرقة اللعان هي فسخ لأنه جاء بفعل من قبل المرأة. وقال أبو حنيفة وسفيان : اللعان تطليقة بائنة لأنه من قبل الرجل بدءاً، واللّه أعلم. |
﴿ ١٠ ﴾