٦٦

{بَلِ ادَّارَكَ} اختلف القرّاء فيه،

فقرأ ابن عباس بلى بإثبات الياء {ادَّارَكَ} بفتح الألف وتشديد الدال على الاستفهام.

روى شعبة عن أبي حمزة قال : قال لي ابن عبّاس : في هذه الآية {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فى الآخرة} أي لم يدرك،

قال الفرّاء : وهو وجه جيّد كأنّه يوجّهه إلى الاستهزاء بالمكذّبين بالبعث،

لقولك للرجل تكذّبه : بلى لعمري لقد أدركت السلف فأنت تروي ما لا تروي،

وأنت تكذّبه. وقرأ الحسن ويحيى بن وثاب والأعمش وشيبة ونافع وعاصم وحمزة والكسائي {بَلِ ادَّارَكَ} بكسر اللام وتشديد الدال أي تدارك وتتابع {عِلْمُهُمْ فى الآخرة} هل هي كائنة أم لا؟

وتصديق هذه القراءة أنّها في حرف أُبي أم تدارك {عِلْمُهُمْ فى الآخرة} والعرب تضع بل موضع أم،

وأم موضع بل إذا كان في أوّل الكلام استفهام كقول الشاعر :

فواللّه ما أدري أسلمى تغوّلت

أم البوم أم كلٌّ إلي حبيب

أي بل كلٌّ إليّ حبيب،

ومعنى الكلام هل تتابع علمهم بذلك في الآخرة،

أي لم يتتابع فصل وغاب علمهم به فلم يبلغوه ولم يدركوه؛ لأنّ في الاستفهام ضرباً من الجحد،

وقرأ أبو جعفر ومجاهد وحميد وابن كثير وأبو عمرو {بَلِ ادَّارَكَ} من الادّراك أي لم يدرك علمهم علم في الآخرة،

وقال مجاهد : معناه يدرك علمهم في الآخرة ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم لأنّهم كانوا في (الأنبياء) مكذّبين،

وقيل بل ضلّ وغاب علمهم في الآخرة فليس فيها لهم علم،

ويقال : اجتمع علمهم في الآخرة أنّها كائنة وهم في شكّ من وقتهم.

{بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ} أي (جهلة) واحدها عمي،

وقرأ سليمان بن يسار وعطاء بن يسار غير مهموزة،

وقرأ ابن محيض {بل أءدّرك} على الاستفهام،

أي لم تدرك،

وحمل القول فيه أنّ اللّه سبحانه أخبر رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) أنّهم إذا بعثوا يوم القيامة استوى علمهم بالآخرة وما وعدوا فيه من الثواب والعقاب،

وإنْ كانت علومهم مختلفة في الدنيا وإنْ كانوا في شكّ من أمرها بل جاهلون به.

وسمعت بعض العلماء يقول في هذه الآية : إنّ حكمها ومعناها لو ادّارك علمهم في ما هم في شكّ منها حيث هم منها عمون على تعاقب الحروف.

﴿ ٦٦