سورة الروم

مكّية،

وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاثون حرفاً،

وثمانمائة وتسع عشرة كلمة،

وستّون آية

أخبرنا المغازي غير مرّة،

قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني،

وأبو الشيخ عبداللّه بن أحمد الأصبهاني قالا : حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك الكوفي،

قال : حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي،

قال : حدّثنا سلام بن سليمان المدائني،

قال : حدّثنا هارون بن كثير،

عن زيد بن أسلم عن أبيه،

عن أبي أمامة،

عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : (مَن قرأ سورة الرّوم كان له من الأجر،

عشر حسنات بعدد كلّ ملك سبَّحَ للّه بين السماء والأرض وأدرك ما ضيّع في يومه وليلته).

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١-٢

قوله عزّ وجلّ : {الم غُلِبَتِ الرُّوم} الآية.

قال المفسِّرون : كانت في فارس امرأة لا تلد إلاّ الملوك والأبطال بسم اللّه الرحمن الرحيم،

فدعاها كسرى فقال : إنّي أُريد أن أبعث إلى الروم جيشاً وأستعمل عليهم رجلاً من بنيكِ فأشيري عليَّ أيّهم أستعمل؟

فقالت : هذا فلان،

أروغ من ثعلب،

وأحذر من صقر،

وهذا فرخان أنفذ من سنان،

وهذا شهريراز هو أحلم من كذا،

فاستعمل أيّهم شئت. قال : فإنّي استعملتُ الحليم،

فاستعمل شهريراز،

فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرّب مدائنهم وقطع زيتونهم،

وكان قيصر بعث رجلاً يدعى يحنس وبعث كسرى شهريراذ فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فَغَلَبت فارسُ الرومَ،

فبلغ ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه وأصحابه بمكّة فشقّ عليهم،

وكان النبيّ صلّى اللّه عليه يكره أنْ يظهر الأمّيّون من المجوس على أهل الكتاب من الروم.

وفرح كفّار مكّة وشمتوا ولقوا أصحاب النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقالوا : إنّكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أُمّيون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم. فإنّكم إنْ قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم.

فأنزل اللّه عزّ وجلّ : {الم غُلِبتْ الرُّومُ...} إلى آخر الآيات.

فخرج الصّدّيق ح إلى الكفّار فقال : فرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرّنَ اللّه أعينكم،

فواللّه ليظهرنّ الروم على فارس،

أخبرنا بذلك نبيُّنا،

فقام إليه أُبيّ بن خلف الجمحي فقال : كذبت يا أبا فضيل،

فقال له أبو بكر : أنتَ أكذب يا عدوّ اللّه،

فقال : اجعل بيننا أجلاً أُناحبُكَ عليه،

والمناحبة : المراهنة على عشر قلائص منّي وعشر قلائص منك،

فإنْ ظهرت الروم على فارس غرمتُ،

وإنْ ظهرت فارس غرمتَ،

ففعل ذلك وجعلوا الأجل ثلاث سنين.

فجاء أبو بكر إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وأخبره وذلك قبل تحريم القمار،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ما هكذا ذكرتُ،

إنّما البضع ما بين ثلاث إلى التسع فزايدهُ في الخطر ومادّه في الأجل،

فخرج أبو بكر فلقي أُبيّاً فقال : لعلَّك ندمت قال : لا،

قال : فتعال أزايدك في الخطر وأُمادّك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين،

قال : قد فعلت فلمّا خشي أُبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه فقال : إنّي أُخاف أن تخرج من مكّة فأقم لي كفيلاً،

فكفل له ابنه عبداللّه بن أبي بكر.

فلمّا أراد أُبي بن خلف أن يخرج إلى أحُد أتاه عبداللّه بن أبي بكر فلزمه قال : واللّه لا أدعك حتّى تعطيني كفيلاً فأعطاه كفيلاً ثمّ خرج إلى أحُد،

ثمّ رجع أُبيّ بن خلف فمات بمكّة من جُراحتِهِ التي جرحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه حين بارزه.

وظهرت الروم على فارس يوم الحُديبيّة وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم. هذا قول أكثر المفسِّرين.

وقال أبو سعيد الخدري ومقاتل : لمّا كان يوم بدر غلب المسلمون كفّار مكّة وأتاهم الخبر أنّ الروم قد غلبوا فارس ففرح المؤمنون بذلك. قال الشعبي : لم تمضِ تلك المدّة التي عقدوا المناحبة بينهم،

أهل مكّة وصاحب قمارهم أبيّ بن خلف،

والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر،

وذلك قبل تحريم القمار حتّى غلَبت الرومُ فارسَ وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فَقَمَر أبو بكر أُبيّاً،

وأخذ مال الخطر من ورثته وجاء به يحمله إلى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقال له النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (تصدّق به).

وكان سبب غلبة الروم فارسَ على ما قال عكرمة وغيره أنّ شهريراز بعدما غلب الروم لم يزل يطأهم ويخرّب مدائنهم حتّى بلغ الخليج،

فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه : لقد رأيت كأنّي جالس على سرير كسرى،

فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهريراز : إذا أتاك كتابي فابعث إليّ برأس فرخان.

فكتب إليه : أيّها الملك إنّك لم تجد مثل فرخان،

إنّ له نكاية وصوتاً في العدوّ فلا تفعل،

فكتب إليه : إنَّ في رجال فارس خَلَفاً منه فعجّل إليّ برأسهِ،

فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه،

وبعث بريداً إلى أهل فارس إنّي قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان. ثمّ دفع إلى البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهريراز وقال : إذا وليَ فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطهِ،

فلمّا قرأ شهريراز الكتاب قال : سمعاً وطاعة ونزل عن سريره وجلس فرخان فدفع إليه الصحيفة فقال : ائتوني بشهريراز فقدَّمه ليضرب عنقه.

قال : لا تعجل حتّى أكتب وصيّتي،

قال : نعم،

قال : فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف،

وقال : كلّ هذا راجعت فيه كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد،

فَردَّ المُلْكَ إلى أخيه. فكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم : إنّ لي إليك حاجة لا يحملها البريد ولا تبلغها الصحف فألقني ولا تلقني إلاّ في خمسين روميّاً فأنّي ألقاك في خمسين فارسيّاً.

فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق وخاف أن يكون قد مُكرَ بهِ حتّى أتاه عيونه أنّه ليس معه إلاّ خمسون رجلاً ثمّ بسط لهما والتقيا في قبّة ديباج ضربت لهما ومع كلّ واحد منهما سكين،

فدعيا بترجمان بينهما فقال شهريراز : إنّ الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا ومكرنا وشجاعتنا،

وإنّ كسرى حسدنا وأراد أنْ أقتل أخي فأَبيت.

ثمّ أمر أخي أن يقتلني. فقد خلعناه جميعاً فنحن نقاتله معك،

قال : قد أصبتما ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السرّ بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا،

فقتلا الترجمان جميعاً بسكّينيهما (فأُديلت) الروم على فارس عند ذلك فأتبعوهم يقتلونهم ومات كسرى.

وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه يوم الحديبية ففرح ومن معه،

٣

فذلك قوله عزّ وجلّ : {الم غُلِبَتِ الرُّوم في أدنى الأَرْضِ} يعني أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس وهي أذرعات.

قال ابن عبّاس : طرف الشام. مجاهد : أرض الجزيرة. مقاتل : الأردن وفلسطين،

عكرمة : أذرعات وكسكر. مقاتل بن حبان : هي ريف الشام.

{وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} أي غلبتهم فحذفت التاء منه كما حذفت من قوله : {وَأَقَامَ الصلاةَ} وانّما هو إقامته.

وقرأ أبو حيوة الشامي (غَلْبِهمْ) بسكون اللام وهما لغتان مثل الطّعْن والطَعَن.

{سَيَغْلِبُونَ} فارس

٤

{فِى بِضْعِ سِنِينَ} وقرأ عبداللّه بن عمرو وأبو سعيد الخدري والحسن وعيسى بن عمر {غُلِبَتِ} بفتح الغين واللام {سَيَغْلِبُونَ} بضم الواو وفتح اللام.

قالوا : نزلت هذه الآية حين أخبر اللّه عزّ وجلّ نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) عن غلبة الروم فارسَ،

ومعنى الآية : الم غلبت الروم فارس في أدنى الأرض إليكم. وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف في أداني الأرض بالجمع {وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} سيغلبهم المسلمون. {فِى بِضْعِ سِنِينَ} وعند انقضاء هذه المدّة أخذ المسلمون في جهاد الروم.

أخبرنا محمد بن عبداللّه بن حمدويه،

عن الحسين بن الحسن بن أيّوب،

عن علي بن عبدالعزيز قال : أخبرني أبو عبيد عن حمّاد بن خالد الخيّاط عن معاوية بن صالح عن مرتد بن سمي قال : سمعت أبا الدرداء يقول : سيجيء قوم يقرأون : {الم غَلَبت الروم} وإنّما هي {غُلِبَتِ الرُّومُ} . قال أبو عبيد بضم الغين يعني الأخيرة.

قوله : { للّه الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} يعني من قبل دولة الروم على فارس ومن بعد وهما مرفوعان على الغاية.

٥

{ويومئذ يفرحُ المؤمنون بنصر اللّه} الرومَ لأنّهم أهل كتاب،

وبنصر اللّه المؤمنين على الكافرين {يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .

أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه عن عبداللّه بن محمد بن شنبه،

عن علي بن محمد ابن هامان،

عن علي بن محمد الطّنافسي عن النعمان بن محمد عن أبي إسحاق الفزاري،

عن الأوزاعي،

عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (فارس نطحة أو نطحتان) ثمّ قال : ( لا فارس بعدها أبداً،

والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر،

كلّما ذهب قرن خلف قرن،

هيهات إلى آخر الأبد).

٦-٧

{وَعْدَ اللّه} نصب على المصدر {لاَ يُخلِفُ اللّه وَعدَهُ وَلَكِنَّ أكثرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون يَعلَمُونَ ظاهراً مِنَ الحيَاةِ الدُّنَيا} يعني أمر معايشهم كيف يكتسبون ويتّجرون ومتى يغرسون ويحصدون وكيف يبنون ويعيشون.

{وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} وبها جاهلون ولها مضيّعون،

لا يتفكّرون فيها ولا يعملون لها. فعمّروا دنياهم وخرّبوا آخرتهم.

٨

{أَوَلَم يتفكّروا في أنفسهم ما خلق اللّه السّموات والأرض وما بينهما إلاّ بالحقّ وأجل مُسمّى} يعني ولوقت معلوم إذا انتهت إليه فُنيت،

وهو يوم القيامة.

٩

{وإنّ كثيراً من الناس بلقاء ربِّهم لكافرون أَوَلَم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم كانوا أشدّ منهم قوّة وأثاروا الأرض} حرثوها وقلّبوها للزراعة والعمارة. {وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} فلم يؤمنوا وأهلكهم اللّه عزّ وجلّ.

١٠

{فما كان اللّه ليظلَمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثمّ كان عاقبة الذين أساؤا} العمل {السُّوأَىا} يعني الخلّة التي تسوؤهم وهي النار. وقيل : (السّوأى) اسم لجهنّم كما أنّ (الحسنى) اسم للجنة.

{أَن كَذَّبُوا} يعني لأن كذّبوا. وقيل : تفسير (السّوأى) ما بعدها وهو قوله : {أَن كَذَّبُوا} يعني : ثمّ كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أنْ كذَّبوا {بآيات اللّه وكانوا بها يستهزءون} استهزءوا بها.

١١-١٢

{اللّه يبدؤا الخلقَ ثمّ يُعيدُه ثمّ إليه ترجعون ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون} .

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : (يبلس) يكتئب. أبو يحيى عنه : يفتضح. قتادة ومقاتل والكلبيّ : بياءين،

ابن زيد : المبلس الذي قد نزل به البلاء والشّرّ. الفرّاء : ينقطع كلامهم وحججهم. أبو عبيدة : يندمون،

وأنشد :

يا صاح هل تعرف رسماً مكرسا

قال نعم أعرفه وأبلسا

وقرأ السلمي {يُبْلِسُ} بفتح اللاّم،

١٣

والأوّل أجود. {وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَآهِمْ} أوثانهم التي عبدوها من دون اللّه ليشفعوا لهم {وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن} جاحدين وعنهم متبرّين.

١٤-١٥

{ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرّقون فأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة} بستان {يُحْبَرُونَ} قال ابن عبّاس : يكرمون. مجاهد وقتادة : ينعمون. أبو عبيدة : يسرّون،

ومنه قيل : كلّ حبرة تتبعها عبرة. وقال العجاج :

فالحمدُ للّه الذي أعطى الحبر

موالي الحقّ إن المولى شكر

أي السرور. وقال بعضهم : الحبرة في اللغة كلّ نعمة حسنة. والتّحبير : التحسين. ومنه قيل للمداد : حبر لأنّه يُحسّن به الأوراق. والعالم : حِبْر لأنّه متخلّق بأخلاق حسنة،

وقال الشاعر : يحبرها الكاتب الحميري. وقيل : يحبرون يلذّذون بالسّماع.

أخبرنا عبداللّه بن حامد،

عن حامد بن محمد بن عبداللّه عن محمد بن يونس،

عن روح عن الأوزاعي،

عن يحيى بن أبي كثير {فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قال : السماع في الجنّة.

أخبرني الحسين بن محمد بن عبداللّه عن ابن شنبه،

عن عمير بن مرداس عن سلمة بن شبيب عن عبد القدّوس بن الحجّاج قال : سمعت الأوزاعي يقول : {فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قال : السّماع. وقال : إذا أخذ في السّماع لم يبق في الجنّة شجرة إلاّ وَرّدَت. وبه عن سلمة بن شبيب عن داود بن الجرّاح،

العسقلاني قال : سمعت الأوزاعي يقول : ليس أحد ممّن خلق اللّه أحسن صوتاً من إسرافيل؛ فإذا أخذ في السّماع قطع على أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم.

وأخبرنا الحسين بن محمد الدينوري،

عن أحمد بن الحسن بن ماجه القزويني،

عن الحسن ابن أيّوب،

عن عبداللّه بن عراد الشيباني قالا : أخبرنا القاسم بن مطيب العجلي،

عن زيد بن أسلم،

عن عطاء بن يسار،

عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الجنّة مائة درجة،

ما بين كلّ درجتين منها كما بين السماء والأرض،

والفردوس أعلاها سموّاً وأوسطها محلّه،

ومنها تنفجر أنهار الجنّة،

وعليها يوضع العرش يوم القيامة).

فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللّه إنّي رجل حُبّب إليّ الصّوت،

فهل في الجنّه صوت حسن؟

قال : إي والذي نفسي بيده،

إنَّ اللّه سبحانه ليوحي إلى شجرة في الجنّة أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن عَزف البرابط والمزامير،

فترفع صوتاً لم يسمع الخلائق مثله قط من تسبيح الرّبّ وتقديسه.

وأخبرني الحسين بن محمد عن هارون،

عن محمّد بن هارون العطّار،

عن حازم بن يحيى الحلواني،

عن الوليد بن عبد الملك،

عن مسروح الحرّاني،

عن سليمان بن عطاء،

عن سلمة بن عبداللّه الجهني،

عن عمّه،

عن أبي الدرداء قال : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يذكّر الناس فذكر الجنّة وما فيها من الأزواج والنعيم وفي (آخر) القوم أعرابي فجثا لركبتيه وقال : يا رسول اللّه هل في الجنّة من سماع؟

قال : (نعم يا إعرابي إنّ في الجنّة لنهراً حافتاه الأبكار من كلّ بيضاء خوصانية،

يتغنّين بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها،

فذلك أفضل نعيم أهل الجنّة).

قال : فسألت أبا الدرداء بِمَ يتغنّين؟

قال : بالتسبيح إن شاء اللّه. قال : والخوصانية : المرهفة الأعلى الضخمة الأسفل. وأخبرني الحسين بن محمد عن أحمد بن محمد بن علي الهمداني عن علي بن سعيد العسكري قال : أخبرني أبو بدر عبّاد بن الوليد الغُبري،

عن محمّد ابن موسى الخراساني عن عبداللّه بن عرادة الشيباني،

عن القاسم بن مطيب عن مغيرة عن إبراهيم قال : ( إنّ في الجنّة لأشجاراً عليها أجراس من فضّة فإذا أراد أهل الجنّة السماع بعث اللّه عزّ وجلّ ريحاً من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرّك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الأرض لماتوا طرباً).

وأخبرني الحسين،

عن أبي شنبه وعبداللّه بن يوسف قالا : قال محمد بن عمران،

عن محمد بن منصور،

قال : أخبرني يحيى بن أبي الحجّاج،

عن عبداللّه بن مسلم عن مولى لبني أُميّة يقال له : سليمان،

قال : سمعت أبا هريرة يسأل : هل لأهل الجنّة من سماع؟

قال : نعم،

شجرة أصلها من ذهب وأغصانها فضّة وثمرها اللؤلؤ والزّبرجد والياقوت يبعث اللّه سبحانه وتعالى ريحاً فيحكّ بعضها بعضاً،

فما سمع أحد شيئاً أحسن منه.

١٦-١٧

قوله : {وأمّا الذين كفروا وكذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرةِ فأُولئك في العذاب محضرون فسبحان اللّه} فصلّوا للّه {حِينَ تُمْسُونَ} وهو صلاة العصر والمغرب {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صلاة الصبح

١٨

{وله الحمد في السموات والأرض وعشياً} وهو صلاة العشاء الآخرة. أيّ وسبّحوه عشياً {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر.

أخبرنا عبداللّه بن حامد الوزّان عن أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ،

عن محمد بن يحيى،

عن عبدالرحمن بن مهدي،

عن سفيان،

عن عاصم،

عن أبي رزين قال نافع بن الأزرق لابن عبّاس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟

قال : نعم {فَسُبْحَانَ اللّه حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} ... إلى قوله : {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} .

حدّثنا أبو بكر بن عبدوس قال : حدّثني أبو بكر الشرقي قال : حدّثني أبو حاتم الرازي قال : حدّثني أبو صالح كاتب الليث،

حدّثني الليث،

عن سعيد بن بشير،

عن محمد بن عبد الرحمن السلماني،

عن أبيه،

عن ابن عبّاس،

عن النبيّ صلّى اللّه عليه قال : (من قال حين يصبح {فَسُبْحَانَ اللّه حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} ... إلى قوله : {وكذلك يخرجون} أدرك ما فاته في يومهِ،

ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته).

وأخبرني محمد بن القاسم بن أحمد قال : كتب إليّ عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي أنّ زيد بن محمد بن خلف القرشي حدّثهم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمي،

عن الماضي بن محمد عن جويبر،

عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قال : {سبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون} هذه الآيات الثلاث من سورة الروم وآخر سورة الصافات دبر كلّ صلاة يصلّيها كُتِبَ له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد تراب الأرض،

فإذا مات أُجري له بكلّ حسنة عشر حسنات في قبره).

وأخبرني عبداللّه بن فنجويه،

عن ابن شنبه وأحمد بن جعفر بن حمدان والفضل بن الفضل قالوا : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام الزنجاني،

عن الحجّاج بن يوسف بن قتيبة بن مسلم،

عن بشر بن الحسين،

عن الزبير بن عدي،

عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل : {سبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون} ... إلى قوله : {وَ كذلك تُخْرَجُونَ} {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} ... إلى قوله : {وَالْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ} ).

وأخبرني ابن فنجويه عن عمر بن أحمد بن القاسم عن محمد بن عبد الغفّار عن حبارة بن المغلس عن كثير عن الضحاك قال : من قال : {سبحان اللّه حين تمسون} إلى آخر الآية كان له من الأجر كعدل مائتي رقبة من ولد إسماعيل (عليه السلام).

وأخبرني ابن فنجويه عن ابن شنبه عن علي بن محمد الطيالسي،

عن يحيى بن آدم عن إسرائيل،

عن أبي إسحاق،

عن زيد العمي،

عن محمد بن واسع،

عن كعب قال : من قال حين يصبح : {سبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون} إلى آخر الآية،

لم يفتهُ خير كان في يومه ولم يدركه شرّ كان فيه،

ومن قالها حين يمسي لم يدركه شرّ كان في ليلِهِ ولم يفتهُ خير كان في ليلِهِ،

وكان إبراهيم خليل اللّه صلّى اللّه عليه يقولها في كلّ يوم وليلة ست مرّات.

١٩-٢٠

{يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ويُحيي الأَرضَ بَعْدَ مَوتِها وَكَذَلِكَ تُخْرَجُون وَمِنْ ءاَيتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِن تُراب} يعني آدم (عليه السلام).

{ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} يعني ذُريته.

٢١

{وَمِنْ ءَايتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً} من جنسكم ولم يجعلهنّ من الجِنّ،

وقيل : من ضلع آدم وقيل : من نطف الرجال.

{وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً} أُلفة ومحبّة {ورحمة إنَّ في ذَلِكَ لاايت لِقَوم يَتَفَكَّروُنَ}

أخبرني الحسين بن محمد،

عن موسى بن محمد بن علي قال : أخبرني أبو شعيب الحراني،

عن يحيى بن عبداللّه البابلي،

عن صفوان بن عمرو،

عن المشيخة أنَّ رجلاً أتى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يا نبيّ اللّه لقد عجبتُ من أمر وإنَّه لعجب،

إنّ الرجل ليتزوّج المرأة وما رآها وما رأتهُ قط حتى إذا ابتنى بها اصطحبا وما شيء أحبّ إليهما من الآخر.

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}

٢٢

{وَمِنْ ءاَيتِهِ خَلْقُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَاخِتلاَفُ أَلسِنَتِكُمْ} فعربي وأعجمي.

{وَأَلْوَانِكُمْ} أبيض وأسود وأحمر وأنتم وُلْد رجل واحد وامرأة واحدة.

{إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} بكسر اللاّم حفص،

والياقوت بفتحها.

٢٣-٢٤

{وَمِنْ ءَاَياتِهِ مَنَامُكُمُ بِالَّليلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضلِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لاايت لِقَوم يَسمَعُون ومن ءَآياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحيي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوتِها إِنَّ فِي ذَلِكَ لايات لِقَوْم يَعقِلُونَ} وحذف أنْ من قوله (يريكم) لدلالة الكلام عليه،

كقول طرفه :

ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى

وإن اشهد اللذات هل أنت مخلدي

أراد أنْ أَحضَر. وقيل : هو على التقدّيم والتأخير تقديره : ويريكم البرق خوفاً،

من آياته.

٢٥

{وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَآءُ والأرض بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأرض} أي من قبوركم،

عن ابن عبّاس {إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} منها،

وأكثر العلماء على أنَّ معنى الآية ثمّ إذا دعاكم دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون من الأرض.

٢٦-٢٧

{وَلَهُ مَن فِي السَّمَواتِ وَالأَرضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُون وَهوَ الَّذِي يُبدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه} فقرأ ابن مسعود : يبدي،

ودليله قوله : {إنّه هو يُبدِي ويُعِيدُ} .

ودليل العامّة {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} قال الربيع بن خيثم والحسن : وهو هيّن عليه وما شيء عليه بعزيز،

وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس،

وهذا كقول الفرزدق :

إنّ الذي سمك السماء بنا لها

بيتاً دعائمُهُ أعزّ وأطولُ

أي عزيزة طويلة.

وقال آخر :

لعمركَ إنَّ الزبرقان لباذل معروفه

عند السنين وأفضلُ

أي فاضل.

وقال مجاهد وعكرمة : الإعادة أهون عليه من البدأة أي أيسر. وهي رواية الوالبي عن ابن عبّاس : ووجه هذا التأويل أنّ هذا مَثَل ضربه اللّه تعالى،

يقول : إعادة الشيء على الخلق أهون من ابتدائه فينبغي أن يكون البعث أهون عليه عندكم من الإنشاء. وقال قوم : وهو أهون عليه،

أي على الخلق،

يُصاح بهم صيحة فيقومون،

ويقال لهم : كونوا فيكونون أهون عليهم من أن يكونوا نطفاً ثمّ علقاً ثمّ مضغاً إلى أن يصيروا رجالاً ونساء. وهذا معنى رواية حسان،

عن الكلبي،

عن أبي صالح عن ابن عبّاس واختيار قطرب.

{وَلَهُ الْمَثَلُ الأعلى} أي الصفة العليا {فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} قال ابن عبّاس : ليس كمثله شيء. وقال قتادة : مثله أنّه لا إله إلاّ هو ولا ربّ غيره. {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

٢٨

قوله تعالى : {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} مِنْ عبيدكم وإمائكم {مِّن شُرَكَآءَ فِى مَا رَزَقْنَاكُمْ} من المال {فَأَنتُمْ} وهم {فِيهِ} شرع {سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} قال ابن عبّاس : تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضاً،

وقيل : تخافون هؤلاء الشركاء أن يقاسموكم أموالكم كما يقاسم بعضكم بعضاً،

وهذا معنى قول أبي محلز،

فإذ لم تخافوا هذا من مماليككم ولم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء؟

وأنتم وهم عبيدي وأنا مالككم جميعاً،

فكما لا يجوز استواء المملوك مع سيّده فكذلك لا يجوز استواء المخلوق مع خالقه.

٢٩-٣٠

ثمّ قال : { كذلك نُفَصِّلُ ايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَآءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللّه وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللّه الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه ذلك الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ} .

دين اللّه وهو نصب على المصدر أي فطر فطرة. ومعنى الآية : إنّ الدّين الحنيفية،

فطرة اللّه {الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} وقيل : نصب على الإغراء. {تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه} لدين اللّه،

أي لا يصلح ذلك ولا ينبغي أن يفعل،

ظاهره نفي ومعناه نهي،

هذا قول أكثر العلماء والمفسِّرين. وقال عكرمة ومجاهد : لا تغيير لخلق اللّه من البهائم بالخصاء ونحوه.

أخبرنا محمد بن عبداللّه بن حمدون،

عن أحمد بن محمد بن الحسن،

عن محمد بن يحيى،

عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري،

عن ابن المسيب،

عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسون فيها من جدعاء؟)

قال : ثمّ يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللّه} الآية.

وأخبرني عبداللّه بن حامد قال : أخبرني أبو بكر محمد بن جعفر المطيري،

عن أحمد بن عبداللّه بن يزيد المؤدّب عن عبد الرزاق،

وأخبرنا أبو سعيد التاجر قال : أخبرني أبو حامد الشرقي،

وحدّثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر والسلمي،

قالوا : قال عبد الرزّاق عن معمر عن همام،

عن أبي هريرة،

عن النبي صلّى اللّه عليه قال : (ما من مولود إلاّ يولد على هذه الفطرة،

فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه كما تنتجون البهيمة فهل تجدون فيها من جدعاء حتّى تكونوا أنتم تجدعونها؟

قالوا : يا رسول اللّه أفرأيت من يموت وهو صغير؟

قال : اللّه أعلم بما كانوا عاملين).

وقال الأسود بن سريع : غزوت مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أربع غزوات وأنّ قوماً تناولوا الذرّية بالقتل،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما بال أقوام قتلوا المقاتلة ثمّ تناولوا الذرّية؟)،

فقال رجل : يا رسول اللّه إنّما هم أولاد المشركين،

فقال (عليه السلام) : (إنّ خياركم أولاد المشركين،

والذي نفسي بيده ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة فما يزال عليها حتّى يبيّن عنه لسانه فأبواه يهوّدانه وينصّرانه).

وروى قتادة عن مطرف بن عبداللّه بن الشخير عن عياض بن حمار المجاشعي قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : (إنّ اللّه أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني في يومي هذا وأنّه قال : إن كلّ مال نحلته عبادي فهو لهم حلال وإنّي خلقت عبادي كلّهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاحتالتهم عن دينهم وحَرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأَمَرتُهُم أنْ يشركوا بي ما لم أُنزّلْ به سلطاناً). وذكر الحديث.

قال أبو بكر الورّاق : فطرة اللّه التي فطر النّاس عليها هي الفقر والفاقة. { ذلك الدِّينُ الْقَيِّمُ} المستقيم {وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ} .

٣١-٣٢

قوله تعالى : {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِين مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعَا} فرقاً كاليهود والنصارى.

أخبرني الحسين بن محمد بن عبداللّه الدينوري،

عن محمد بن عمر بن إسحاق بن حبيش الكلواذي،

عن عبداللّه بن سليمان بن الأشعث،

عن محمد بن مصفى،

عن بقية بن الوليد عن شعبة أو غيره،

عن مجالد،

عن الشعبي،

عن شريح،

عن عمر بن الخطّاب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لعائشة : (يا عائشة إنّ الّذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً هم أهل البدع والضّلالة من هذه الأمّة،

يا عائشة إنَّ لكلّ صاحب ذنب توبة إلاّ صاحب البدع والأهواء ليست لهم توبة،

أنا منهم بريء وهم منّي براء).

{كُلُّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}

٣٣-٣٥

قوله : {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً} خصباً ونعمة {إذا فَرِيقٌ مِنْهُم بِرَبِهِمْ يُشْرِكُون لِيَكْفُرُوا بِمَا ءَاتَيْنَهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُون} وفي مصحف عبداللّه وليتمتّعوا {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} . قال ابن عبّاس والضحّاك : حجّةً وعذراً. قتادة والربيع : كتاباً.

{فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} ينطق {بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} يعذرهم على شركهم ويأمرهم به.

٣٦-٣٨

{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُون أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّه يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَات لِقَوْم يُؤْمِنُون فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللّه وَأُوْلائِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} .

٣٩

قوله تعالى : {وَمَاءَ ءَاتَيْتُمْ مِن رِّباً} . قرأ ابن كثير (ءَاتَيتُم) مقصور غير ممدود {لِّيَرْبُوَا فِى أَمْوَالِ النَّاسِ} . قرأ الحسن وعكرمة وأهل المدينة بضمّ التاء وجزم الواو وعلى الخطاب أي لتربوا أنتم،

وهي قراءة ابن عبّاس واختيار يعقوب وأيّوب وأبي حاتم.

وقرأ الآخرون (لِّيَرْبُوَا) بياء مفتوحة ونصب الواو وجعلوا الفعل للربا. واختاره أبو عبيد لقوله : {فَلا يَرْبُوا عِندَ اللّه} ولم يقل فلا يربى. واختلف المفسِّرون في معنى الآية. فقال سعيد ابن جبير ومجاهد وطاووس وقتاده والضحاك : هو الرجل يعطي الرجل العطية ويهدي الهدية ليثاب أكثر منها،

فهذا رباً حلال ليس فيه أجر ولا وزر،

وهذا للناس عامّة،

فأمّا النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) خاصّة فكان هذا عليه حراماً لقوله عزّ وجلّ {وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} . وقال الشعبي : هو الرجل يلزق بالرجل فيحف له ويخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله ليجزيه وإنّما أعطاه التماس عونه ولم يرد به وجه اللّه. وقال النخعي : هذا في الرجل يقول للرجل : لأمولنّك فيعطيه مراعاةً،

وكان الرجل في الجاهلية يعطي ذا القرابة له المال ليكثر ماله،

وهي رواية أبي حسين عن ابن عبّاس. وقال السدي : نزلت في ثقيف كانوا يعطون الربا.

{فَلا يَرْبُوا} يزكو {عِندَ اللّه} لأنّه لم يرد به وجه اللّه. {وما ءَاتَيْتُم مِنْ زَكاواة تُرِيدُونَ وَجهَ اللّه فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضعِفُونَ} قال قتادة : هذا الذي يقبله اللّه ويضاعفه له عشر أمثالها وأكثر من ذلك. ومعنى قوله : (المضعفون). أهل التضعيف. كقول العرب : أصبحتم مسمنين،

إذا سمنت إبلهم،

ومعطشين إذا عطشت. ورجل مقو إذا كانت إبله قويّة،

ومضعف إذا كانت ضعيفة،

ومنه الخبيث المخبِّث أي أصحابه خبّثاً.

٤٠

{اللّه الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَالِكُم مِّن شَىْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}

٤١

قوله تعالى : {ظَهَرَ الْفَسَادُ} أي قحط المطر ونقص الغلاّت وذهاب البركة {فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} تقول : أجدبت البرّ وانقطعت مادّة البحر {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ} بشؤم ذنوبهم.

قال قتادة : هذا قبل أَنْ يبعث اللّه نبيّه (عليه السلام) امتلأت الأرض ظلماً وضلالة،

فلمّا بعث اللّه عزّ وجلّ محمّداً ( (صلى اللّه عليه وسلم) رجع راجعون من الناس. فالبرّ أهل العمود والمفاوز والبراري،

والبحر أهل الرّيف والقرى. قال مجاهد : أما واللّه ما هو بحركم هذا ولكن كلّ قرية على ماء جار فهو بحر. وقال عكرمة : العرب تسمّي الأمصار بحراً. وقال عطية وغيره : البرّ ظهر الأرض،

الأمصار وغيرها،

والبحر هو البحر المعروف. وقال عطية : إذا قلّ المطر قلّ الغوص. وقال ابن عبّاس : إذا مطرت السماء تفتح الأصداف فمها في البحر فما وقع فيها من ماء السماء فهو لؤلؤ. وقال الحسن : البحر القرى على شاطئ البحر. قال ابن عبّاس وعكرمة ومجاهد : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ} بقتل ابن آدم أخاه {وَالْبَحْرِ} بالمِلك الجائر الذي كان يأخذ كلّ سفينة غصباً واسمه الجلندا،

رجل من الأزد.

{لِيُذِيقَهُم} قرأ السلمي بالنون وهو اختيار أبي حاتم. الباقون بالياء {بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا} أي عقوبة بعض الذي عملوا من ذنوبهم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن كفرهم وأعمالهم الخبيثة.

٤٢-٤٣

{قُلْ سِيرُوا فِي الاْرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِين فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللّه يَوْمَئِذ يَصَّدَّعُون} يتفرّقون،

فريق في الجنّة وفريق في السعير

٤٤

{مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} يفرشون ويسوّون المضاجع في القبور.

٤٥

{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْ فَضْلِهِ} ثوابه {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} .

٤٦

قوله : {وَمِن ءَاياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِياحَ مُبَشِّرات وَلِيُذِيقَكُم مِنْ رَحْمَتِهِ} نعمته المطر. {وَلِتَجْرِىَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ} رزقه

٤٧

{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} أشركوا {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} في العاقبة،

فكذلك نحن ناصروك ومظفروك على مَن عاداك وناواك. قال الحسن : يعني أنجاهم مع الرسل من عذاب الأمم.

أخبرني أبو عبداللّه الحسين بن محمد بن عبداللّه الدينوري،

قال أبو العبّاس أحمد بن محمد بن يوسف الصرصري،

عن الحسين بن محمد المطبقي،

عن الربيع بن سليمان،

عن علي ابن معبد عن موسى بن أعين،

عن بشير بن أبي سليمان،

عن عمرو بن مرّة عن شهر بن حوشب (عن أُمّ الدرداء) عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (ما مِن امرئ يردُّ عن عرضِ أخيه إلاّ كان حقّاً على اللّه سبحانه أنْ يردَّ عنهُ نار جهنّم يوم القيامة)،

ثمّ تلا هذه الآية : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} .

٤٨

{اللّه الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيح فَتُثِيرُ سَحَابَاً} أخبرني ابن فنجويه عن مخلد الباقر حي،

عن الحسن بن علوية،

عن إسماعيل بن عيسى،

عن إسحاق بن بشر،

أخبرنا إدريس أبو الياس،

عن وهب بن منبه : أنّ الأرض شكت إلى اللّه عزّ وجلّ أيّام الطوفان لأنّ اللّه عزّ وجلّ أرسل الماء بغير وزن ولا كيل فخرج الماء غضباً للّه عزّ وجلّ فخدش الأرض وخدّدها فقالت : ياربّ إنّ الماء خدّدني وخدشني،

فقال اللّه عزّ وجلّ فيما بلغني واللّه أعلم إنّي سأجعل للماء غربالاً لا يخدّدك ولا يخدشكِ،

فجعل السّحاب غربال المطر. {فَيَبْسُطُهُ فِى السَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ} ردّ الكناية إلى لفظ السحاب لذلك ذكرها. والسحاب جمع كما يُقال : هذا تمر جيّد {وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} قطعاً متفرّقة. {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} وسطه. وقرأ ابن عبّاس مِن خِللّه. {فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ} أي بالودق

٤٩

{مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِن كَانُوا} وقد كانوا {مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} وقيل : وما كانوا إلاّ. قال قطرب والفائدة في تكرار قبل هاهنا أنّ الأُولى للأنزال والثّانية للمطر،

وقيل على التأكيد،

كقول اللّه عزّ وجلّ : {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فلا تحسبنهم} كرّر تَحسَبنَّ للتأكيد. وقال الشاعر :

إذا أنا لم أؤمن عليك ولم يكن

لقاؤك إلاّ من وراء وراء

وفي حرف ابن مسعود {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا بِمَفَازَة مِنْ الْعَذَاب} غير مكرّر،

وفي حرفه أيضاً : {وَإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِم لَمُبلِسِينَ} غير مكرّر.

٥٠

قوله عزّ وجلّ : {فَانظُرْ إِلَى ءَاثَارِ} بالألف على الجمع أهل الشام والكوفة. واختلف فيه عن أصم،

غيرهم : أثر على الواحد {رَحْمَتَ اللّه} يعني المطر {كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوتِهَا إنَّ ذَلِكَ لَمُحِيْ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ} من البعث وغيره.

٥١

{وَلَ نْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} باردةً مضرّةً فأفسدت ما أنبتَ الغيث {فَرَأَوْهُ} يعني الزرع والنبات كناية عن غير مذكور {مُصْفَرًّا} يابساً بعد خضرته ونضرته {لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} وقد رأوا هذه الآيات الواضحات،

٥٢-٥٣

ثمّ ضرب لهم مثلاً فقال : {فإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِين وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْىِ عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُون}.

٥٤

قوله تعالى : {اللّه الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ}

نطفة {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} شباباً {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} هرماً {وَشَيْبَةً} . قرأ يحيى وعاصم والأعمش وحمزة (بفتح) الضاد من الضعف،

غيرهم بالضمّ فيها كلّها،

واختارها أبو عبيد لأنّها لغة النبي (صلى اللّه عليه وسلم)

أخبرنا عبداللّه بن حامد الوزان،

عن حامد بن محمد،

عن علي بن عبد العزيز قال أبو نعيم،

عن فضيل بن مرزوق،

عن عطية العوفي قال : قرأت على ابن عمر {اللّه الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} يعني بالضم،

ثمّ قال : إنّي قرأتها على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأخذها عليَّ كما أخذتها عليك،

وكان عاصم الحجدري يقرأ {اللّه الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ} بالضم قُوّةً ثُمَّ مِنْ بَعْدِ قُوّة ضَعْفَاً بالفتح أراد أن يجمع بين اللغتين.قال الفرّاء : الضمّ لغة قريش والنصب لغة تميم {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} .

٥٥

وقوله : {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} يحلف المشركون {مَا لَبِثُوا} في الدنيا {غَيْرَ سَاعَةٍ} استقلَّ القوم أجل الدنيا لمّا عاينوا الآخرة. وقال مقاتل والكلبي : يعني ما لبثوا في قبورهم غير ساعة،

استقلّوا ذلك لما استقبلوا من هول يوم القيامة،

نظيرها قوله عزّ وجلّ : {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً} من النهار ومن نهار { كذلك كَانُوا يُؤْفَكُونَ} يكذّبون في الدُّنيا.

٥٦

{وَقَالَ الَّذِينَ أُتُواْ العِلْمَ والاْيَمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّه} أي فيما كتب اللّه لكم في سابق علمه. وقيل : في حكم اللّه،

كقول الشاعر :

ومال الولاء بالبلاء فملتمُ

وما ذاكَ قال اللّه إذ هو يكتبُ

أي يحكم. وقال قتادة ومقاتل : هذا من مقاديم الكلام تأويلها : وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوْا الْعِلْمَ في كتاب اللّه والإيمانَ لقد لبثتُم {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} في الدنيا أنّه يكون وأنّكم مبعوثون ومجزيّون فكنتم به تكذِّبون.

٥٧

{فَيَوْمَذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يسترجعون.

٥٨-٦٠

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هذا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَن جِئْتَهُم بَِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ} ما أنتم إلاّ على باطل {كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّه عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّه} في نصرك وتمكينك {حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ} يستزلنّك ويستخفنَّ رأيك عن حكمك {الَّذِينَ يُوقِنُونَ}

﴿ ٠