سورة الروم

مكّية،

وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاثون حرفاً،

وثمانمائة وتسع عشرة كلمة،

وستّون آية

أخبرنا المغازي غير مرّة،

قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني،

وأبو الشيخ عبداللّه بن أحمد الأصبهاني قالا : حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك الكوفي،

قال : حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي،

قال : حدّثنا سلام بن سليمان المدائني،

قال : حدّثنا هارون بن كثير،

عن زيد بن أسلم عن أبيه،

عن أبي أمامة،

عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : (مَن قرأ سورة الرّوم كان له من الأجر،

عشر حسنات بعدد كلّ ملك سبَّحَ للّه بين السماء والأرض وأدرك ما ضيّع في يومه وليلته).

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١-٢

قوله عزّ وجلّ : {الم غُلِبَتِ الرُّوم} الآية.

قال المفسِّرون : كانت في فارس امرأة لا تلد إلاّ الملوك والأبطال بسم اللّه الرحمن الرحيم،

فدعاها كسرى فقال : إنّي أُريد أن أبعث إلى الروم جيشاً وأستعمل عليهم رجلاً من بنيكِ فأشيري عليَّ أيّهم أستعمل؟

فقالت : هذا فلان،

أروغ من ثعلب،

وأحذر من صقر،

وهذا فرخان أنفذ من سنان،

وهذا شهريراز هو أحلم من كذا،

فاستعمل أيّهم شئت. قال : فإنّي استعملتُ الحليم،

فاستعمل شهريراز،

فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرّب مدائنهم وقطع زيتونهم،

وكان قيصر بعث رجلاً يدعى يحنس وبعث كسرى شهريراذ فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فَغَلَبت فارسُ الرومَ،

فبلغ ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه وأصحابه بمكّة فشقّ عليهم،

وكان النبيّ صلّى اللّه عليه يكره أنْ يظهر الأمّيّون من المجوس على أهل الكتاب من الروم.

وفرح كفّار مكّة وشمتوا ولقوا أصحاب النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقالوا : إنّكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أُمّيون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم. فإنّكم إنْ قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم.

فأنزل اللّه عزّ وجلّ : {الم غُلِبتْ الرُّومُ...} إلى آخر الآيات.

فخرج الصّدّيق ح إلى الكفّار فقال : فرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرّنَ اللّه أعينكم،

فواللّه ليظهرنّ الروم على فارس،

أخبرنا بذلك نبيُّنا،

فقام إليه أُبيّ بن خلف الجمحي فقال : كذبت يا أبا فضيل،

فقال له أبو بكر : أنتَ أكذب يا عدوّ اللّه،

فقال : اجعل بيننا أجلاً أُناحبُكَ عليه،

والمناحبة : المراهنة على عشر قلائص منّي وعشر قلائص منك،

فإنْ ظهرت الروم على فارس غرمتُ،

وإنْ ظهرت فارس غرمتَ،

ففعل ذلك وجعلوا الأجل ثلاث سنين.

فجاء أبو بكر إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وأخبره وذلك قبل تحريم القمار،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ما هكذا ذكرتُ،

إنّما البضع ما بين ثلاث إلى التسع فزايدهُ في الخطر ومادّه في الأجل،

فخرج أبو بكر فلقي أُبيّاً فقال : لعلَّك ندمت قال : لا،

قال : فتعال أزايدك في الخطر وأُمادّك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين،

قال : قد فعلت فلمّا خشي أُبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه فقال : إنّي أُخاف أن تخرج من مكّة فأقم لي كفيلاً،

فكفل له ابنه عبداللّه بن أبي بكر.

فلمّا أراد أُبي بن خلف أن يخرج إلى أحُد أتاه عبداللّه بن أبي بكر فلزمه قال : واللّه لا أدعك حتّى تعطيني كفيلاً فأعطاه كفيلاً ثمّ خرج إلى أحُد،

ثمّ رجع أُبيّ بن خلف فمات بمكّة من جُراحتِهِ التي جرحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه حين بارزه.

وظهرت الروم على فارس يوم الحُديبيّة وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم. هذا قول أكثر المفسِّرين.

وقال أبو سعيد الخدري ومقاتل : لمّا كان يوم بدر غلب المسلمون كفّار مكّة وأتاهم الخبر أنّ الروم قد غلبوا فارس ففرح المؤمنون بذلك. قال الشعبي : لم تمضِ تلك المدّة التي عقدوا المناحبة بينهم،

أهل مكّة وصاحب قمارهم أبيّ بن خلف،

والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر،

وذلك قبل تحريم القمار حتّى غلَبت الرومُ فارسَ وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فَقَمَر أبو بكر أُبيّاً،

وأخذ مال الخطر من ورثته وجاء به يحمله إلى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقال له النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (تصدّق به).

وكان سبب غلبة الروم فارسَ على ما قال عكرمة وغيره أنّ شهريراز بعدما غلب الروم لم يزل يطأهم ويخرّب مدائنهم حتّى بلغ الخليج،

فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه : لقد رأيت كأنّي جالس على سرير كسرى،

فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهريراز : إذا أتاك كتابي فابعث إليّ برأس فرخان.

فكتب إليه : أيّها الملك إنّك لم تجد مثل فرخان،

إنّ له نكاية وصوتاً في العدوّ فلا تفعل،

فكتب إليه : إنَّ في رجال فارس خَلَفاً منه فعجّل إليّ برأسهِ،

فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه،

وبعث بريداً إلى أهل فارس إنّي قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان. ثمّ دفع إلى البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهريراز وقال : إذا وليَ فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطهِ،

فلمّا قرأ شهريراز الكتاب قال : سمعاً وطاعة ونزل عن سريره وجلس فرخان فدفع إليه الصحيفة فقال : ائتوني بشهريراز فقدَّمه ليضرب عنقه.

قال : لا تعجل حتّى أكتب وصيّتي،

قال : نعم،

قال : فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف،

وقال : كلّ هذا راجعت فيه كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد،

فَردَّ المُلْكَ إلى أخيه. فكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم : إنّ لي إليك حاجة لا يحملها البريد ولا تبلغها الصحف فألقني ولا تلقني إلاّ في خمسين روميّاً فأنّي ألقاك في خمسين فارسيّاً.

فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق وخاف أن يكون قد مُكرَ بهِ حتّى أتاه عيونه أنّه ليس معه إلاّ خمسون رجلاً ثمّ بسط لهما والتقيا في قبّة ديباج ضربت لهما ومع كلّ واحد منهما سكين،

فدعيا بترجمان بينهما فقال شهريراز : إنّ الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا ومكرنا وشجاعتنا،

وإنّ كسرى حسدنا وأراد أنْ أقتل أخي فأَبيت.

ثمّ أمر أخي أن يقتلني. فقد خلعناه جميعاً فنحن نقاتله معك،

قال : قد أصبتما ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السرّ بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا،

فقتلا الترجمان جميعاً بسكّينيهما (فأُديلت) الروم على فارس عند ذلك فأتبعوهم يقتلونهم ومات كسرى.

وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه يوم الحديبية ففرح ومن معه،

﴿ ١