٦قوله عزّ وجلّ : {النَّبِىُّ أَوْلَى} أحقّ {بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} أنْ يحكم فيهم بما شاء فيجوز حكمه عليهم. قال ابن عبّاس وعطا : يعني إذا دعاهم النبيّ (عليه السلام) إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبيّ أولى بهم من طاعة أنفسهم، وقال مقاتل : يعني طاعة النبي (عليه السلام) أولى من طاعة بعضكم لبعض، وقال ابن زيد : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كما أنتَ أولى بعبدك، فما قضى فيهم من أمر، جار، كما أنّ كلّ ما قضيت على عبدك جار. وقيل : إنّه (عليه السلام) أولى بهم في امضاء الأحكام وإقامة الحدود عليهم لما فيه من مصلحة الخلق والبعد من الفساد. وقيل : إنّه أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه، وقالت الحكماء : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، لاِنَّ أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، والنبيّ يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم، وقال أبو بكر الورّاق : لأنّ النبيّ يدعوهم إلى العقل، وأنفسهم تدعوهم إلى الهوى، وقال بسام بن عبداللّه العراقي : لأنَّ أنفسهم تحترس من نار الدُّنيا، والنبيّ يحرسهم من نار العُقبى. وروى سُفيان عن طلحة عن عطاء عن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} وهو أب لهم. وروى سفيان عن عمرو عن بجالة أو غيره قال : مَرَّ عمر بن الخطّاب بغلام وهو يقرأ في المصحف {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وهو أب لهم. فقال : يا غلام حُكّها. قال : هذا مصحف أبي، فذهب إليه فسأله، فقال : إنّه كان يلهيني القرآن ويُلهيكَ الصفق في الأسواق. وقال عكرمة : أُخبرت أنّه كان في الحرف الأوّل : وهو أبوهم. أخبرني أبو عبداللّه بن فنجويه الدينوري قال : أخبرني أبو بكر بن مالك القطيعي، عن عبداللّه بن أحمد بن حنبل، عن أبي قال : أخبرني أبو عامر وشريح قالا : قال (فليح) بن سليمان، عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عميرة، عن النبيّ صلّى اللّه عليه، قال : (ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرؤا إن شئتم {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} فأيّما مؤمن هلك وترك مالاً فليرثه عصبته مَنْ كانوا، وإن ترك دَيناً أو ضياعاً فليأتني فإنّي أنا مولاه). {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} يعني كأُمّهاتهم في الحرمة، نظيره قوله تعالى : {وَجَنَّة عَرضها السَّماوات والأَرْض} أي كالسماوات، وإنّما أراد اللّه تعالى تعظيم حقّهن وحرمتهن، وإنّه لا يجوز نكاحهن لا في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه إنْ طلّق ولا بعد وفاته، هنّ حرام على كلّ مؤمن كحرمة أُمّهِ، ودليل هذا التأويل أنَّه لا يحرم على الولد رؤية الأُمّ، وقد حرّم اللّه رؤيتهنّ على الأجنبيين، ولا يرثنّهم ولا يرثونهنّ، فعلموا أنّهن أُمّهات المؤمنين من جهة الحرمة، وتحريم نكاحهنّ عليهم. روى سفيان، عن خراش، عن الشعبي، عن مسروق قال : قالت امرأة لعائشة : يا أُمّاه، فقالت : أنا لستُ بأُمَ لكِ إنّما أنا أُمّ رجالكم. قوله : {وَأُوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} يعني في الميراث. قال قتادة : كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، وكان لا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر شيئاً، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، وخلط المؤمنين بعضهم ببعض فصارت المواريث بالملك والقرابات. وقال الكلبي : آخى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بين الناس، وكان يؤاخي بين الرجلين، فإذا مات أحدهما ورثه الباقي منهما دون عصبته وأهله، فمكثوا بذلك ما شاء اللّه حتّى نزلت هذه الآية : {وَأُوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} {فِى كِتَابِ اللّه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الذين آخى رسول اللّه بينهم {وَالْمُهَاجِرِينَ} فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة، وصارت للأدنى فالأدنى من القرابات، وقيل : أراد إثبات الميراث بالإيمان والهجرة. ثمّ قال : {إِلا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَآكُم مَّعْرُوفًا} يعني : إلاّ أَنْ توصوا لذوي قرابتكم من المشركين فتجوز الوصية لهم، وإنْ كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة، وهذا قول محمد بن الحنفية وقتادة وعطاء وعكرمة. وقال ابن زيد ومقاتل : يعني : إلاّ أنْ توصوا لاِوليائكم من المهاجرين. وقال مجاهد : أراد بالمعروف النُصرة وحفظ الحرمة لحقّ الإيمان والهجرة {كَانَ ذلك } الذي ذكرت من أنَّ أُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض، وأنَّ المشرك لا يرث المسلم {فِى الْكِتَابِ} في اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} مكتوباً. وقال القرظي : في التوراة. |
﴿ ٦ ﴾