٩قوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ} الآية، وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه أيّام الخندق {إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ} يعني الأحزاب، قريش وغطفان ويهود بني قريظة والنضير {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} يعني الصبا. قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقي بنصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه، فقالت الشمال : إنّ الحرة لا تسري بالليل، فكانت الريح التي أُرسلت عليهم هي الصبا. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : نُصرتُ بالصبا، وأُهلكتْ عاد بالدبور. {وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} وهم الملائكة ولم تقاتل يومئذ {وَكَانَ اللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} قال المفسِّرون : بعث اللّه تعالى عليهم بالليل ريحاً باردة، وبعث الملائكة فقلعت الأوتاد، وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، فأرسل اللّه عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم، حتّى كان سيّد كلّ حيّ يقول : يا بني فلان هلمّ إليّ فإذا اجتمعوا عنده قال : النجا النجا أتيتم، لما بعث اللّه عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال. أنبأني محمد بن القاسم الفارسي قال : أخبرني أبو الحسن السليطي قال : أخبرني المؤمل ابن الحسن، عن الفضل بن محمد الأشعراني عن عمرو بن عون، عن خالد بن عبداللّه، عن أبي سعد سعيد بن عبد الرحمن البقّال، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه وأنبأني عقيل بن محمد، عن المعافى بن زكريا، عن محمد بن جرير الطبري، عن محمد بن حميد الرازي، عن سلمة، حدّثني محمد بن يسار، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرطي قالا : قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبداللّه، رأيتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وصحبتموه؟ قال : نعم يابن أخي، قال : وكيف كنتم تصنعون؟ قال : واللّه لقد كنّا نجهد، قال الفتى : واللّه لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا، ولخدمناه وفعلنا وفعلنا. فقال حذيفة : يابن أخي واللّه لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بالخندق في ليلة باردة، لم أجد قبلها ولا بعدها برداً أشدّ منه، فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه هوناً من الليل ثمّ التفتَ إلينا فقال : (مَنْ يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله اللّه الجنّة). فما قام منّا رجل، ثمّ صلّى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) هوناً من الليل، ثمّ التفت إلينا فقال مثله، فسكت القوم وما قام منّا رجل. ثمّ صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه هوناً من الليل، ثمّ التفت إلينا فقال : مَن رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم على أنْ يكون رفيقي في الجنّة؟ فما قام رجل من شدّة الخوف وشدّة الجوع وشدّة البرد، فلمّا لم يقم أحد، دعاني رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقال : يا حذيفة، فلم يكن لي بُدّ من القيام حين دعاني، فقلت : لبّيك يارسول اللّه، وقمت حتى أتيته وإنّ جنبيّ لتضطربان، فمسح رأسي ووجهي ثمّ قال : ائت هؤلاء القوم حتّى تأتيني بخبرهم، ولا تحدثنّ شيئاً حتّى ترجع إليّ. ثمّ قال : اللّهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، فأخذت سهمي وشددت على أصلابي، ثمّ انطلقت أمشي نحوهم كأنّي أمشي في حمّام، فذهبت فدخلت في القوم، وقد أرسل اللّه عليهم ريحاً فقطّعت أطنابهم وقلعت أبنيتهم وذهبت بخيولهم، ولم تدع شيئاً إلاّ أهلكته، وأبو سفيان قاعد يصطلي، فأخذتُ سهمي فوضعته في كبد قوسي، فذكرت قول النبيّ صلّى اللّه عليه : لا تحدثنّ حدثاً حتى ترجع، فرددت سهمي في كنانتي. فلمّا رأى أبو سفيان ما تفعل الريحُ وجنودُ اللّه بهم، لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناء قام فقال : يا معشر قريش ليأخذ كلّ رجل منكم بيد جليسه فلينظر مَنْ هو؟ فأخذت بيد جليسي فقلت مَنْ أنت؟ قال : سبحان اللّه أما تعرفني أنا فلان بن فلان، فإذا هو رجل من هوازن. فقال أبو سفيان : يا معشر قريش إنّكم واللّه ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخُفّ وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، فارتحلوا فإنّي مرتحل ثمّ قام إلى جَملِهِ وهو معقول فجلس عليه ثمّ ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلاّ وهو قائم. وسمعتْ غطفان بما فعلت قريش فاستمروا راجعين إلى بلادهم، وهزم اللّه الأحزاب فذلك قوله : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} قال : فرجعت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه كأني أمشي في حمّام، فأخبرته الخبر فضحك عليه السلام حتّى بدت أنيابه في سواد الليل قال : وذهب عنّي الدفء فأدناني النبيّ عليه السلام فأنامني عند رجليه وألقى عليَّ طرف ثوبه، وألزق صدري ببطن قدمه. |
﴿ ٩ ﴾