١٠قوله تعالى : {إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ} يعني من فوق الوادي من قبل المشرق، وعليهم مالك بن عوف النضيري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحُيي بن أخطب في يهود بني قريضة {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} يعني من بطن الوادي من قبل المغرب، وهو أبو سفيان بن حرب في قريش ومن تبعه، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قِبَل الخندق. وكان الذي جر غزوة الخندق، فيما قيل إجلاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه بني النضير عن ديارهم. قال محمد بن إسحاق : حدّثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير، عن عروة بن الزبير ومَن لا أتّهم، عن عبيداللّه بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن قتادة وعن عبداللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن غيرهم من علمائنا، دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا : كان من حديث الخندق أنّ نفراً من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس وأبو عمّار الوائلي في نفر من بني النضير ونفر من بني وايل وهم الذين حزّموا الأحزاب على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكّة، فدعوهم إلى حرب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقالوا : إنّا سنكون معكم عليه حتّى نستأصله، فقالت لهم قريش : يا معشر اليهود، إنّكم أهل الكتاب الأوّل والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، فديننا خيرٌ أم دينه؟ قالوا : بل دينكم خيرٌ من دينه، وأنتم أولى بالحقّ منهم، قال : فهُم الذين أنزل اللّه فيهم : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبَاً مِنَ الكِتبِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالْطاغُوت} إلى قوله : {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} فلمّا قالوا ذلك لقريش سرّهم ما قالوا، ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأجمعوا لذلك، واستعدّوا له، ثمّ خرج أولئك النفر من اليهود حتّى جاءوا غطفان من قيس بن غيلان فدعوهم إلى حرب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأخبروهم أنّهم سيكونون معهم عليه، وأنَّ قريشاً قد بايعوهم على ذلك، وأجمعوا فيه، فأجابوهم، فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحرث بن عون بن أبي جارية المرّي في بني مرّة، ومسعود بن جبلة بن نويرة بن طريف بن شحمة بن عبداللّه بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن زيد بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع، فلمّا سمع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وبما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة وكان الذي أشار على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بالخندق سلمان الفارسي، وكان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه، وهو يومئذ حُرّ. وقال : يارسول اللّه إنَّا كنّا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فعمل فيه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) والمسلمون معه حتى أحكموه. وقد ذكرنا حديث سلمان في صفة حفر الخندق في سورة آل عمران قالوا : فلمّا فرغ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من الخندق أقبلت قريش حتّى نزلت بمجتمع الأسيال من دونه من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا (بذنب نقمى) إلى جانب أحد. وخرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) والمسلمون حتّى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالنساء والذراري فرفعوا في الآطام، وخرج عدوّ اللّه حيي بن أخطب النضيري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) على قومه وعاهده على ذلك، فلمّا سمع كعب بحيي بن أخطب غلق دونه حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فنادى حيي : يا كعب افتح لي، فقال : ويحك يا حيي، إنّك امرؤ ميشوم، إنّي قد عاهدت محمّداً فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أَرَ منه إلاّ وفاءً وصدقاً. قال : ويحك افتح لي أُكلّمك. قال : ما أنا بفاعل. قال : واللّه إن غلقت دوني إلاّ على حشيشتك أن آكل معك منها، فاحفظ الرجل ففتح له. فقال : يا كعب، ويحك جئتك بعزّ الدهر، وبحر طم، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دونه، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب مقمي إلى جانب أُحد، قد عاهدوني وعاقدوني أنْ لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمّد ومن معه. فقال له كعب بن أسد : جئتني واللّه بذلّ الدهر، بمجهام قد اهراقَ ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء، فدعني ومحمّداً وما أنا عليه، ولم أَرَ من محمّد إلاّ صدقاً ووفاءً. فلم يزل حُيي بن أخطب بكعب يقبله في الذروة والغارب حتى يسمح له على أنْ أعطاه عهداً من اللّه وميثاقاً، لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمّداً أنْ أدخل معك في حصّتك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ ممّا كان عليه فيما بينه وبين رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فلمّا انتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه الخبر وإلى المسلمين، بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أحد بني عبد الأشهل وهو يومئذ سيّد الأوس وسعد بن عبادة بن دليم أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيّد الخزرج، ومعهما عبداللّه بن رواحة أخو الحارث بن الخزرج، وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف. فقال : انطلقوا حتى تنظروا أحقٌّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم؟ فإن كان حقّاً فالحنوا إليَّ لحناً نعرفه ولا تفتّوا أعضاد الناس، وإنْ كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم وقالوا : مَنْ رسول اللّه؟ وقالوا : لا عقد بيننا وبين محمّد ولا عهد، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدّ فقال له سعد بن معاذ : دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثمّ أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه فسلّموا عليه ثمّ قالوا : عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : اللّه أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين. وعظم عند ذلك البلاء واشتدّ الخوف وأتاهم عدوّهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظنّ المؤمنون كلّ ظنّ، ونَجَم النفاق من بعض المنافقين حتى قال لهم معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أنْ يذهب إلى الغائط {مَّا وَعَدَنَا اللّه وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} حتى قال أوس بن قبطي أحد بني حارثة : يا رسول اللّه إنَّ بُيُوتَنَا بعورة من العدو وذلك على ملأ من رجال قومه، فأْذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنّها خارجة من المدينة. فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وأقام المشركون عليه بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلاّ الرمي بالنبل والحصى، فلمّا اشتدّ البلاء على الناس، بعث رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى عيينه بن حصين وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أنْ يرجعا بمَنْ معهما عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأصحابه، تجرى بينهم وبينه الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة، فذكر ذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه. فقالا : يارسول اللّه أشيء أمرك اللّه به لابدّ لنا من العمل به أم أمر تحبّه فتصنعه أم شيء تصنعه لنا؟ قال : لا بل لكم واللّه ما أصنع ذلك، إلاّ إنّي رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد وكالبوكم من كلّ جانب، فأردتُ أنْ أكسر عنكم شوكتهم. فقال له سعد بن معاذ : يا رسول اللّه قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على شرك باللّه وعبادة الأوثان، لا نعبد اللّه ولا نعرفه، وهم ولا يطمعون أنْ يأكلوا منها ثمرة إلاّ قري أو بيعاً، أفحين أكرمنا اللّه بالإسلام وأعزّنا بك نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، واللّه لا نعطيهم إلاّ السيف حتّى يحكم اللّه بيننا وبينهم، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأصحابه : فأنت وذاك، فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثمّ قال : ليجهدوا علينا. فأقام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) والمسلمون على حالهم والمشركون يحاصروهم ولم يكن بينهم قتال إلاّ أنَّ فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ودّ بن أبي قيس أخو بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ونوفل بن عبداللّه وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب بن فهر قد تلبّسوا للقتال وخرجوا على خيلهم، ومرّوا على بني كنانة. فقال : بنو الحارث : يا بني كنانة، فستعلمون اليوم من الفرسان، ثمّ أقبلوا حتى وقفوا على الخندق، فلمّا رأوه قالوا : واللّه إنّ هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها ثمّ تيمّموا مكاناً من الخندق ضيّقاً فضربوا خيولهم فاقتحموا منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع. وخرج علي بن أبي طالب ح في نفر من المسلمين حتى أخذَ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان نحوهم، وقد كان عمرو بن عبد ود قاتَل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحُداً، فلمّا كان يوم الخندق خرج مُعَلماً ليُري مكانه، فلمّا وقف هو وخيله قال له علي : يا عمرو، إنّك كنت تعاهد اللّه، لا يدعوك رجل من قريش إلى خلّتين إلاّ أخذتَ منه إحداهما. قال : أجل. قال : فإنّي أدعوك إلى اللّه وإلى رسوله وإلى الإسلام. قال : لا حاجة لي بذلك. قال : فإنّي أدعوك إلى النزال. قال : ولِمَ يابن أخي؟ فإنّي واللّه ما أحبّ أنْ أقتلك. قال عليح : ولكنّي واللّه أحبّ أنْ أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه وأقبل على عليّ فتناولا وتجاولا وقتله عليّ ح. وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة، وقُتل مع عمرو رجلان : منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار، أصابه سهم فمات منه بمكّة، ونوفل بن عبداللّه بن المغيرة المخزومي، وكان قد اقتحم الخندق فتورّط فيه فرموه بالحجارة، فقال : يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه، فنزل إليه عليّ فقتله فغلب المسلمون على جسده، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه أن يبيعهم جسده فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : لا حاجة لنا في جسده ولا ثمنِهِ فشأنكم به، فخلّى بينهم وبينه. قالت عائشة أُمّ المؤمنين : كنّا يوم الخندق في حصن بني حارثة، وكان من أحرز حصون المدينة، وكانت أُمّ سعد بن معاذ معنا في الحصن، وذلك قبل أن يُضرب علينا الحجاب فمرّ سعد بن معاذ وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلّها وفي يده حربته وهو يقول : لبّثْ قليلاً يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل فقالت أُمّهُ : الحقْ يا بني فقد واللّه أخرتَ، قالت عائشة : فقلتُ لها : يا اُمّ سعد واللّه لوددت أنَّ درع سعد كانت أسبغ ممّا هي، وخفت عليه حيث أصاب السهم منه، قالت : فرمي سعد يومئذ فقطع منه الأكحل، وزعموا أنّه لم ينقطع من أحد قطع إلاّ لم يزل يفيض دماً حتى يموت، رماه حيان بن قيس بن الغرقة أحد بني عامر بن لؤي، فلمّا أصابه قال : خذها فأنا ابن الغرقة فقال سعد : غرق اللّه وجهك في النار، ثمّ قال سعد : اللّهم إنْ كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، فإنّه لا قوم أحبّ إليّ من أنْ أُجاهدهم من قوم آذوا رسولك، فكذّبوه وأخرجوه، وإنْ كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية. وروى محمد بن إسحاق بن يسار، عن يحيى بن عبادة بن عبداللّه بن الزبير، عن أبيه عبادة قال : كانت صفية بنت عبد المطّلب في قارع حصن حسّان بن ثابت قالت : وكان حسّان معنا فيه مع النساء والصبيان. قالت صفية : فمرّ بنا رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنّا، ورسول اللّه والمسلمون في (نحور) عدوّهم لا يستطيعون أنْ ينصرفوا إلينا عنهم إذا أتانا آت. قالت : فقلت : يا حسّان إنّ هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإنّي واللّه ما آمنه أنْ يدلّ على عورتنا مَن ورائنا من اليهود، وقد شغل عنّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وأصحابه فانزل إليه فاقتله. فقال : يغفر اللّه لكِ يا بنت عبد المطلب، واللّه لقد عرفتِ ما أنا بصاحب هذا. قالت : فلمّا قال ذلك لي ولم أَرَ عنده شيئاً احتجزت ثمّ أخذتُ عموداً ثمّ نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتّى قتلته فلمّا فرغتُ منه، رجعت إلى الحصن فقلت : يا حسّان انزل إليه فاسلبه فإنّه لم يمنعني من سلبه إلاّ أنّه رجل، قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب. قالوا : وأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وأصحابه في ما وصف اللّه عزّ وجلّ من الخوف والشدّة لتظاهر عدوّهم عليهم وإتيانهم مِنْ فَوْقِهم ومن أسفل منهم، ثمّ إنّ نعيم بن مسعود بن عامر بن (أنيف) بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن حلاوة بن أشجع بن زيد بن غطفان أتى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يا رسول اللّه إنّي قد أسلمت وإنَّ قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه : إنّما أنت فينا رجل واحد، فخَذِّل عنّا إنْ استطعت فإنّ الحرب خدعة. فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديماً في الجاهلية، فقال لهم : يا بني قريظة، قد عرفتم ودّي إيّاكم وخاصّة ما بيني وبينكم، قالوا : صدقت لست عندنا بمتّهم، فقال لهم : إنّ قريشاً وغطفان جاءوا لحرب محمّد، وقد ظاهرتموهم عليه، وإنّ قريشاً وغطفان ليسوا (كهيئتكم)، البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أنْ تحولوا عنه إلى غيره، وإنّ قريشاً وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بغيره، وإنْ رأوا نهزة وغنيمة أصابوها، وإنْ كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به إنْ خلا بكم، فلا تقاتلوا القوم حتى تأخذوا رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أنْ يقاتلوا معكم محمّداً حتى تناجزوه، فقالوا : لقد أشرتَ برأي ونصح. ثمّ خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : يا معشر قريش قد عرفتم ودّي إيّاكم وفراقي محمّداً، وقد بلغني أمر رأيت أنَّ حقّاً عليَّ أنْ أبلّغكموه نصحاً لكم فاكتموا عليَّ. قالوا : نفعل. قال : تعلمُون أنَّ معشر اليهود قد ندموا على ما صنعوا في ما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه، أنْ قد ندِمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك عنّا أنْ نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم (فنعطيكم) فتضرب أعناقهم، ثمّ نكون معك على من بقي منهم؟ فأرسل إليهم أنْ نَعَم، فإن بعث إليكم اليهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً، ثمّ خرج حتّى أتى غطفان فقال : يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحبّ الناس إليَّ ولا أراكم تتّهموني، قالوا : صدقت، قال : فاكتموا عليَّ قالوا : نفعل، ثمّ قال لهم مثل ما قال لقريش وحذّرهم ما حذّرهم، فلمّا كانت ليلة السبت في شوّال سنة خمس، وكان ممّا صنع اللّه برسوله، أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم : إنّا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتّى نناجز محمّداً ونفرغ ممّا بيننا وبينه. فأرسلوا إليهم : إنّ اليوم السبت، وهو يوم لا يُعمل فيه شيئاً، وكان قد أحدث بعضنا فيه حدثاً فأصابه ما لم يخفَ عليكم ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمّداً، فإنّا نخشى إنْ (ضرستكم) الحرب واشتدّ عليكم القتال تسيروا إلى بلادكم، وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمّد. فلمّا رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان : تعلمون واللّه إنّ الذي حدّثكم نعيم بن مسعود لحقّ، فأرسلوا إلى بني قريظة، إنّا واللّه لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال، فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إنّ الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحقّ، ما يريد القوم إلاّ أنْ تقاتلوا، فإنْ وجدوا فرصة انتهزوها، وإنْ كان غير ذلك إنشمروا إلى بلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل في بلادكم، فأرسلوا إلى قريش وإلى غطفان : إنّا واللّه لا نقاتل معكم حتّى تعطونا رهناً، فأبوا عليهم وخذل اللّه بينهم، وبعث اللّه تعالى عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد، حتّى انصرفوا راجعين والحمد للّه ربّ العالمين. قال اللّه تعالى : {وَإِذْ زَاغَتِ} مالت {الأبْصَارِ} وشخصت {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع {وَتَظُنُّونَ بِاللّه الظُّنُونَا} فأمّا المنافقون فظنّوا أنَّ محمّداً وأصحابه سيُغلبون ويُستأصلون، وأمّا المؤمنون فأيقنوا أنّ ما وعدهم اللّه حقّ (من) أنّه سيظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون. واختلف القرّاء في قوله : الظُّنُونَا والرسولا والسبيلا، فأثبت الألفات فيها وصلاً ووقفاً، أهل المدينة والشام وأيّوب وعاصم برواية أبي بكر، وأبو عمر برواية ابن عبّاس. والكسائي برواية قتيبة، قالوا : إنّ ألفاتها ثابتة في مصحف عثمان وسائر مصاحف البلدان. وقرأها أبو عمرو في سائر الروايات وحمزة ويعقوب بغير (ألف) في الحالين على الأصل. وقرأ الباقون بالألف في الوقف دون الوصل، واحتجّوا بأنّ العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها فتلحق بالألف في موضع الفتح عند الوقوف ولا تفعل ذلك في حشو الأبيات، فحسن إثبات الألف في هذه الحروف لأنّها رؤوس الآي تمثيلاً لها بالقوافي. |
﴿ ١٠ ﴾