٢٣

قوله : {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه عَلَيْهِ} فوفوا به {فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ} يعني فرغ من نذره ووفى بعهده فصبر على الجهاد حتى استشهد،

والنحب النذر،

والنحب أيضاً الموت. قال ذو الرمّة :

عشية فر الحارثيون بعدما

قضى نحبه من ملتقى القوم هوبر

أي مات. قال مقاتل : قضى نحبه يعني أجله،

فقتل على الوفاء،

يعني حمزة وأصحابه. وقيل : قضى نحبه أي (أجهده) في الوفاء بعهده من قول العرب : نحبَ فلان في سيره يومه وليلته أجمع (إذا مد) فلم ينزل. قال جرير :

(بطخفة) جالدنا الملوك وخيلنا

عشية بسطام جرين على نحب

{وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ} الشهادة {وَمَا بَدَّلُوا} قولهم وعهدهم ونذرهم {تَبْدِيلا} .

أخبرنا عبداللّه بن حامد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدّثنا عبداللّه بن هاشم قال : حدّثنا نهر بن أسد عن سليمان بن المغيرة عن أنس قال : وأخبرنا أحمد بن عبداللّه المرني،

عن محمد بن عبداللّه بن سليمان،

عن محمد بن العلاء عن عبداللّه بن بكر السهمي،

عن حميد عن أنس قال : غاب عمّي أنس بن النضر وبه سميت أنس عن قتال بدر فشقّ عليه لما قدم وقال : غبت عن أوّل مشهد شهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه،

واللّه لئن أشهدني اللّه عزّ وجلّ قتالاً ليرينّ اللّه ما أصنع.

قال : فلمّا كان يوم أحُد انكشف المسلمون فقال : اللّهم إنّي أبرءُ إليك ممّا جاء به هؤلاء المشركون،

وأعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء،

يعني المسلمين،

ثمّ مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ،

فقال : أي سعد والذي نفسي بيده إنّي لأجد ريح الجنّة دون أُحد.

قال سعد : فما استطعت يا رسول اللّه ما صنع أنس،

فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم،

وقد مثّلوا به،

وما عرفناه حتى عرفته أُخته بثناياه،

ونزلت هذه الآية {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} .

قال : فكنا نقول : نزلت فيه هذه الآية وفي أصحابه. وأخبرنا عبداللّه بن حامد عن أحمد ابن محمد بن شاذان عن جيغويه بن محمد الترمذي،

عن صالح بن محمد،

عن سليمان بن حرب،

عن حزم،

عن عروة عن عائشة في قوله : مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ قالت : منهم طلحة بن عبيداللّه ثبت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه حتى أُصيبت يده،

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : أوجب طلحة الجنّة.

وبإسناده عن صالح عن مسلم بن خالد عن عبداللّه بن أبي نجيح أنَّ طلحة بن عبيداللّه يوم أحُد كان محتصناً للنبيّ (عليه السلام) في الخيل وقد بُهر النبيّ صلّى اللّه عليه قال : فجاء سهم عابر متوجّهاً إلى النبيّ صلّى اللّه عليه فاتّقاه طلحة بيده فأصاب خنصره فقال : (حَس) ثمّ قال : بسم اللّه،

فقال النبيّ (عليه السلام) : (لو أنَّ بها بدأت لتخطفتك الملائكة حتى تدخلك الجنّة).

وروى معاوية بن إسحاق،

عن عائشة بنت طلحة،

عن عائشة أُمّ المؤمنين قالت : إنّي لفي بيتي ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وأصحابه في الفناء وبيني وبينهم الستر إذ أقبل طلحة فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من سرّه أنْ ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة).

وأخبرني أبو عبداللّه بن فنجويه قال : أخبرني أبو محمد عبداللّه بن محمد بن سليمان بن بابويه بن قهرويه قال : أخبرني أبو عبداللّه أحمد بن الحسين بن عبدالجبّار الصوفي،

عن محمد ابن عبّاد الواسطي،

عن مكي بن إبراهيم،

عن الصلت بن دينار،

عن ابن نضر،

عن جابر،

عن أبي عبداللّه قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه يقول : (مَنْ سرّه أنْ ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد اللّه).

﴿ ٢٣