| ٢٤-٢٥{لِيَجْزِىَ اللّه الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّه كَانَ غَفُوراً رَحِيما وَرَدَّ اللّه الَّذِينَ كَفَرُوا} من قريش وغطفان {بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} نصراً وظفراً {وَكَفَى اللّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بالملائكة والريح {وَكَانَ اللّه قَوِيًّا عَزِيزًا} . قوله عزّ وجلّ : {وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم} يعني عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأهل الإيمان وهم بنو قريظة، وذلك أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لمّا أصبح من الليلة التي انصرف الأحزاب راجعين إلى بلادهم، وانصرف (عليه السلام) والمسلمون من الخندق راجعين إلى المدينة، ووضعوا السلاح، فلمّا كان الظهر أتى جبرائيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه (معتماً) بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج، ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عند زينب بنت جحش، وهي تغسل رأسه وقد غسلت شقّة فقال : قد وضعتَ السلاح يا رسول اللّه؟ قال : نعم، قال جبرائيل : عفا اللّه عنك، ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة، وما رجعت الآن إلاّ من طلب القوم، إنّ اللّه يأمرك يا محمّد بالسير إلى بني قريظة (وأنا عامدٌ إلى بني قريظة) فانهض إليهم، فإنّي قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال، فأمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) منادياً، فأذَّن إنَّ من كان سامعاً مطيعاً لا يصلّين العصر إلاّ في بني قريظة. وقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه عليّ بن أبي طالب برايته إليهم وابتدرها الناس؛ فسار علي ابن أبي طالب حتّى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة (على) رسول اللّه صلّى اللّه عليه منهم، فرجع حتّى لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه بالطريق وقال : يارسول اللّه لا عليك أنْ لا تدنو من هؤلاء الأخابث. قال : لِمَ؟ أظنّك سمعت لي منهم أذى. قال : نعم يارسول اللّه، قال : لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً، فلمّا دنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من حصونهم قال : يا إخوان القردة والخنازير هل أخزاكم اللّه وأنزل بكم نقمته؟ قالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولاً. ومرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه على أصحابه بالصورين قبل أنْ يصل إلى بني قريظة فقال : هل مرَّ بكم أحد؟ فقالوا : يا رسول اللّه لقد مرَّ بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ذاك جبرائيل بُعث إلى بني قريظة، يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم، فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه بني قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها يراقا، فتلاحق به الناس فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلّوا العصر، لقول رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لا يصلّين أحدكم العصر إلاّ في بني قريظة، فصلّوا العصر بها بعد صلاة العشاء الآخرة، فما عابهم اللّه بذلك في كتابه، ولا عنّفهم به رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) . قال : وحاصرهم رسول اللّه خمساً وعشرين ليلة حتّى جهدهم الحصار وقذف اللّه في قلوبهم الرعب، وقد كان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وقال كعب بن أسد بما كان عاهده، فلمّا أيقنوا بأنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) غير منصرف عنهم حتّى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم : يا معشر اليهود إنّه قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإنّي عارض عليكم خِلالاً ثلاث، فخذوا أيّها شئتم، فقالوا : وما هنّ؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدّقه فواللّه لقد تبيّن لكم أنّه نبيّ مرسل، وأنّه لَلذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره. قال : فإذا أبيتم هذه فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه رجالاً مصلتين بالسيوف ولم نترك وراءنا ثقلاً يهمنا حتى يحكم اللّه بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئاً نخشى عليه، وإنْ نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء، فقالوا : نقتل هؤلاء المساكين فلا خير في العيش بعدهم. قال : فإنْ أبيتم على هذه فإنّ الليلة ليلة السبت، وأنّه عسى أنْ يكون محمّد وأصحابه قد أمنوا فيها، فانزلوا لعلّنا أنْ نصيب من محمّد وأصحابه غرّة، قالوا : نفسد سبتنا ونُحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا ممّن قد علمت، فأصابهم من المسخ ما لم يَخْفَ عليك. قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أُمّه بليلة واحدة من الدهر حازما. قال : ثمّ إنّهم بعثوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول اللّه صلّى اللّه عليه إليهم، فلمّا رأوه قام إليه الرجال ونهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فَرَقَّ لهم، وقالوا : يا أبا لبابة أترى أنْ ننزل على حكم محمّد؟ قال : نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنّه الذبح. قال أبو لبابة : فواللّه ما زالت قدماي حتّى عرفت أنّي قد خنت اللّه ورسوله، ثمّ انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأتِ رسول اللّه صلّى اللّه عليه حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال : لا أبرح مكاني حتّى يتوب اللّه عليَّ ممّا صنعت، وعاهد اللّه لا يطأ بني قريظة، ولا يراني اللّه في بلد خنت اللّه ورسوله فيه أبداً. فلمّا بلغ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خبره وأبطأ عليه، قال : أما لو جاءني لاستغفرت له، فأمّا إذ فَعَل فما أنا بالذي أُطلقه من مكانه حتّى يتوب اللّه عليه، ثمّ إنّ اللّه تعالى أنزل توبة أبي لبابة على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهو في بيت أُمّ سلمة وقالت أُمّ سلمة : فسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه من السَّحَر يضحك فقلت : مِمَّ ضحكت يارسول اللّه أضحك اللّه سنّك؟ قال : تيب على أبي لبابة، فقالت : ألا أُبشّره بذلك يارسول اللّه؟ قال : بلى إنْ شئت قال : فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب الحجاب عليهن. فقالت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب اللّه عليك، قال : فسار إليه الناس ليطلقوه، فقال : لا واللّه حتّى يكون رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) هو الذي يطلقني بيده. فلمّا مرَّ عليه خارجاً إلى الصبح أطلقهُ. قال : ثمّ إنَّ ثعلبة بن شعبة وأسيد بن شعبة وأسيد بن عبيد وهم نفر من بني هزل ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي، فمرّ بحرس رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وعليها محمد بن مسلمة الأنصاري في تلك الليلة، فلمّا رآه قال : مَنْ هذا؟ قال : عمرو بن سعدي، وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه وقال : لا أغدر بمحمّد أبداً، فقال محمّد بن مسلمة حين عرفه : اللّهمّ لا تحرمني عثرات الكرام، ثمّ خلّى سبيله، فخرج على وجهه، حتّى بات في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه بالمدينة تلك الليلة، ثمّ ذهب فلا يُدرى أين ذهب من أرض اللّه إلى يومه هذا، فذُكر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه شأنه فقال : ذاك رجل نجّاه اللّه بوفائه. وبعض الناس يزعم أنّه أُوثق برمّة فيمن أُوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه، فأصبحت رمَّته ملقاة لا يُدرى أين ذهب، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه تلك المقالة واللّه أعلم. فلمّا أصبحوا نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وتواثبت الأوس، فقالوا : يا رسول اللّه إنّهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت، وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه فسألهم إيّاه عبداللّه بن أبي سلول فوهبهم له، فلمّا كلّمته الأوس قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ألا ترضون يا معشر الأوس أنْ يحكم فيهم رجل منكم)؟ قالوا : بلى. قال : (فذلك إلى سعد بن معاذ)). وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في خيمة امرأة من المسلمين، يقال لها (رفيدة) في مسجده، وكانت تداوي الجرحى، وتحبس نفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق : (اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب). فلمّا حكّمه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في بني قريظة، أتاه قومه فاحتملوه على حمار، وقد وطئوا لهُ بوسادة من أدم، وكان رجلاً جسيماً، ثمّ أقبلوا معه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وهم يقولون : يا أبا عمرو أحسن في موإليك، فإنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إنّما ولاّك ذاك لتحسن فيهم، فلمّا أكثروا عليه قال : قد أتى لسعد أنْ لا تأخذه في اللّه لومة لائم، فرجع بعض من كان معه إلى دار بني عبد الأشهل فنعي لهم رجال بني قريظة قبل أنْ يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه. فلمّا انتهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه قال : قوموا إلى سيّدكم فأنزلوه. فقاموا إليه فقالوا : يا أبا عمرو إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قد ولاّكَ مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد : عليكم بذلك عهد اللّه وميثاقه أنّ الحكم فيها ما حكمت؟ قالوا : نعم، قال : وعليّ من هاهنا في الناحية التي فيها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهو معرض عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إجلالاً له، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) نعم. قال سعد : فإنّي أحكم فيهم، أنْ يُقتل الرجال، وتُقسم الأموال، وتسبى النساء والذراري، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لسعد : لقد حكمت بحكم اللّه من فوق سبعة أرقعة، ثمّ استنزلوا فحبسهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في دار بنت الحارث امرأة من بني النجّار، ثمّ خرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خندقاً ثمّ بعث إليهم فضرب أعناقهم، فهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليه أرسالاً وفيهم عدوّ اللّه حيي بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول : كانوا من الثمانمائة إلى التسعمائة. وقيل : قالوا لكعب بن أسد وهو يذهب بهم إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أرسالاً : يا كعب ما ترى أنْ يُصنع بنا؟ فقال كعب : في كلّ موطن لا تعقلون ألا ترون أنّ الداعي لا ينزع وأنَّ مَن يذهب به منكم لا يرجع، هو واللّه القتل. فلم يزل ذلك دأبهم حتى فرغ منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وأُتي بحيي بن أخطب عدوّ اللّه وعليه حلة تفاحية قد شققها عليه من كلّ ناحية كموضع الأنملة (أنملة أنملة) لئلاّ يسلبها، مجموعه يداه إلى عنقه بحبل، فلمّا نظر إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : أما واللّه ما لمتُ نفسي في عداوتك، ولكنّه مَن يخذل اللّه يُخذلِ، ثمّ أقبل على الناس، فقال : أيّها الناس، إنّه لا بأس بأمر اللّه، كتاب اللّه وقدره، وملحمة كتبت على بني إسرائيل، ثمّ جلس فضربت عنقه فقال هبل بن حواس (الثعلبي) : لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل اللّه يخذل يجاهد حتى أبلغ النفس عذرها وقلقل يغبي العز كل مقلقل وروى عروة بن الزبير عن عائشة قالت : لم يقتل من نساء بني قريظة إلاّ امرأة واحدة، قالت : واللّه إنّها لعندي تتحدّث معي وتضحك ظهراً، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه يقتل رجالهم بالسوق؛ إذ هتف هاتف باسمها : أين فلانة؟ قالت : أنا واللّه. قالت : قلت : ويلك ما لك؟ قالت : أُقتل. قلت : ولِمَ؟ قالت : حدثٌ أحدثته. قال : فانطلق بها فضربت عنقها، وكانت عائشة تقول : ما أنسى كذا عجباً منها طيب نفس، وكثرة ضحك، وقد عرفت أنّها تُقتل. قال الواقدي : واسم تلك المرأة بنانة امرأة الحكم القرظي، وكانت قد قتلت خلاّد بن سويد، رمت عليه رحا، فدعا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بها وضربت عنقها بخلاّد بن سويد، وكان علي والزبير يضربان أعناق بني قريظة ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) جالس هناك. وروى محمد بن إسحاق عن الزهري أنَّ الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن كان قد مَنَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية يوم بغاث أخذه فجرّ ناصيته، ثمّ خلّى سبيله، وجاءه يوم قريظة، وهو شيخ كبير فقال : يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني؟ فقال : وهل يجهل مثلي مثلك؟ قال : إنّي قد أردت أن أجزيك بيدك عندي، قال : إنّ الكريم يجزي الكريم، قال : ثمّ أتى ثابت رسول اللّه صلّى اللّه عليه فقال : يا رسول اللّه قد كان للزبير عندي يد وله عليَّ مِنَّة، وقد أحببتُ أنْ أجزيه بها فَهَبْ لي دمه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : (هو لك). فأتاه فقال له : إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قد وهب لي دمك. فقال : شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة؟ فأتى ثابتُ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يارسول اللّه أهله وولده؟ فقال : (هم لك). فأتاه فقال : إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قد أعطاني امرأتك وولدك فهم لك. فقال : أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك؟ فأتى ثابت رسول اللّه فقال : يا رسول اللّه ماله. فقال : هو لك، فأتاه فقال : إنّ رسول اللّه قد أعطاني مالك فهو لك. فقال أي ثابت : ما فعل الذي كأنّ وجهه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى الحي كعب بن أسد قال : قتل. قال : فما فعل سيد الحاضر والبادي حُيّي بن أخطب؟ قال : قتل. قال : فما فعل مقدمنا إذا شددنا، وحامينا إذا كررنا أعزال ابن سموأل؟ قال : قتل. قال : فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة، قال : ذهبوا قتلوا، قال : وإنّي اسألك بيدي عندك يا ثابت إلاّ ألحقتني بالقوم، فواللّه ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فها أنا صابر للّه حتى ألقى الأحبّة، فقدّمه ثابت فضرب عنقه، فلمّا بلغ قوله أبا بكر ألقى الأحبّة، فقال : يلقاهم واللّه في نار جهنّم خالداً فيها مخلّداً أبداً، فقال ثابت بن قيس في ذلك : وفت ذمّتي إني كريم وإنّني صبور إذا ما القوم حادوا عن الصبرِ وكان زبير أعظم الناس منّةٌ عليَّ فلما شد كوعاه بالأسرِ أتيت رسول اللّه كي ما أفكّه وكان رسول اللّه بحراً لنا يجري قالوا : وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه قد أمر بقتل من أُسر منهم، فسألته سليمى بنت قيس أُمّ المنذر أُخت سليط بن قيس وكانت إحدى خالات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وكانت قد صلّت معه القبلتين وبايعته بيعة النساء رفاعةً بن سموأل القرظي وكان رجلاً قد بلغ، فَلاذَ بها وكان يعرفها قبل ذلك فقالت : يا نبي اللّه بأبي أنت وأُمّي هب لي رفاعة بن سموأل، فإنّه زعم أنّه سيصلّي ويأكل لحم الجمل، فوهبه لها (فاستحيته) قالوا : ثمّ إنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه قَسَّم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأعلم في ذلك اليوم سهمان للخيل وسهمان للرجال، وأخرج منها الخمس، وكان للفارس ثلاثة أسهم : للفرس سهمان وللفارس سهم، وللرّاجل ممّن ليس له فرس سهم، وكانت الخيل يوم بني قريظة ستّة وثلاثون فرساً، وكان أوّل فيء وقع فيه السهمان، وأخرج منه الخمس فعلى سنتها وما مضى من رسول اللّه فيها وقعت المقاسم ومضت السنّة في المغازي، ثمّ بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع له بهم خيلاً وسلاحاً. وكان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن حنافة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه حتى توفّي عنها وهي في ملكه، وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه يحرص أنْ يتزوّجها ويضرب عليها الحجاب، فقالت : يارسول اللّه بل تتركني في ملكك فهو أخفّ عليَّ وعليك فتركها، وقد كانت حين سباها كرهت الإسلام وأبتْ إلاّ اليهودية، فعزلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه ووجد في نفسه بذلك من أمرها، فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه، فقال : إنّ هذا لثعلبة بن شعبة يبشِّرني بإسلام ريحانة، فجاءَه فقال : يا رسول اللّه قد أسلمت ريحانة فسرّه ذلك. فلمّا انقضى شأن بني قريظة الفجر خرج سعد بن معاذ، وذلك أنّه دعا بعد أنْ حكم في بني قريظة ما حكم فقال : اللّهمّ إنّك قد علمت أنّه لم يكن قوم أحبّ إليَّ من أنْ أجاهدهم من قوم كذّبوا رسولك، اللّهمّ إنْ كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئاً فأبقني لها، وإنْ كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك فانفجر كلمه فرجعه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى خيمته التي ضرب عليه في المسجد. قالت عائشة : فحضره رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأبو بكر وعمر، فوالذي نفس محمّد بيده إنّي لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإنّي لفي حجرتي، قالت : وكانوا كما قال اللّه عزّ وجلّ : {رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} . قال علقمة : (أي أمّه) كيف كان يصنع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنّه كان إذا اشتدّ وجده فإنّما هو آخذ بلحيتهِ، قال محمّد بن إسحاق : لم يقتل من المسلمين يوم الخندق إلاّ ستّة نفر، وقتل من المشركين ثلاثة نفر، وقتل يوم قريظة من المسلمين خلاّد بن سويد بن ثعلبة طرحت عليه رحى فشدخته فقط. ولمّا انصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه من الخندق وقريظة قال : الآن نغزوهم يعني قريشاً ولا يغزوننا، فكان كذلك حتّى فتح اللّه على رسوله مكّة، وكان فتح بني قريظة في آخر ذي القعدة سنة خمس للّهجرة فذلك قوله اللّه عزّ وجلّ : | 
﴿ ٢٥ ﴾