٣٧

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِ} الآية.

وذلك أنَّ زينب مكثت عند زيد حيناً،

ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه أتى زيداً ذات يوم لحاجة،

فأبصرها قائمة في درع وخمار فأعجبته،

وكأنّها وقعت في نفسه فقال : سبحان اللّه مقلِّب القلوب وانصرف.

فلمّا جاء زيدٌ،

ذكرت ذلك له ففطن زيد،

كرهت إليه في الوقت،

فألقي في نفس زيد كراهتها،

فأراد فراقها،

فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه فقال : إنّي أُريد أنْ أُفارق صاحبتي. قال : ما لكَ؟

أرابك منها شيء؟

قال : لا واللّه يا رسول اللّه ما رأيت منها إلاّ خيراً،

ولكنّها تتعظّم عليَّ بشرفها وتؤذيني بلسانها،

فقال له النبي (عليه السلام) : أمسك عليك زوجك واتّقِ اللّه،

ثمّ إنَّ زيداً طلّقها بعد ذلك،

فلمّا انقضت عدّتُها،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه لزيد : ما أجد أحداً أوثق في نفسي منك. أئت زينب فاخطبها عَليّ.

قال زيد : فانطلقت،

فإذا هي تخمّر عجينها،

فلمّا رأيتها،

عظمت في صدري حتى ما أستطيع أنْ أنظر إليها حين علمت أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ذكرها فولّيتها ظهري،

وقلت : يا زينب أبشري فإنّ رسول اللّه يخطبك،

ففرحت بذلك وقالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتّى أوامر ربي،

فقامت إلى مسجدها وأُنزل القرآن {زَوَّجْنَاكَهَا} فتزوّجها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ودخل بها،

وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها،

ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللّحم حتّى امتد النهار،

فذلك قوله عزّ وجلّ : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِ} بالإسلام {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالإعتاق وهو زيد بن حارثة {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} يعني زينب بنت جحش وكانت ابنة عمّة النبي صلّى اللّه عليه.

{وَاتَّقِ اللّه} فيها {وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ} أنْ لو فارقها تزوّجتها.

قال ابن عبّاس : حبّها. وقال قتادة : ودَّ أنّه لو طلّقها. {وَتَخْشَى النَّاسَ} قال ابن عبّاس والحسن : تستحيهم،

وقيل : وتخاف لائمة الناس أنْ يقولوا أمر رجلاً بطلاق امرأته ثمّ نكحها حين طلّقها. {وَاللّه أَحَقُّ أَن تَخْشَ اهُ} قال عمر وابن مسعود وعائشة : ما نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه آية هي أشدّ عليه من هذه الآية.

وأخبرني الحسين بن محمد الثقفي عن الفضل بن الفضل الكندي قال : أخبرني أبو العبّاس الفضل بن عقيل النيسابوري،

عن محمد بن سليمان قال : أخبرني أبو معاوية عن داود بن أبي هند،

عن الشعبي،

عن مسروق،

عن عائشة قالت : لو كتم النبييّ (صلى اللّه عليه وسلم) شيئاً ممّا أُوحي إليه لكتم هذه الآية {وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ} .

وقد روي عن زين العابدين في هذه الآية ما أخبرني أبو عبداللّه بن فنجويه عن طلحة بن محمد وعبداللّه بن أحمد بن يعقوب قالا : قال أبو بكر بن مجاهد عن بن أبي مهران،

حدّثني محمد بن يحيى أبي عمر العرني،

عن سفيان بن عيينة قال : سمعناه من علي بن زيد بن جدعان يبديه ويعيده قال : سألني علي بن الحسين : ما يقول الحسن في قوله عزّ وجلّ : {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ وَاللّه أَحَقُّ أنْ تَخْشاهُ} ؟

فقلت يقول : لما جاء زيد إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يا نبي اللّه إنّي أُريد أن أُطلّق زينب،

فأعجبه ذلك،

قال : {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللّه} قال علي بن الحسين : ليس كذلك،

كان اللّه عزّ وجلّ قد أعلمه أنّها ستكون من أزواجه فإنّ زيداً سيطلّقها فلمّا جاء زيد قال : إنّي أُريد أن أطلقّ زينب،

فقال : أمسك عليك زوجك واتّق اللّه. يقول : فلِمَ قلت : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوجَكَ،

وقد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجكَ. وهذا التأويل مطابق للتلاوة وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ حكم واعلم ابداء ما أخفى،

واللّه لا يخلف الميعاد،

ثمّ لم نجده عزّ وجلّ أظهر من شأنه غير التزويج بقوله : {زَوَّجْنَاكَهَا} .

فلو كان أضمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه محبّتها،

أو أراد طلاقها،

لكان لا يجوز على اللّه تعالى كتمانه مع وعده أنْ يظهره،

فدلّ ذلك على أنّه (عليه السلام) إنّما عوتب على قوله : {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} مع علمه بأنّها ستكون زوجته،

وكتمانه ما أخبره اللّه سبحانه به حيث استحيى أن يقول لزيد : إنّ التي تحتك ستكون امرأتي واللّه أعلم.

وهذا قولٌ حَسن مرضي قوي،

وإن كان القول الآخر لا يقدح في حال النبيّ صلّى اللّه عليه،

لاِنّ العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه لمأثم.

قوله : {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا} أي حاجته من نكاحها {زَوَّجْنَاكَهَا} فكانت زينب تفخر على نساء النبي (عليه السلام) فتقول : أنا أكرمكنَّ وليّاً،

وأكرمكنَّ سفيراً،

زوجكن أقاربكن وزوّجني اللّه عزّ وجلّ.

وأخبرنا أبو بكر الجوزقي قال : أخبرنا أبو العبّاس الدغولي قال : أخبرني أبو أحمد محمد ابن عبد الوهاب ومحمد بن عبيداللّه بن قهراذ جميعاً،

عن جعفر (بن محمّد) بن عون،

عن المعلى بن عرفان عن محمّد بن عبداللّه بن جحش قال : تفاخرت زينب وعائشة،

وقالت زينب : أنا التي نزل تزوّجي من السماء،

فقالت عائشة : أنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعطل على الراحلة،

فقالت زينب : وما قلتِ حين ركبتها؟

قالت : قلت : حسبي اللّه ونعم الوكيل قالت : كلمة المؤمنين.

وأنبأني عقيل بن محمد أنّ المعافى بن زكريا أخبره عن محمد بن جرير،

عن ابن حَميد عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال : كانت زينب تقول للنبيّ (عليه السلام) : إنّي لأدلّ عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدلّ بهن : جدّي وجدّك واحد،

وإنّي أنكحنيك اللّه في السماء،

وإنّ السفير لجبرائيل.

قوله : {لِكَىْ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآهِمْ} الذين تبنوه {إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} بالنكاح وطلقوهن أو ماتوا عنهن. قال الحسن : كانت العرب تظنّ أنّ حرمة المتبنى مشبّكة كاشتباك الرحم،

فميّز اللّه تعالى بين المتبنى وبين الرحم فأراهم أنّ حلائل الأدعياء غير محرّمة عليهم لذلك قال : {وَحَلَائلُ أَبْنَآكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} فقيَّد {وَكَانَ أَمْرُ اللّه مَفْعُولا} كائناً لا محالة،

وقد قضى في زينب أنْ يتزوّجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه.

﴿ ٣٧