١٦قوله تعالى : {فَأَعْرِضُوا} ، قال وهب : بعث اللّه إلى سبأ ثلاثة عشر نبياً فدعوهم إلى اللّه، وذكروهم نعَمه عليهم، وأنذروهم عقابه، فكذبوهم وقالوا : ما نعرف للّه علينا نعمة. فقولوا لربكم الذي تزعمون فليحبس هذه النعمة عنا إن استطاع، فذلك قوله عز وجل : {فَأَعْرِضُوا} . {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} ، والعرم : السد والمسناة التي تحبس الماء واحدتها عرمة، وأصلها من العرامة وهي الشدة والقوة. وقال ابن عباس ووهب وغيرهما : كان هذا السد يسقي جنتيهم، وكان فيما ذُكر بنته بلقيس وذلك أنها لما ملكت جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها، فتركت ملكها وانطلقت إلى قصر لها فنزلته، فلما كثر الشر بينهم وندموا أتوها فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها فأبت، فقالوا : لترجِعنَّ أو لنقتلنّكِ. فقالت : إنكم لا تطيعونني وليست لكم عقول. قالوا : فإنا نطيعكِ فإنا لم نجد فينا خيراً بعدكِ. فجاءت فأمرت بواديهم فسد بالعرم وهو المسناة بلغة حمير، فسدت ما بين الجبلين بالصخر والقار، وجعلت له أبواباً ثلاثة بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة ضخمة، فجعلت فيها اثني عشر مخرجاً على عدة أنهارهم، فلما جاء المطر اجتمع إليه ماء الشجر وأودية اليمن، فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه في البركة وأمرت بالبعر فأُلقي فيها، فجعل بعض البعر يخرج أسرع من بعض، فلم تزل تضيق تلك الأنهار وترسل البعر في الماء حتى خرجت جميعاً معاً فكانت تقسمه بينهم على ذلك، حتى كان من شأنها وشأن سُليمان ما كان. وبقوا على ذلك بعدها، وكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الباب الثاني، ثم من الباب الأسفل ولا ينفد الماء، حتى يؤوب الماء من السنة المقبلة. فلما طغوا وكفروا، سلط اللّه عليهم جرذاً يسمى الخَلَد فنقب من أسفله، فغرّق الماء جناتهم وخرب أرضهم. وقال وهب : وكانوا فيما يزعمون يجدون في علمهم وكهانتهم أنه يخرب سدهم ذلك فأرة، فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلاّ ربطوا عندها هرة، فلما جاء زمان وما أراد اللّه بهم من التفريق أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء إلى هرة من تلك الهرر فساورتها حتى استأخرت عنها الهرة، فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت في السد فنقبت وحفرت حتى وهنته للسيل وهم لا يعلمون ذلك. فلما جاء السيل وجد خللاً فدخل فيه حتى قلع السد وفاض على أموالهم فغرّقها ودفن بيوتَهم الرملُ، وفرّقوا ومزقوا حتى صاروا مثلاً عند العرب (فقالوا) : تفرقوا أيادي سبأ، وأيدي سبأ، فذلك قوله تعالى : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} . وقيل : العرم هو المطر الشديد من العرامة وهي التمرّد والعصيان. {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أُكل خمط} قراءة العامة بالتنوين، وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالإضافة، وهما متقاربتان كقول العرب : في بستان فلان أعنابُ كرم وأعنابٌ كرمٌ، فتضيف أحياناً الأعناب إلى الكرم؛ لأنه منه، وتنون أحياناً الأعناب، ثم يترجم بالكرم عنها؛ إذ كانت الأعناب ثمر الكرم. والأكل : الثمر، والخمط : الأراك في قول أكثر المفسرين، وقيل : كل شجرة ذات شوك، وقيل : شجرة الغضا، وقيل : هو كل نبت قد أخذ طعماً من المرارة حتى لا يمكن أكله، {وَأَثْلٍ} وهو الطرفاء، عن ابن عباس، وقيل : هو شجر شبيه بالطرفاء إلاّ أنه أعظم منه، وقال الحسن : الإثل الخشب. قتادة : ضرب من الخشب، وقيل : هو السمر. أبو عبيدة : هو النضار. {وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} ، قال قتادة : بينما شجر القوم من خير الشجر إذ صيره اللّه من شر الشجر بأعمالهم. قال الكلبي : فكانوا يستظلون بالشجر ويأكلون البربر وثمر السدر وأبوا أن يجيبوا الرُسل |
﴿ ١٦ ﴾