١٣{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} وهي أنطاطية {إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ} يعني رُسل عيسى : قالت العلماء بأخبار الأنبياء : بعث عيسى (عليه السلام) رسولين من الحواريين إلى أنطاكية، فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنيمات وهو حبيب صاحب (ياس)، فسلما عليه، فقال الشيخ : من أنتما؟ قالا : رسولا عيسى يدعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرَّحْمن. فقال : أمعكما آية؟ قالا : نعم، نشفي المرضى ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن اللّه. فقال الشيخ : إنّ لي ابناً مريضاً صاحب فراش منذ سنين. قالا : فانطلق بنا إلى منزلك نتطلع حاله. فأتى بهما إلى منزله، فمسحها ابنه فقام في الوقت بإذن اللّه صحيحاً، ففشا الخبر في المدينة وشفى اللّه على يديهما كثيراً من المرضى، وكان لهم ملك يقال له سلاحين، وقال : وهب اسمه ابطيحيس، وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام، قالوا : فانتهى الخبر إليه فدعاهما، فقال لهما : من أنتما؟ قالا : رسولا عيسى. قال : وما آيتكما؟ قالا : نبرئ الأكمه والأبرص، ونُشفي المرضى بإذن اللّه. قال : وفيم جئتما؟ قالا : جئناك ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يُبصر إلى عبادة من يسمع ويُبصر. فقال الملك : أو لنا إله سوى آلهتنا؟ قالا : نعم من أوجدك وآلهتك. قال : قوما حتى أنظر في أمركما. فتتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق. وقال وهب بن منبه : بعث عيسى (عليه السلام) هذين الرسولين إلى أنطاكية فأتياها ولم يصلا إلى ملكها فطالت مدة مقامهما، فخرج الملك ذات يوم : فكبرا وذكرا اللّه، فغضب الملك وأمر بهما فأُخذا وحُبسا وجلد كل واحد منهما مئة جلدة. قالوا : فلما كُذب الرسولان وضُربا، بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما لينصرهما. فدخل شمعون البلدة متنكراً وجعل يُعاشر حاشية الملك حتى أنَسوا به فرُفع خبره إلى الملك فدعاه فرضى عشرته، وآنس به وأكرمه. ثم قال له ذات يوم : أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال الملك : حال الغضب بيني وبين ذلك. قال : فإذا رأى الملك دعاهما حتى نتطلع ما عندهما. فدعاهما الملك فقال لهما شمعون : من أرسلكما إلى ها هنا؟ قالا : اللّه الذي خلق كل شيء وليس له شريك. فقال لهما شمعون : فصِفاهُ وأوجزا. فقالا : إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يُريد. قال شمعون : وما آيتكما؟ قالا له : ما تتمناه. فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين موضع عينيه كالجبهة. فما زالا يدعوان ربّهما حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين فبصر بهما، فتعجب الملك، فقال شمعون للملك : أرأيت (لو) سألت إلهك حتى يصنع صنيعاً مثل هذا فيكون لك الشرف ولإلهك. فقال له الملك : ليس عندي سر إنّ إلهنا الذي نعبده لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويُصلّي كثيراً ويتضرع، حتى ظنوا أنه على ملتهم. وقال الملك للرسولين : إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما. قالا : إلهنا قادر على كل شيء. فقال الملك : إنّ ها هنا ميتاً مات منذ سبعة أيام ابناً لدهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائباً. فجاؤوا بالميت وقد تغيّر وأروح، فجعلا يدعوان ربهما علانية، وجعل شمعون يدعو ربه سراً. فقام الميت وقال : إني قد مُتُ منذ سبعة أيام، ووُجدت مشركاً فأُدخلت في تسعة أودية من النار، وأنا أُحذركم ما أنتم فيه، فآمنوا باللّه. ثم قال : فتحت أبواب السماء فنظرت فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة. قال الملك : ومن الثلاثة؟ قال : شمعون وهذان، وأشار إلى صاحبيه. فتعجب الملك، فلما علم شمعون أنّ قوله أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه، فآمن قوم وكان الملك فيمن آمن، وكفر آخرون. |
﴿ ١٣ ﴾