٢٢-٢٣

{وَخَلَقَ اللّه السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ بِالحَقِ وَلِتُجزَى كُلُّ نَفس بِمَا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه}.

قال ابن عباس والحسين وقتادة : ذلك الكافر إتخذ دينه ما يهواه،

فلا يهوى شيئاً إلاّ ركبه،

إِنّه لا يؤمن باللّه ولا يخافه ولا يحرم ما حرم اللّه ولا يحل ما أحل اللّه،

إنّما دينه ما هويت نفسه يعمل به ولا يحجزه عن ذلك تقوى.

وقال آخرون : معناه أفرأيت من إتخذ معبوده هواه،

فيعبد ما يهوى.

قال سعيد بن جبير : كانت قريش تعبد العُزي وهو حجر أبيض حيناً من الدهر،

وكانت العرب تعبد الحجارة والذهب والفضة،

فإذا وجدوا شيئاً أحسن من الأول رموه أو كسروه أو ألقوه في بئر،

وعبدوا الآخر،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

وقال مقاتل : نزلت في الحارث بن قيس التميمي أحد المستهترين،

وذلك إنّه كان يعبد ما تهواه نفسه.

أخبرنا ابن فنجويه،

حدثنا طلحة وعبيد اللّه،

قالا : حدثنا ابن مجاهد،

حدثني ابن أبي مهران،

حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر،

قال : قال سفيان بن عيينة : إنّما عبدوا الحجارة لإنّ البيت حجارة.

وقال الحسين بن الفضل : في هذه الآية تقديم وتأخير مجازها : أَفرأيت من أتخذ هواه إلهه.

أخبرنا ابن فنجويه،

حدثنا عبيد اللّه بن محمد بن شنبه،

حدثنا محمد بن عمران بن هارون،

حدثنا أبو عبيد اللّه المخزومي،

حدثنا سفيان بن عيينة،

عن ابن شبرمه،

عن الشعبي،

قال : إنّما سمي الهوى لإنّه يهوي بصاحبه في النّار.

وبه عن سفيان،

عن سليمان الأحول،

عن طاووس،

عن ابن عباس،

قال : ما ذكر اللّه عز وجل هوى في القرآن إلاَّ ذمه.

فروى أبو أُمامة،

عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إنّه،

قال : (ما عبد تحت السّماء إله أبغض إلى اللّه من هوى).

وقال (صلى اللّه عليه وسلم) (ثلاث مهلكات : شح مطاع،

وهوى متبع،

وإعجاب المرء بنفسه).

وروى ضمرة بن حبيب،

عن شداد بن أوس إنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت،

والفاجر من إتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه).

وقال مضر القاضي : لنحت الجبال بالأظافير حتّى تتقطع الأوصال،

أهون من مخالفة الهوى إذا تمكن في النفوس.

وسئل ابن المقفع عن الهوى،

فقال : هوانٌ سرقت نونه،

فنظمه الشاعر :

نون الهوان من الهوى مسروقة

فاذا هويت فقد لقيت هوانا

وقال آخر :

إنّ الهوى لهو الهوان بعينه

فإذا هويت فقد كسبت هوانا

وإذا هويت فقد تعبدك الهوى

فإخضع لحبّك كائناً من كانا

أنشدنا أبو القاسم الحبيبي،

أنشدنا أبو حاتم محمّد بن حيان المسني،

قال : ولم ار أكمل منه. قال : وأنشدنا محمد بن علي الحلاري لعبد اللّه المبرك :

ومن البلاء للبلاء علامة

أن لا يرى لك عن هواك نزوع

العبد عبد النفس في شهواتها

والحر يشبع تارة ويجوع

وأنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد الحبيبي،

أنشدنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي،

أنشدنا أبو المثنى معاذ بن المثنى العنبري،

عن أبيه لأبي العتاهية :

فإعص هوى النفس ولا ترضها

إنك إن أسخطتها زانكا

حتّى متى تطلب مرضاتها

وإنّها تطلب عدوانكا

وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي،

أنشدنا أبو عبيد الطوسي :

والنفس إن أعطيتها مناها

فاغرة نحو هواها فاها

وسمعت أبا القاسم يقول : سمعت أبا نصر بن منصور بن عبد اللّه الأصبهاني بهراة يقول : سمعت أبا الحسن عمرو بن واصل البحتري يقول : سئل سهل بن عبد اللّه التستري عن الهوى؛ فقال للسائل : هواك يأمرك فإن خالفته فرّط بك،

وقال : إذا عرض لك أمران شككت خيرها فإنظر أبعدهما من هواك فإنه.

وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي،

أنشدنا الإمام أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال المشاشي بمرو وأنشدني أبو بكر الزيدي :

إذا طالبتك النفس يوماً بشهوة

وكان إليها للخلاف طريق

فدعها وخالف ما هويت فإنما

هواك عدوٌّ والخلاف صديق

قوله سبحانه وتعالى :

{وَأَضَلَّهُ اللّه عَلَى عِلْمٍ} منه بعاقبة أمره. {وَخَتَمَ} طبع. {عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} قرأ حمزة والكسائي وخلف {غِشَاوَةً} بفتح (الغين) من غير (ألف) والباقون {غِشَاوَةً} (بالألف) وكسر (الغين).

﴿ ٢٣