٢٤

{فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللّه أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ وَقَالُوا} يعني المشركين. {مَا هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} يموت الآباء ويحيا الأبناء. {وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلا الدَّهْرُ} وما يفنينا إِلاَّ الزمان وطول العمر وفي حرف عبد اللّه وما يهلكنا الدهر يمر.

{وَمَا لَهُم بذلك مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} أخبرنا الحسين بن فنجويه بقراءتي حدثنا أبو حذيفة أحمد بن محمّد بن علي الدينوري،

حدثنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي،

حدثنا أحمد بن المقدام العجلي،

حدثنا سفيان بن عيينة بن ابي عمران،

عن الزهري،

عن سعيد ابن المسيب،

عن أبي هريرة،

عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (كان أهل الجاهلية يقولون : إنّما الليل والنهار هو الّذي يهلكنا يميتنا ويحيينا) فقال اللّه تعالى في كتابه : {مَا هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلا الدَّهْرُ} فيسبون الدّهر.

فقال اللّه تعالى : يؤذيني إبن آدم يسب الدّهر وأنا الدّهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار).

أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد اللّه بن حمدون بقراءتي عليه في صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة فاقرّبه،

أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن،

حدثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر وأحمد بن يوسف،

قالوا : حدثنا عبد الرزاق بن همام،

أخبرنا معمر بن راشد،

عن همام بن منبه بن كامل بن سيج،

قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة،

عن محمد (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (قال اللّه تعالى : لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر فإنّي أنا الدهر،

أُرسل الليل والنهار،

فإذا شئت قبضتهما).

أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه،

أخبرنا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي سمرة،

حدثنا عبد الملك بن أحمد البغدادي،

حدثنا محمود بن خداش،

حدثنا سفيان بن محمد الثوري،

عن الأعمش،

عن أبي صالح،

عن أبي هريرة،

قال : قال رسول اللّه (عليه السلام) : (لا تسبوا الدهر فإنّ اللّه تعالى هو الدهر).

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في تفسير هذا الحديث : إنّ هذا مما لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن من شأن العرب أن يذموا الدهر عند المصائب والنوائب (.......) إجتاحهم الدهر وتخوفتهم الأيام وأتى عليهم الزمان وما أشبه ذلك حتّى ذكروها في أشعارهم،

(ونسبوا الأحداث إليه).

قال عمرو بن قميئة :

رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى

فكيف بمن يرمي وليس برام

فلو أنَّها نَبلٌ إذاً لاتقيتها

ولكنّني أرمي بغير سهام

على الراحتين مرة وعلى العصا

أنوء ثلاثاً بعدهنْ من قيامي

وروي إنّ الشعببي دخل على عبد الملك بن مروان وقد ضعف. فسأله عن حاله،

فأنشده هذه الأبيات :

فاستأثر الدهر الغداة بهم

والدهر يرميني ولا أرمي

يا دهر قد أكثرت فجعتنا

بسراتنا ووقرت في العظم

وتركتنا لحم على وضم

لو كنت تستبقي من اللحم

وسلبتنا ما لست تعقبنا

يا دهر ما أنصفت في الحكم

وأنشدنا أبو القاسم السدوسي،

أنشدنا عبد السميع بن محمد الهاشمي،

أخبرنا أبو الحسن العبسي لإبن لنكك في هذا المعنى :

قل لدهر عن المكارم عطل

يا قبيح الفعال جهم المحيا

كم كريم حططته من بقاع

ولئيم ألحقته بالثريا

قال أبو عبيده : وناظرت بعض الملاحدة. فقال : إلاّ تراه يقول : فإنّ اللّه هو الدهر. فقلت له : وهل كان أحد يسب اللّه في أياد الدهر،

بل كانوا يقولون كما قال الأعشى :

استأثر اللّه بالوفاء وبالعدل

وولى الملامة الرجلا

قال : فتأويل قوله (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ اللّه هو الدهر)،

إن اللّه جل ذكره هو الّذي يأتي بالدهر والشدائد والمصائب فإذا سببت الدهر وقع السب على اللّه تعالى لأنّه فاعل هذه الأشياء وقاضيها ومدبرها.

وقال الحسين بن الفضل : مجازه : فإنّ اللّه هو مدهّر الدهور.

وروي عن علي ح في خطبة له : مُدهّر الدهور،

ومن عنده الميسور،

ومن لدنه المعسور.

ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن النيسابوري،

حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن الكارزي،

حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن القاسم الجمحي،

حدثنا عسر بن أحمد،

قال : بلغني إنّ سالم بن عبد اللّه بن عمر كان كثيراً ما يذكر الدهر،

فزجرهُ أبوه عبد اللّه بن عمر،

وقال له : يا بني إياك وذكر الدهر،

وأنشد :

فما الدهر بالجاني لشيء لحينه

ولا جالب البلوى فلا تشتم الدهرا

ولكن متى ما يبعث اللّه باعثاً

على معشر يجعل مياسيرهم عُسْرَا وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي،

أنشدنا الشيخ أبو محمد أحمد بن عبد اللّه المزني،

أنشدنا معاذ بن نجدة بن العريان :

دار الزمان على الأمور فإنّه

(إن لحدا أزراك) بالآلام

وذو الزمان على الملام فإنما

يحكي الزمان مجاري الأقلام

يُشكى الزمان ويستزاد وإنّما

بيد المليك ساند الأحكام

وأنشدنا الأستاذ أبو القاسم،

أنشدني أبي،

أنشدني أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي :

يا عاتبَ الدهر إذا نابَهُ

لا تلم الدّهر على عذره

ألدهر مأمور له آمرٌ

وينتهي الدهر إلى أمره

كم كافر أمواله جمة

تزداد أضعافاً على كفره

ومؤمن ليس له درهم

يزدادا ايماناً على فقره

﴿ ٢٤