٢٠{أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّار} فيقال لهم : {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} قرأ أبو جعفر وابن كثير ويعقوب (أذهبتم طيباتكم) بالاستفهام، واختلف فيه عن أهل الشام، وغيرهم بالخبر، وهما صحيحتان فصيحتان لأنّ العرب تستفهم بالتوبيخ وتترك الاستفهام فيه. فتقول : أذهبت ففعلت كذا وكذا؟، وذهبت ففعلت وفعلت؟ {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} أخبرنا ابن محمّد بن الحسين بن منجويه، حدّثنا عبداللّه بن إبراهيم بن علي بن عبداللّه، حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم الكرابيسي، حدّثنا حميد بن الربيع، حدّثنا أبو معمر، حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا محمّد بن حجارة، عن حميد الشامي، عن سليمان، عن ثوبان مولى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : كان رسول اللّه إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة عليها السلام. فلمّا قدم من غزوة فأتاها فأذا لمحَ وقيل : لمح على بابها ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضّة، فرجع ولم يدخل عليها، فلمّا رأت ذلك فاطمة ظنّت إنّه لم يدخل عليها من أجل ما رأى، فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصّبيين، فقطعتهما، فبكى الصبيّان، فقسمته بينهما نصفين، فانطلقا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهما يبكيان، فأخذه رسول اللّه منهما، وقال : (يا ثوبان إذهب بهذا إلى بني فلان أهل بيت بالمدينة واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج) قال : (فإنّ هؤلاء أهل بيتي ولا أحبّ أن يأكلوا طيّباتهم في الحياة الدُّنيا). أنبأني عقيل بن محمّد، قال : أخبرنا المعافى بن زكريا، أخبرنا محمّد بن جرير، حدّثنا كثير، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيد، عن قتادة، قال : حدّثنا صاحب لنا، عن أبي هريرة، قال : إنّما كان طعامنا مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الأسودان : الماء، والتمر، واللّه ما كنا نرى سمراكم هذه ولا ندري ما هي. وبه عن قتادة، عن أبي بردة بن عبداللّه بن قيس الأشعري، عن أبيه، قال : أي بُني لو شهدتنا ونحن مع نبيّنا (صلى اللّه عليه وسلم) إذا أصابتنا السماء حسبت إنّ ريحنا ريح الضأن، إنّما كان لباسنا الصوف. وبه عن قتادة، قال : ذُكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب ح كان يقول : لو شئت كنت أطيبكم طعاماً وألينكم لباساً، ولكنّي أستبقي طيباتي. وذكر لنا أنّه لما قدم الشام صُنع له طعام لم ير قبله مثله. قال : هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ قال خالد ابن الوليد : لهم الجنّة. فاغرورقت عينا عمر، وقال : لئن كان حظّنا في الحطام وذهبوا فيما أرى أنا بالجنّة لقد باينونا بوناً بعيداً. وذُكر لنا أنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) دخل على أهل الصفة، مكاناً يجتمع فيه فقراء المسلمين وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعاً. قال : أنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أُخرى، ويغدى عليه بحفئة ويُراح عليه بأُخرى، ويستر بيته كما يستر الكعبة؟ قالوا : نحن يومئذ خير. أخبرنا الحسين بن منجويه، حدّثنا محمّد بن أحمد بن نصرويه، حدّثنا أبو العبّاس أحمد ابن موسى الجوهري، حدّثنا علي بن سهل الرملي، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثني رزق أبو الهذيل، حدّثني عبيداللّه بن عبداللّه، عن ابن عبّاس، عن عمر بن الخطّاب ح أنّه حدّثه أنّه دخل على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حين هجر نساءه فوافاه على سرير رميل، يعني مرمُولاً مشدوداً، قد أثّر الحصيرُ في جنبه، متوسِّد وسادة من أدم محشوة ليف. فقال عمر : والتفتٌّ في البيت فواللّه ما رأيت شيئاً يردّ البصر إلاّ أهب يعني جلداً معطوبة قد سطع ريحها، فبكيت، فقلت : يا رسول اللّه أنت رسول اللّه وخيرته، فيما أرى وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير؟ فاستوى رسول اللّه جالساً، وقال : (أَوَفي شك أنت يابن الخطّاب؟) (أولئك قوم عجلت لهم طيّباتهم في حياتهم الدُّنيا). أخبرنا ابن منجويه الدينوري، حدّثنا عبيداللّه بن محمّد بن عتبة، حدّثنا الفرماني، حدّثنا أبو أمية الواسطي، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا مبارك بن فضالة، حدّثنا حفص بن أبي العاص، قال : كنت أتغدى مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فتغدينا الخبز والزيت والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد، وأقلّ ذلك اللحم العريض، وكان يقول : (لا تنخلوا الدقيق فإنّه كلّه طعام). فيجىء بخبز منقلع غليظ، فجعل يأكل ويقول لنا : كلوا. فجعلنا نعتذر، فقال : ما لكم لا تأكلون؟ فقلت : لا نأكله واللّه يا أمير المؤمنين، نرجع إلى طعام ألين من طعامك. قال : بخ يا بن أبي العاص، ألا ترى أنّي عالم بأن آمر بدقيق أن ينخل بخرقة فيَخبز في كذا، وكذا؟ أما ترى أنّي عالم إنّ آمر إلى عناق سمينة فُيلقى عنها شعرها، ثمّ تخرج صلاء كأنّه كذا وكذا؟ أما ترى أنّي عالم أن أعمل إليَّ صاع أو صاعين من زبيب فاجعله في سقاء ثمّ أرش عليه من الماء فيطبخ كإنّه دم غزال؟ قال : قلت : واللّه يا أمير المؤمنين إني لأراك عالماً بطيب العيش، فقال عمر : أجل، واللّه الذي لا إله إلاّ هو لولا إنّي أخاف أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في العيش، ولكنّي سمعت اللّه يقول لقوم : {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدُّنيا واستمتعم بها}. أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا عبداللّه بن يوسف، حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن عبد العزيز، حدّثنا محمّد بن بكار الريان، حدّثنا أبو معشر، عن محمّد بن قيس، عن جابر بن عبداللّه. قال : اشتهى أهلي لحماً، فمررت بعمر بن الخطّاب ح، فقال : ما هذا يا جابر؟ فقلت : أشتهى أهلي لحماً، فاشتريت لحماً بدرهم. فقال : أوكلّما اشتهى أحدكم شيئاً جعله في بطنه؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} ؟ أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا محمّد بن الحسين، حدّثنا بشر، حدّثنا ابن أبي الخصيب، أخبرني أحمد بن محمّد بن أبي موسى، حدّثنا أحمد بن أبي الحواري، حدّثنا أبي، قال : قال وهب بن الورد : خلق ابن آدم والخبز معه، فما زاد على الخبز ينمو شهوة. قال : فحدّثت به أبا سليمان. فقال : صدق، الملح مع الخبز شهوة. |
﴿ ٢٠ ﴾