٢٠

{وَكَانَ اللّه عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمْ اللّه مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} يعني يوم خيبر. {وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنكُمْ} أهل مكّة عنكم بالصلح،

وقال قتادة : يعني وكفّ اليهود من خيبر،

وحلفاءهم من أسد،

وغطفان،

عن بيضتكم،

وعيالكم،

وأموالكم بالمدينة،

وذلك أنّ مالك بن عوف النصري،

وعيينة بن حصن الفزاري،

ومن معهما من بني أسد وغطفان جاءوا لنصرة أهل خيبر فقذف اللّه تعالى في قلوبهم الرعب فانصرفوا.

{وَلِتَكُونَ} هزيمتهم،

وسلامتكم {لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ} ليعلموا أنّ اللّه هو المتولّي حياطتهم،

وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم. {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} طريق التوكّل،

والتفويض حتّى تتقوا في أُموركم كلّها بربّكم،

وتتوكّلوا عليه،

وقيل : يثبتكم على الإسلام،

ويزيدكم بصيرة ويقيناً بصلح الحديبية،

وفتح خيبر،

وذلك أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لما رجع من غزوة الحديبية إلى المدينة،

أقام بها بقيّة ذي الحجّة،

وبعض المحرم،

ثمّ خرج في بقيّة المحرم سنة سبع إلى خيبر،

واستخلف على المدينة سماع بن عرفطة الغفاري.

أخبرنا عبداللّه بن محمّد بن عبداللّه الزاهد،

قرأه عليه،

أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن إسحاق السرّاج،

حدّثنا يعقوب بن إبراهيم،

حدّثنا عثمان بن عمر،

أخبرنا ابن عون،

عن عمرو ابن سعيد،

عن أنس بن مالك،

أخبرنا عبيداللّه بن محمّد،

أخبرنا أبو العبّاس السرّاج،

حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد أبو يحيى الباهلي،

حدّثنا يزيد بن زريع،

حدّثنا عن ابن أبي عروبة،

قال : أخبرنا عبيداللّه بن محمّد،

حدّثنا أبو العبّاس السرّاج،

حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري،

حدّثنا روح،

عن سعيد،

عن قتادة،

عن أنس،

قال : كنت رديف أبي طلحة يوم أتينا خيبر،

فصبّحهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقد أخذوا مساحيهم،

وفؤوسهم،

وغدوا على حرثهم،

وقالوا : محمّد والخميس. فقال رسول اللّه : (اللّه أكبر هلكت خيبر،

إنّا إذا نزلنا ساحة قوم فساء صباح المنذرين). ثمّ نكصوا،

فرجعوا إلى حصونهم.

أخبرنا عبيداللّه بن محمّد بن عبداللّه بن محمّد،

حدّثنا أبو العبّاس السرّاج،

حدّثنا قتيبة بن سعيد،

حدّثنا حاتم بن إسماعيل،

عن يزيد بن أبي عبيد،

عن سلمة بن الأكوع.

وأخبرنا عبيداللّه بن محمّد،

أخبرنا أبو العبّاس السرّاج،

حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي،

حدّثنا النضر بن محمّد،

حدّثنا عكرمة بن عمّار،

حدّثنا سلمة بن الأكوع،

عن أبيه،

قال : وحدّثت عن محمّد بن جرير،

عن محمّد بن حميد،

عن سلمة،

عن ابن إسحاق،

عن رحالة،

قال : وعن ابن جرير،

حدّثنا ابن بشار،

حدّثنا محمّد بن جعفر،

حدّثنا عوف،

عن ميمون أبي عبداللّه،

عن عبداللّه بن بريدة،

عن أبيه،

دخل حديث بعضهم في بعض،

قالوا : خرجنا مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى خيبر يسير بنا ليلاً،

وعامر بن الأكوع معنا،

فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هينهاتك؟

وكان عامر شاعراً فنزل يحدو بالقوم وهو يرجز لهم :

اللّهمَّ لولا أنتَ ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

انّ الذين هم بغوا علينا

ونحن عن فضلك ما استغنينا

فاغفر فداء لك ما اقتفينا

وثبّت الأقدام إن لاقينا

وألقيَنْ سكينةً علينا

إنّا إذا صيح بنا أتينا

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (مَنْ هذا؟).

قالوا : عامر بن الأكوع. فقال : (غفر لك ربّك). فقال رجل من القوم : وجبت يا نبي اللّه،

لو امتعتنا به. وذلك أنّ رسول اللّه (عليه السلام) ما استغفر قطّ لرجل يخصّه إلاّ استشهد. قالوا : فلمّا قدمنا خيبر وتصافّ القوم،

خرج يهودي،

فبرز إليه عامر،

وقال :

قد علمت خيبر إنّي عامر

شاك السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين،

فوقع سيف اليهودي في ترس عامر،

ووقع سيف عامر عليه،

وأصاب ركبة نفسه،

وساقه،

فمات منها،

قال سلمة بن الأكوع : فمررت على نفر من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهم يقولون : بطل عمل عامر،

فأتيت نبي اللّه وأنا شاحب أبكي،

فقلت : يا رسول اللّه أبطلَ عمل عامر؟

فقال : (ومَنْ قال ذاك؟)

قلت : بعض أصحابك. قال : (كذب من قال،

بل له أجره مرّتين،

إنّه لجاهد مجاهد).

قال : فحاصرناهم حتّى أصابتنا مخمصة شديدة ثمّ إنّ اللّه تعالى فتحها علينا،

وذلك أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أعطى اللواء عمر بن الخطّاب،

ونهض من نهض معه من الناس،

فلقوا أهل خيبر،

فانكشف عمر،

وأصحابه،

فرجعوا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يحينه أصحابه،

ويحينهم،

وكان رسول اللّه قد أخذته الشقيقة،

فلم يخرج إلى النّاس،

فأخذ أبو بكر راية رسول اللّه،

ثمّ نهض فقاتل قتالاً شديداً،

ثمّ رجع،

فأخذها عمر،

فقاتل قتالاً شديداً،

وهو أشدّ من القتال الأوّل،

ثمّ رجع،

فأخبر بذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : (أما واللّه لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه،

ورسوله،

ويحبّه اللّه،

ورسوله يأخذها عنوة).

وليس ثَمّ علي،

فلمّا كان الغد تطاول لها أبو بكر وعمر وقريش رجاء كلّ واحد منهم أن يكون صاحب ذلك،

فأرسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) سلمة بن الأكوع إلى علي،

فدعاه،

فجاء علي على بعير له حتّى أناخ قريباً من خباء رسول اللّه،

وهو أرمد قد عصب عينيه بشقة برد قطري،

قال سلمة : فجئت به أقوده إلى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) .

فقال رسول اللّه : (ما لكَ؟).

قال : رمدت. فقال : (إدن منّي). فدنا منه فتفل في عينيه،

فما وجعهما بعد حتّى مضى لسبيله،

ثمّ أعطاه الراية،

فنهض بالراية وعليه حلّة أُرجوان حمراء،

قد أخرج حملها،

فأتى مدينة خيبر،

وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر معصفر،

وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه،

وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي مرحب

شاكي السلاح بطلٌ مجرّب

أطعن أحياناً

وحيناً أضرب

إذا الحروب أقبلت تلهّب

كان حمائي كالحمى لا يقرب

فبرز إليه علي ح،

وقال :

أنا الّذي سمّتني أُمّي حيدره

كليثِ غابات شديد قسوره

أكيلكم بالسيف كيل السندره

فاختلفا ضربتين،

فبدره علي،

فضربه،

فقدَّ الحجر والمغفرة،

وفلق رأسه حتّى أخذ السيف في الأضراس،

وأخذ المدينة،

وكان الفتح على يديه،

ثمّ خرج بعد مرحب أخوه ياسر بن نحر،

وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي ياسر

شاكي السلاح بطل مغاور

إذا الليوث أقبلت تبادر

وأحجمت عن صولتي المغاور

إنّ حمائي فيه موت حاضر

وهو يقول : هل من مبارز؟

فخرج إليه الزبير بن العوّام،

وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي زبار

قرم لقرم غير نكس فرار

ابن حماة المجد ابن الأخيار

ياسر لا يغررْك جمع الكفّار

وجمعهم مثل السراب الحبار

فقالت أُمّه صفية بنت عبد المطّلب : أيقتل ابني يا رسول اللّه؟

فقال : (بل ابنك يقتله إن شاء اللّه) ثمّ التقيا،

فقتله الزبير،

فقال أبو رافع مولى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول اللّه (عليه السلام) برايته،

فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم،

فضربه رجل من اليهود،

فطرح ترسه من يده،

فتناول علي باباً كان عند الحصن،

فتترّس به عن نفسه،

فلم يزل في يده،

وهو يقاتل حتّى فتح اللّه تعالى عليه،

ثمّ ألقاه من يده حين فرغ،

فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب،

فما نقلبه.

ثمّ لم يزل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يفتح الحُصون حُصناً حُصناً،

ويجوز الأموال حتّى انتهوا إلى حُصن الوطيح والسلالم،

وكان آخر حصون خيبر افتتح،

فحاصرهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بضع عشرة ليلة،

فلمّا أمسى النّاس يوم الفتح أوقدوا نيراناً كثيرة،

فقال رسول اللّه : (على أيّ شيء توقدون؟)

قالوا : على لحم،

قال : (على أيّ لحم؟)

قالوا : لحم الحمر الأنسية. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (اهريقوها واكسروها). فقال رجل : أَوَ نهرّقها ونغسلها؟

فقال : (أو ذاك).

قال ابن إسحاق : ولمّا افتتح رسول اللّه (عليه السلام) القموص حصن بني أبي الحقيق أتى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بصفية بنت حي بن أحطب،

وبأُخرى معها،

فمرّ بهما بلال،

وهو الذي جاء بهما على قتلى من قُتل من اليهود،

فلمّا رأتهما التي مع صفية،

صاحت،

وصكّت وجهها،

وحثت التراب على رأسها،

فلمّا رآها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : أغربوا عنّي هذه الشيطانة). وأمر بصفية،

فجرت خلفه وألقى عليها رداءه،

فعلم المسلمون أنّ رسول اللّه قد اصطفاها لنفسه.

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لبلال لمّا رأى من تلك اليهودية ما رأى : (أَنُزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما؟)

وكانت صفية قد رأت في المنام،

وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أنّ قمراً وقع في حجرها،

فعرضت رؤيتها على زوجها،

فقال : ما هذا إلاّ أنّك تمنين مَلِك الحجاز محمّداً،

فلطم وجهها لطمة اخضّرت عينها منها،

فأتت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وبها أثر منها.

فسألها : (ما هو؟)

فأخبرته هذا الخبر،

وأتى رسول اللّه بزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق،

وكان عنده كنز بني النضير،

فسأله،

فجحده أن يكون يعلم مكانه،

فأتى رسول اللّه برجل من اليهود،

فقال لرسول اللّه (عليه السلام) : إنّي قد رأيت كنانة يطيف هذه الخزنة كلّ غداة،

فقال رسول اللّه لكنانة : (أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك). قال : نعم.

فأمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بالخزنة،

فحفرت،

فأخرج منها بعض كنزهم،

ثمّ سأله ما بقي،

فأبى أن يؤدّيه،

فأمر به رسول اللّه الزبير بن العوّام. فقال : (عذّبه حتّى تستأصل ما عنده).

فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتّى أشرف على نفسه،

ثمّ دفعه رسول اللّه إلى محمّد ابن مسلمة،

فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة،

وكانت اليهود ألقت عليه حجراً عند حصن ناعم،

فقتله،

كان أوّل حصن افتتح من حصون خيبر.

قالوا : فلمّا سمع أهل فدك بما صنع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بخيبر،

بعثوا إلى رسول اللّه أن يسترهم ويحقن لهم دماءهم ويخلّوا له الأموال،

ففعل،

ثمّ إنّ أهل خيبر سألوا رسول اللّه أن يعاطيهم الأموال على النصف ففعل على إنّا إن شئنا فخرجنا أخرجناكم،

وصالحه أهل فدك على مثل ذلك،

وكانت خيبر فيئاً للمسلمين،

وكانت فدك خالصة لرسول اللّه (عليه السلام) لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.

فلما اطمئنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم،

شاة مصلية،

وقد سألت،

أي عضو من الشاة أحبّ إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ؟

فقيل لها : الذراع،

فأكثرت فيها السمّ،

وسمّت سائر الشاة،

ثمّ جاءت بها،

فلمّا وضعتها بين يدي رسول اللّه،

تناول الذراع،

فأخذها،

فلاك منها مضغة،

فلم يسغها،

ومعه بشر بن البراء بن معرور،

وقد أخذ منها كما أخذ منها رسول اللّه،

فأما بشر فأساغها،

وأمّا رسول اللّه فلفظها،

ثمّ قال : (إنّ هذا العظم ليخبرني أنّه مسموم). ثمّ دعاها،

فاعترفت،

فقال : (ما حملك على ذلك؟)

قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك،

فقلت : إن كان نبيّاً فسيخبر،

وإن كان ملكاً استرحت منه. قال : فتجاوز عنها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل.

قال : ودخلت أُم بشر بن البراء على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) تعوده في مرضه الذي توفى فيه،

فقال : (يا أُمّ بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعادني،

فهذا أوان انقطاع أبهري).

وكان المسلمون يرون أنّ رسول اللّه مات شهيداً مع ما أكرمه اللّه تعالى به من النبوّة.

﴿ ٢٠