١١

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْم} الآية،

قال ابن عبّاس : نزلت في ثابت بن قيس،

وذلك أنّه كان في إذنه وقر،

فكان إذا أتى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقد سبقوه بالمجلس،

أوسعوا له حتّى يجلس إلى جنبه،

فيسمع ما يقول،

فأقبل ذات يوم،

وقد فاته من صلاة الفجر ركعة مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فلمّا انصرف النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم (منه،

فربض) كلّ رجل بمجلسه،

فلا يكاد يوسع أحد لأحد،

فكان الرجل إذا جاء،

فلم يجد مجلساً،

قام قائماً،

كما هو،

فلمّا فرغ ثابت من الصلاة،

وقام منها،

أقبل نحو رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فجعل يتخطّى رقاب الناس،

ويقول : تفسحوا تفسحوا،

فجعلوا يتفسحون له حتّى انتهى إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وبينه وبينه رجل.

فقال له : تفسح. فقال له الرجل : قد أصبت مجلساً،

فاجلس،

فجلس ثابت من خلفه مغضباً،

فلمّا ابينت الظلمة،

غمز ثابت الرجل،

وقال : مَنْ هذا؟

قال : أنا فلان. فقال له ثابت : ابن فلانة. ذكر أُمّاً له كان يعيَّر بها في الجاهلية. فنكس الرجل رأسه واستحيى،

فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية.

وقال الضحّاك : نزلت في وفد تميم الذين ذكرناهم في صدر السورة،

استهزءوا بفقراء أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مثل عمّار،

وخباب،

وبلال،

وصهيب،

وسلمان،

وسالم مولى أبي حذيفة،

لما رأوا من رثاثة حالهم،

فأنزل اللّه سبحانه في الذين آمنوا منهم {يا أيُّها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم} أي رجالٌ من رجال،

والقوم اسم يجمع الرجال والنساء،

وقد يختص بجمع الرجال،

كقول زهير :

وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

{عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} نزلت في امرأتين من أزواج النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) سخرتا من أُمّ سلمة،

وذلك أنّها ربطت خصريها بسبيبة وهي ثوب أبيض ومثلها السب وسدلت طرفيها خلفها. فكانت تجرها.

فقالت عائشة لحفصة : انظري ما تجرّ خلفها كأنّه لسان كلب. فهذا كان سخريتهما.

وقال أنس : نزلت في نساء رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عيّرن أُمّ سلمة بالقِصَر. ويقال : نزلت في عائشة،

أشارت بيدها في أُمّ سلمة أنّها قصيرة،

وروى عكرمة،

عن ابن عبّاس أنّ صفية بنت حي بن أخطب أتت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقالت : إنّ النساء يعيّرني فيقلن : يا يهودية بنت يهوديين،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (هلاّ قلت : إنّ أبي هارون،

وابن عمّي موسى،

وإنّ زوجي محمّد)،

فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية.

{ولا تلمزوا أَنفُسَكُمْ} أي لا يعيب بعضكم بعضاً،

ولا يطعن بعضكم على بعض. وقيل : اللمز العيب في المشهد،

والهمز في المغيب،

وقال محمّد بن يزيد : اللمز باللسان،

والعين،

والإشارة،

والهمز لا يكون إلاّ باللسان،

قال الشاعر :

إذا لقيتك عن شخط تكاشرني

وإن تغيبتُ كنت الهامز اللمزه

{وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ} قال أبو جبير بن الضحّاك : فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة،

قدم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) المدينة،

وما منّا رجل إلاّ له اسمان أو ثلاثة،

فكان إذا دعا الرجل الرجل باسم،

قلنا : يا رسول اللّه،

إنّه يغضب من هذا. فأنزل اللّه عزّ وجلّ : {وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ} .

قال قتادة،

وعكرمة : هو قول الرجل للرجل : يا فاسق،

يا منافق،

يا كافر،

وقال الحسن : كان اليهودي،

والنصراني يُسلم،

فيقال له بعد إسلامه : يا يهودي،

يا نصراني،

فنُهوا عن ذلك،

وقال ابن عبّاس : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيّئات،

ثمّ تاب منها،

وراجع الحقّ،

فنهى اللّه أن يعيّر بما سلف من عمله.

{بِئْسَ اسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمان} يقول : من فعل ما نهيت عنه من السخرية،

واللمز والنبز،

فهو فاسق،

و {بِئْسَ اسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمان} فلا تفعلوا ذلك،

فتستحقّوا (اسم الفسوق) وقيل : معناه بئس الاسم الذي تسميه،

بقولك فاسق،

بعد أن علمت أنّه آمنَ.

﴿ ١١