١٢-١٤

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوط وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّع} وهو ملك اليمن،

ويسمّى تبّعاً لكثرة أتباعه،

وكان يعبد النار فأسلم،

ودعا قومه إلى الإسلام،

وهم من حِمْيَر،

فكذّبوه،

وكان خبره وخبر قومه ما أخبرنا عبداللّه بن حامد،

قال : أخبرني أبو علي إسماعيل بن سعدان،

قال : أخبرني علي بن أحمد،

قال : حدّثنا محمد ابن جرير،

وأخبرني عقيل أنّ أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير،

قال : حدّثنا ابن حميد،

قال : حدّثنا سلمة،

قال : حدّثنا محمد بن إسحاق،

قال : كان تبّع الآخر،

وهو أسعد أبو كرب بن ملكي كرب،

حين أقبل من المشرق،

جعل طريقه على المدينة،

وكان حين مر بها لم يهيج أهلها،

وخلّف بين أظهرهم ابناً له،

فقتل غيلة،

فقدمها،

وهو مجمع لإخراجها،

واستئصال أهلها،

وقطع نخيلها،

فجمع له هذا الحيّ من الأنصار،

حين سمعوا ذلك من أمره امتنعوا منه،

ورئيسهم يومئذ عمرو بن ظلم أخو بني النجار أحد بني عمرو،

فخرجوا لقتاله،

وكان تبّع نزل بهم قبل ذلك،

فقتل رجل منهم،

من بني عدي بن النجّار،

يقال له : أحمر،

رجلاً من صحابة تبّع،

وجده في عذق له بجدة فضربه بنخلة فقتله.

وقال : إنّما التمرة لمن أبره،

ثمّ ألقاه حين قتله في بئر من آبارهم معروفة،

يقال لها : ذات تومان،

فزاد ذلك تبعاً حنقاً عليهم،

فبينا تبّع على ذلك من حربهم يقاتلهم ويقاتلونه،

قال : فيزعم الأنصار أنّهم كانوا يقاتلونه بالنهار،

ويقرونه بالليل،

فيعجبه ذلك،

ويقول : واللّه إنّ قومنا هؤلاء لكرام،

إذ جاءه حبران من أحبار يهود بني قريظة،

عالمان راسخان،

وكانا ابني عمرو،

وكانا أعلم أهل زمانهما،

فجاءا تبّعاً حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة،

وأهلها،

فقالا له : أيّها الملك لا تفعل،

فإنّك إن أتيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها،

ولم يأمن عليك عاجل العقوبة،

فقال لهما : ولِمَ ذاك؟

قالا : هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحيّ من قريش في آخر الزمان،

تكون داره وقراره،

فتناهى لقولهما عمّا كان يريد بالمدينة،

ورأى أنّ لهما علماً،

وأعجبه ما سمع منهما،

أنّهما دعواه إلى دينهما،

فليتبعهما على دينهما،

فقال تبع في ذلك :

ما بال نومك مثل نوم الأرمد

أرقا كأنك لا تزال تسهد

حنقاً على سبطين حلاّ يثرباً

أولى لهم بعقاب يوم مفسد

ولقد هبطنا يثرباً وصدورنا

تغلي بلابلها بقتل محصد

ولقد حلفت يمين صبر مؤلياً

قسماً لعمرك ليس بالتمردد

أن جئت يثرب لا أغادر وسطها

عذقاً ولا بسراً بيثرب يخلد

حتى أتاني من قريظة عالم

خبر لعمرك في اليهود مسود

قال ازدجر عن قرية محفوظة

لنبي مكّة من قريش مهتد

فعفوت عنهم عفو غير مثرب

وتركتهم لعقاب يوم سرمد

وتركتهم للّه أرجو عفوه

يوم الحساب من الجحيم الموقد

ولقد تركت بها له من قومنا

نفراً أُولي حسب وبأس يحمد

نفراً يكون النصر في أعقابهم

أرجو بذاك ثواب ربّ محمّد

فلمّا (......) تبع إلى دينهما أكرمهما وانصرف عن المدينة،

وخرج بهما إلى اليمن ولمّا (دنا من) اليمن ليدخلها حالت حِمْير بينه وبين ذلك،

وقالوا : لا تدخلها علينا،

وقد فارقت ديننا،

فدعاهم إلى دينه،

وقال : إنه دين خير من دينكم.

قالوا : فحاكمنا إلى النار. وكانت باليمن نار في أسفل جبل يقال له : ندا،

يتحاكمون إليها،

فيما يختلفون فيه،

فتحكم بينهم،

تأكل الظالم،

ولا تضرّ المظلوم،

فلمّا قالوا ذلك لتبّع،

قال : أنصفتم،

فخرج قومه بأوثانهم،

وما يتقرّبون به في دينهم،

وخرج الحبران،

مصاحفهما في أعناقهما متقلّداهما،

حتّى قعدوا للنّار عند مخرجها التي تخرج منه،

فخرجت النار إليهم،

ولمّا أقبلت نحو حِمْير،

حادوا عنها،

وهابوها فدعاهم من حضرهم من الناس،

وأمروهم بالصبر لها؛ فصبروا حتّى غشيتهم،

فأكلت الأوثان،

وما قربوا معها،

ومن حَمَلَ ذلك من رجال حمير،

وخرج الحبران ومصاحفهما في أعناقهما،

يتلون التوراة،

تعرق جباههما،

لم تضرّهما،

ونكصت النار حتّى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه،

فأطبقت حمير عند ذلك على دينهما.

فمن هناك كان أصل اليهودية باليمن.

وكان لهم بيت يعظمونه،

وينحرون عنده،

ويكلّمون منه،

إذا كانوا على شركهم،

فقال الحبران القرظيان،

واسماهما كعب وأسد لتبّع : إنّما هو شيطان (يفنيهم ويلغيهم)،

فخلّ بيننا وبينه. قال : فشأنكما به. فاستخرجا منه كلباً أسود،

فذبحاه،

ثمّ هدما ذلك البيت،

فبقاياه اليوم باليمن كما ذكر لي.

وروى أبي دريد،

عن أبي حاتم،

عن الرياشي،

قال : كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة،

آمن بالنبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) قبل أن يبعث بسبعمائة سنة،

وقال في ذلك شعراً :

شهدت على أحمد أنّه

رسول من اللّه باري النسم

فلو مد عمري إلى عمره

لكنت صهراً له وابن عمّ

{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ} وجب {وَعِيدِ} لهم بالعذاب يخوف كفّار مكّة،

قال قتادة : دمر اللّه سبحانه وتعالى قوم تبّع،

ولم يدمّره،

وكان من ملوك اليمن،

فسار بالجيوش،

وافتتح البلاد،

وقصد مكّة ليهدم البيت،

فقيل له : إنّ لهذا البيت ربّاً يحميه،

فندم وأحرم،

ودخل مكّة،

وطاف بالبيت،

وكساه،

فهو أوّل من كسا البيت

﴿ ١٢