٢٢{وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فقال : ألا أرى رزقي في السماء، وأنا أطلبه في الأرض؟ فدخل خربة فمكث ثلاثاً لا يصيب شيئاً، فلمّا أن كان اليوم الثالث إذا هو يرى جلّة من رطب، وكان له أخ أحسن نيّة منه فدخل معه (فصارتا جلّتين)، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرّق بينهما الموت. أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن خميس قال : حدّثنا ابن مجاهد قال : حدّثنا إبراهيم بن هاشم البغوي قال : حدّثنا ابن أبي بزّة، قال : حدّثنا حسن بن محمد بن عبيد اللّه بن أبي يزيد عن شبل بن عبّاد عن ابن (أبي نجيح) أنّه قرأ (وفي السماء رازقكم وما توعدون) بالألف يعني اللّه. قال مجاهد : {وَمَا تُوعَدُونَ} من خير أو شر، وقال الضحاك {وَمَا تُوعَدُونَ} من الجنة والنار، وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمد قال : حدّثنا الحسن بن علويّة قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدّثنا المسيب بن شريك قال : قال أبو بكر بن عبداللّه : سمعت ابن سيرين يقول : {وَمَا تُوعَدُونَ} : الساعة. {فَوَرَبِّ السَّمَآءِ والأرض إِنَّهُ} يعني أن الذي ذكرت من أمر الرزق {لَحَقٌّ مِّثْلَ} بالرفع قرأه أهل الكوفة بدلا من (الحق)، وغيرهم بالنصب أي كمثل. {مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} فتقولون : لا إله إلاّ اللّه، وقيل : كما أنّكم ذوو نطق خصصتم بالقوة الناطقة العاقلة فتتكلمون، هذا حق كما حق أنّ الآدمي ناطق، وقال بعض الحكماء : كما أنّ كلّ انسان ينطق بلسان نفسه، ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، فكذلك كلّ إنسان يأكل رزقه الذي قسم له، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره، وقال الحسن في هذه الآية : بلغني أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (قاتل اللّه أقواماً أقسم لهم ربّهم بنفسه فلم يصدّقوه). حدّثنا أبو القاسم بن حبيب قال : أخبرنا أبو الحسن الكائيني وأبو الطيّب الخياط وأبو محمد يحيى بن منصور الحاكم في القسطنطينية قالوا : حدّثنا أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي، قال : حدّثنا أبو الفضل العباس بن الفرج الرياسي البصري، قال : سمعت الأصمعي يقول : أقبلتُ ذات يوم من المسجد الجامع في البصرة فبينا أنا في بعض سككها إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلد سيفه وبيده قوس، فدنا وسلّم وقال لي : مَن الرجل؟، قلت : من بني الأصمع، قال : أنت الاصمعي؟ قلت : نعم، قال : ومن أين أقبلت؟، قلت من موضع مليء بكلام الرَّحْمن، قال : وللرَّحْمن كلام يتلوه (الآدمين). قلت : نعم، قال : اتلُ عليّ شيئاً منه، فقلت له : انزل عن قعودك. فنزل، وابتدأت بسورة والذاريات، فلمّا انتهيت إلى قوله سبحانه : {وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} . قال : يا أصمعي هذا كلام الرَّحْمن؟، قلت : أي والذي بعث محمداً بالحق، إنّه لكلامه أنزله على نبيّه محمد، فقال لي : حسبك، ثم قام إلى الناقة فنحرها وقطعها كلّها، وقال : أعنىّ على توزيعها ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وجعلهما تحت الرمل وولّى مدبراً نحو البادية وهو يقول : {وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} . فأقبلت على نفسي باللوم وقلت : لم تنتبهي لما انتبه له الأعرابي، فلمّا حججت مع الرشيد دخلت مكة، فبينا أنا أطوف بالكعبة إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق فالتفتّ فإذا أنا بالأعرابي نحيلاً مصفاراً فسلّم علىّ وأخذ بيدي وأجلسني من وراء المقام وقال لي : اتل كلام الرَّحْمن، فأخذت في سورة والذاريات، فلمّا انتهيت الى قوله : {وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} ، صاح الاعرابي فقال : وجدنا ما وعدنا ربنّا حقاً، ثم قال : وهل غير هذا؟ قلت : نعم يقول اللّه سبحانه |
﴿ ٢٢ ﴾