سورة القمرمكية، وهي ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون حرفاً، وثلاثمائة واثنتان وأربعون كلمة وخمس وخمسون آية أخبرني أبو الحسين محمد بن القاسم الفقيه، قال : حدّثنا أبو عبداللّه محمد بن زيد العدل، قال : حدّثنا أبو يحيى البزاز، قال : حدّثنا محمد بن منصور، قال : حدّثنا محمد بن عمران بن عبدالرَّحْمن بن ابي ليلى، قال : حدّثني أبي عن مجالد بن عبدالواحد عن الحجاج بن عبداللّه عن أبي الخليل، وعن علي بن زيد وعطاء بن أبي ميمون عن زيد بن حبيش عن أبي بن كعب، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} في كل غداة بُعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر ومن قرأها كل ليلة كان أفضل وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق). بسم اللّه الرَّحْمن الرحيم ١{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} دنت القيامة {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} قال ابن كيسان : في الآية تقديم وتأخير، مجازها : انشقّ القمر واقتربت الساعة، يدل عليه قراءة حذيفة (اقتربت الساعة وقد انشق القمر)، وروى عثمان بن عطاء عن أبيه أن معناه : (وسينشقّ القمر)، والعلماء على خلافه والأخبار الصحاح ناطقة بأن هذه الآية قد مضت. أخبرنا عبداللّه بن حامد قال : أخبرنا مكي، قال : حدّثنا أبو الازهر قال : حدّثنا روح عن شعبة قال : سمعت سليمان قال : سمعت إبراهيم يحدث عن أبي معمر عن عبداللّه أن القمر انشقّ على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فرقتين، فكانت إحداهما فوق الجبل والأُخرى أسفل من الجبل، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (اللّهم اشهد)، وقال أيضاً : (اشهدوا). وأخبرنا عبداللّه بن حامد، قال : أخبرنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك القاضي قال : حدّثنا أحمد بن الحسين بن سعيد قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا حصين عن الأعمش وعبدة الضبي عن إبراهيم عن علقمة عن عبداللّه بن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حتى رأيت فِلقَتَيه. وأخبرنا عبداللّه، قال : أخبرنا مكي، قال : حدّثنا أبو الأزهر قال : حدّثنا روح عن شعبة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عمر نحو حديث ابن مسعود. وأخبرنا عبداللّه قال : أخبرنا محمد بن جعفر بن زيد الصيرفي قال : حدّثنا علي بن حرب، قال : حدّثنا ابن فضيل، قال : حدّثنا حصين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال : انشقّ القمر ونحن مع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) بمكة. وأخبرنا عبداللّه قال : أخبر عمر بن الحسن الشيباني قال : حدّثنا أحمد بن الحسن قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا حصين عن سعد عن عكرمة عن ابن عباس والحكم عن مجاهد عن ابن عباس ومقسم عن ابن عباس قال : انشق القمر على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) باثنين : شطره على السويداء، وشطره على الجندمة. وأخبرني عقيل بن محمد أن أبا الفرج القاضي حدّثهم عن محمد بن جرير قال : حدّثني محمد بن عبداللّه بن بزيع، قال : حدّثنا بشر بن المفضل. قال : حدّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا الجبل بينهما. وبه عن محمد بن جرير قال : حدّثنا علي بن سهل قال : حدّثنا حجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة عن أنس قال : انشقّ القمر على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مرّتين. وبه عن محمد بن جرير قال : حدّثني يعقوب قال : حدّثنا ابن عليّة، قال : حدّثنا عطاء بن السايب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : نزلنا المدائن فكنّا منها على فرسخ، فجاءت الجمعة فحضر أبي فحضرنا معه فخطبنا حذيفة، فقال : ألا إنّ اللّه سبحانه يقول : {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} ، ألا فإنّ الساعة قد اقتربت، ألا وإنّ القمر قد انشقّ، ألا وإنّ الدنيا قد أذنت بفراق، . ألا وإنّ اليوم المضمار وغداً السباق، فقلت لأبي أيستبق الناس غداً؟ فقال : يا بني إنك لجاهل، إنّما هو السباق بالأعمال، ثم جاءت الجمعة الأُخرى فحضرنا فخطب حذيفة فقال : ألا إنّ اللّه يقول : {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} ألا وإنّ الساعة قد اقتربت، ألا وإنّ القمر قد انشقّ، ألا وإنّ الدنيا قد أذنت بفراق، ألا وإنّ المضمار اليوم وغداً السباق، ألا وإنّ الغاية النار والسابق من سبق إلى الجنة. وبه عن ابن جرير قال : حدّثنا الحسن بن أبي يحيى المقدسي قال : حدّثنا يحيى بن حماد، قال : حدّثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبداللّه قال : انشقّ القمر على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم، فسألوا السفار فسألوهم، فقالوا : نعم قد رأينا. فأنزل اللّه سبحانه {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} . ٢{وإن ايروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم : مرّ الشيء واستمر إذا ذهب، ونظيره : قرّ واستقر، هذا قول مجاهد وقتادة والفرّاء والكسائي. وقال أبو العالية والضحاك : محكم شديد قوي. سيان عن قتادة : غالب، وهو من قولهم : مرّ الحبل إذا صلب واشتد وقوي، وامررته أنا إذا أحكمتُ فتله. ربيع : نافذ. يمان : ماض. أبو عبيدة : باطل، وقيل : يشبه بعضه بعضاً. ٣{وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} يقول : وكل أمر من خير أو شر مستقر قراره، ومتناه نهايته، فالخير مستقر بأهله في الجنة، والشر مستقر بأهله في النار. قال قتادة : وكل أمر مستقر : أي بأهل الخير الخير، وبأهل الشر الشر، وقال مقاتل : لكل امرئ منتهى، وقيل : لكل أمر حقيقته، وقال الحسن بن الفضل : يعني يستقر قرار تكذيبهم وقرار تصديق المؤمنين حتى يعرفوا حقيقته في الثواب والعقاب، وقيل : مجازه : كلّ ما قدّر كائن واقع لا محالة، وقيل : لكل أمر من أُموري التي أمضيتها في خلقي مستقر قراره لا يزول، وحكى أبو حاتم عن شيبة ونافع مستقرّ بفتح القاف، وذكر الفضل بن شاذان عن أبي جعفر بكسر الراء، ولا وجه لهما. قال مقاتل : انشقّ القمر ثم التأم بعد ذلك. ٤{وَلَقَدْ جَآءَهُم} يعني أهل مكة {مِّنَ انبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} متناهى. قاله مجاهد. سفيان : منتهى، وهو مفتعل من الزجر، وأصله مزتجر. فقلبت التاء دالا. ٥{حِكْمَةُ بَالِغَةٌ} تامة ليس فيها نقصان وهي القرآن {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} إذا كذّبوهم وخالفوهم. ٦{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} نسختها آية القتال {يَوْمٌ} الى يوم {يدع الداعي الى شيء نُكر} منكر فظيع عظيم وهو النار، وقيل : القيامة، وخفّف الحسن وابن كثير كافه. غيرهما مثقّل، وقرأ مجاهد (نُكِر) على الفعل المجهول أي أُنكر. ٧{خُشَّعًا} ذليلة {أَبْصَارُهُمْ} وهو نصب على الحال مجازه {يخرجون من الأجداث خشعاً} ، وقرأ ابن عباس ويعقوب وحمزة والكسائي وخلف (خاشعاً) بالألف على الواحد، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتباراً بقراءة عبداللّه وأبي رجاء خاشعة أبصارهم، وقرأ الباقون (خشّعاً) بلا ألف على الجمع. قال الفرّاء وأبو عبيدة : إذا تأخرت الأسماء عن فعلها فلك فيه التوحيد والجمع والتأنيث والتذكير تقول من ذلك : مررت برجال حسن وجوههم، وحسنة وجوههم وحسان وجوههم. قال الشاعر : وشباب حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد فمن وحّد فلأنّه في معنى الجمع، ومن جمع فلأنّه صفات، والصفات اسماء، ومن أنّث فلتأنيث الجماعة، وقال الآخر : يرمي الفجاج بها الركبان معترضاً أعناق بزلها مزجىً لها الجدل قال الفرّاء : لو قال : معترضة أو معترضات أو مزجاة أو مزجيات كان كل ذلك جائزاً. {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث } القبور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} حيارى، وذكر المنتشر على لفظ الجراد، نظيره {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} . ٨{مُّهْطِعِينَ} مسرعين منقلبين عامدين {إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} . ٩{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} أي قبل أهل مكة {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} نوحاً {وَقَالُوا مَجْنُونٌ} أي هو مجنون {وَازْدُجِرَ} أي زجروه عن دعوته ومقالته، وقال مجاهد : استطر جنوناً، وقال ابن زيد : اتهموه وزجروه وواعدوه (لئنْ لم تنتهِ لتكوننّ من المرجومين). ١٠{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ} مقهور {فَانتَصِرْ} فانتقم لي منهم. أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن يوسف، قال : حدّثنا الوفراوندي، قال : حدّثنا يوسف ابن موسى، قال : حدّثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد عن عبد بن عمير، قال : إن الرجل من قوم نوح ليلقاه فيخنقه حتى يخر مغشياً، فيفيق حين يفيق وهو يقول : رب اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون. ١١{فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} منصبّ مندفق ولم يقلع ولم ينقطع أربعين يوماً. قال ابن عباس والقرظي : منفجر من الأرض. يمان : طبق ما بين السماء والأرض. أبو عبيدة : هايل. الكسائي : سايل. قال امرؤ القيس يصف غيثاً : راح تمريه الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر وقال سلامة بن جندل يصف فرساً : والماء منهمر والشدّ منحدر والقصب مضطمر واللون غربيب ١٢{وَفَجَّرْنَا} شققنا {الأرض} بالماء {عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَآءُ} يعني ماء السماء وماء الأرض، وانما قال : التقى الماء، والالتقاء لا يكون من واحد وانما يكون من اثنين فصاعداً، لأن الماء جمعاً وواحداً. وقرأ عاصم الجحدري (فالتقى الماءان)، وقرأ الحسن (فالتقى الماوان) بجعل إحدى الألفين واواً. {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} قُضي عليهم في أُم الكتاب. قال محمد بن كعب القرظي : كانت الأقوات قبل الاجساد، وكان القدر قبل البلاء، وتلا هذه الآية. ١٣{وحملناهم على ذات ألواح} ذكر النعت وترك الاسم، مجازه : على سفينة ذات ألواح من الخشب {وَدُسُرٍ} مسامير، واحدها دسار، يقال منه : دسرت السفينة إذا شددتها بالمسامير، وهذا قول القرظي وقتادة، وابن زيد ورواية الوالبي عن ابن عباس وشهر بن حوشب : هي صدر السفينة سمّيت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجئها، اي تدفع، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، قال : الدسر : كلكل السفينة، وأصل الدسر الجر والدفع، ومنه الحديث في العنبر (إنما هو شيء دسّره البحر)، أي دفعه ورمى به، وقال مجاهد : هي عوارض السفينة. الضحّاك : ألواح جانبها، والدسر أصلها وطرفها. ليث بن أبي نجيح عن مجاهد : أضلاعها. ١٤{تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} أي بمرأى منّا. مقاتل بن حيان : بحفظنا، ومنه قول الناس للدموع : عين اللّه عليك. مقاتل بن سليمان : بوحينا. سفيان : بأمرنا. {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} يعني فعلنا ذلك ثواباً لنوح، ومجاز الآية : لمن جحد وأنكر وكفر باللّه فيه، وجعل بعضهم {مِنَ} هاهنا بمعنى (ما)، وقال معناه : جزاء لمن كان كفر من أيادي اللّه ونعمائه عند الذين غرقهم، وإليه ذهب ابن زيد، وقيل : معناه عاقبناهم للّه ولأجل كفرهم به. وقرأ مجاهد {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} بفتح الكاف والفاء يعني كان الغرق جزاء لمن يكفر باللّه، وكذب رسوله فأهلكهم اللّه. وما نجا من الكفّار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء إلى حجزته، وكان السبب في نجاته على ما ذكر أن نوحاً ج احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقلها، فحمل عوج تلك الخشبة إليه من الشام. فشكر اللّه تعالى ذلك له ونجّاه من الغرق. ١٥{وَلَقَد تَّرَكْنَاهَآ} يعني السفينة {ءَايَةً} عبرة. قال قتادة : أبقاها اللّه بباقردى من أرض الجزيرة عبرة وآية، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأُمة نظراً، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمداً. {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متّعظ معتبر وخائف مثل عقوبتهم. ١٦{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} أي إنذاري. قال الفرّاء : الإنذار والنذر مصدران تقول العرب : أنذرت إنذاراً ونذراً، كقولك : انفقت إنفاقاً ونفقة، وأيقنت إيقاناً ويقيناً. ١٧{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا} سهّلنا وهونّا {الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ} اي ليتذكر ويُعتبر به ويتفكر فيه، وقال سعيد ابن جبير : يسّرنا للحفظ ظاهراً، وليس من كتب اللّه كتاباً يقرأ كله ظاهراً إلاّ القرآن. {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متّعظ بمواعظه. أخبرني الحسن بن محمد بن الحسين، قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي، قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن راهويه قال : حدّثنا أبو عمير بن النحاس ببيت المقدس، قال : حدّثنا ضمرة بن ربيعة عن عبداللّه بن شوذب عن مطر الوراق في قول اللّه سبحانه {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} قال : هل من طالب علم فيعان عليه. ١٨-١٩{كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنّا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس} شؤم وشرّ {مُّسْتَمِرٌّ} وكان يوم الأربعاء، مستمر : شديد ماض على الصغير والكبير فلم تُبقِ منهم أحداً إلاّ أهلكته، وقرأ هارون الاعور {نَحْسٍ} بكسر الحاء. ٢٠{تَنزِعُ النَّاسَ} تقلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدقّ رقابهم، قال ابن إسحاق : لمّا هاجت الريح قام نفر من عاد سبعة يسمى لنا منهم ستّة من أشدّ عاد وأجسمها منهم : عمرو بن الحلي، والحرث بن شداد والهلقام وابناتيقن، وخلجان بن سعد فأولجوا العيال في شعب بين جبلين، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردّوا الريح عمن في الشعب من العيال، فجعلت الريح تخفقهم رجلا رجلا، فقالت امرأة من عاد : ذهب الدهر بعمر بن حلي والهنيات ثم بالحرث والهلقام طلاع الثنيات والذي سدّ مهب الريح أيام البليات وبإسناد أبي حمزة الثمالي قال : حدّثني محمد بن سفيان عن محمد بن قرظة بن كعب عن أبيه عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (انتزعت الريح الناس من قبورهم). {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ} قال ابن عباس : أُصول، وقال الضحّاك : أوراك. {نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} منقلع من مكانه، ساقط على الأرض، وواحد الأعجاز عجز مثل عضد وأعضاد، وإنّما قال : أعجاز نخل وهي أُصولها التي تقطعت فروعها، لأن الريح كانت ترمي رؤوسهم من أجسادهم، فتبقى أجسام بلا رؤوس. سمعت أبا القاسم الجنيني يقول : سمعت أبا علي الحسين بن أحمد القاضي البيهقي. يقول : سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن القاسم بن سياب الأنباري يقول : سئل المبرّد بحضرة إسماعيل بن إسحاق القاضي عن ألف مسألة هذه من جملتها، وهو أن السائل قال : ما الفرق بين قوله : {جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} و {لسليمان الريح عاصفة} وقوله : {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} و {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} ؟ فقال : كل ما ورد عليك من هذا الباب فلك أن تردّه إلى اللفظ تذكيراً، ولك أن ترده إلى المعنى تأنيثاً. ٢١{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} . ٢٢-٢٤{لقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشراً} آدميّاً واحداً منّا {نَّتَّبِعُهُ} ونحن جماعة كثيرة وهو واحد، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع، وكلا الوجهين سايغ في عايد الذكر {إِنَّآ إِذًا} إنْ فعلنا ذلك وتركنا دين آبائنا وتابعناه على دينه، وهو واحد منا آدمي مثلنا {لَّفِى ضَلَالٍ} ذهاب عن الصواب {وَسُعُرٍ} قال ابن عباس : يعني وعذاب، قال الحسن : شدة العذاب. قتادة : عناء. سفيان بن عيينة : هو جمع سعيرة. الفرّاء : جنون، يقال : ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هايمة على وجهها. قال الشاعر يصف ناقة : تخال بها سعراً إذا السفر هزها ذميل وإيقاع من السير متعب وقال وهب : وسعر : أي بعدٌ من الحق. ٢٥{الذِّكْرُ عَلَيْهِ} أأُنزل الوحي {عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} ترح مرح بطر متكبر يريد أن يتعظّم علينا بادّعائه النبوّة. وقال عبدالرَّحْمن بن أبي حماد : الأشِر الذي لا يبالي ما قال، وقرأ مجاهد {أَشِرٌ} بفتح الألف وضم الشين وهما لغتان مثل حَذِر وحَذُر ويَقِظ ويَقُظ وعَجِل وعَجُل ومَجِد ومَجُد الشجاع. ٢٦{سَيَعْلَمُونَ} غداً بالتاء شامي، والأعمش ويحيى وابن ثوبان وحمزة وغيره بالياء، فمن قرأ بالتاء فهو من قول صالح لهم، ومن قرأ بالياء فهو من قول اللّه سبحانه، ومعنى الكلام : في الغد القريب على عادة الناس في قولهم للعواقب : إنّ مع اليوم غداً، وإنّ مع اليوم أخاه غداً، وأراد به وقت نزول العذاب بهم {مَّنِ الْكَذَّابُ اشِرُ} قرأ أبو قلامة : مَن الكذاب الأشر بفتح الشين وتشديد الراء على وزن أفعل من الشر، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة. قال أبو حاتم : لا يكاد العربي يتكلم بالأشَرّ والأخير إلا في ضرورة الشعر كقول رؤبة : بلال خير الناس وابن الأخير إنّما يقولون : خير وشر. قال اللّه عز وجل {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} وقال سبحانه {بل أنتم شر مكاناً} . ٢٧{إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ} باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا {فِتْنَةً} محنة {لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ} وانتظرهم وننظر ما هم صانعون {وَاصْطَبِرْ} واصبر على ظلمهم وأذاهم، ولا تعجل حتى يأتيهم أمري، واصطبر : افتعل من الصبر، وأصل (الطاء) فيه (تاء) فحوّلت (طاء) لأجل (الصاد). ٢٨{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةُ بَيْنَهُمْ} وبين الناقة بالسويّة لها يوم ولهم يوم، وإنّما قال : بينهم؛ لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غلّبوا بني آدم على البهائم. {كُلُّ شِرْبٍ} نصيب من الماء {مُّحْتَضَرٌ} يحضره من كانت نوبته، فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم، وقال مجاهد : يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة، وإذا جاءت حضروا اللبن. ٢٩{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ} قدار بن سالف وكان أشقر؛ ولذلك قيل له : أشقر ثمود {فَعَقَرَ} فتناول الناقة بسيفه فعقرها، ولذلك سمّيت العرب الجزار قداراً تشبيها به، وقال الشاعر : إنّا لنضرب بالسيوف رؤوسهم ضرب القدار نقيعة القدام ٣٠{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} ثم بيّن عذابهم فقال عز من قائل : ٣١{إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} قرأ الحسن وقتادة بفتح (الظاء) أراد الحظيرة، وقرأ الباقون بكسر (الظاء) أرادوا صاحب الحظيرة. قال ابن عباس : هو أن الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك دون السباع، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم، وقال قتادة : يعني كالعظام النخرة المحترقة وهي رواية العوفي عن ابن عباس ورواية أبي ظبيان عنه أيضاً، كحشيش يأكله الغنم، وقال سعيد بن جبير : هو التراب الذي يتناثر من الحائط. ابن زيد : هو الشجر البالي الذي تهشّم حتى ذرّته الريح، والعرب تسمّي كل شيء كان رطباً فيبس هشيماً. ٣٢{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا} هوّنا عليهم ٣٣-٣٤{القرآن للذكر فهل من مدّكر كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبا} ريحاً ترميهم بالحصباء، وهي الحصى، وقال بعضهم : هو الحجر نفسه. قال الضحّاك : يعني صغار الحصى، والحاصب والحصب والحصباء هي الحجر الذي دون ملء الكف، والمحصب الموضع الذي يرمى فيه الجمار، وقال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب ح يقول لأهل المدينة : حصّبوا المسجد، أي صبّوا فيه الحجارة. ثم استنثى فقال : {إِلا ءَالَ لُوطٍ} أي أتباعه على دينه من أهله وأُمته {نَّجَّيْنَاهُم} من العذاب {بِسَحَرٍ} قال الأخفش : إنّما أجراه، لأنه نكرة، ومجازه : بسحر من الأسحار، ولو أراد بسحر يوم بعينه لقال : سحر غير مجرى، ونظيره قوله : {اهْبِطُوا مِصْرًا} . ٣٥{نِّعْمَةً} يعني كان ذلك أو جعلناه نعمة {مِّنْ عِندِنَا} عليهم حيث أنجيناهم وأهلكنا أعداءهم { كذلك } كما جزيناهم، لوطاً وآله {نَجْزِى مَن شَكَرَ} فآمن باللّه وأطاعه. ٣٦{وَلَقَدْ أَنذَرَهُم} لوط {بَطْشَتَنَا} أخذنا لهم بالعقوبة قبل حلولها بهم {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} فكذبوا بإنذاره شكاً منهم فيه وهو تفاعل من المرية. ٣٧{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} طالبوه وسألوه أن يخلّي بينهم وبينهم. يقول العرب : راده تروده وارتاده وراوده يراوده نظيرها {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} . {فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ} أي أعميناهم، وصيّرناها كساير الوجه لا يُرى لها شق، وذلك أنّهم لما قصدوا دار لوط ج وعالجوا بابه ليدخلوا، قالت الرسل للوط : خلِّ بينهم وبين الدخول فإنّا رسل ربك لن يصلوا إليك، فدخلوا الدار فاستأذن جبريل ربّه عزّ وجل في عقوبتهم فأذن له فصفقهم بجناحه، فتركهم عمياً يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب، وأخرجهم لوط عمياً لا يبصرون. هذا قول عامة المفسّرين، وقال الضحّاك : طمس اللّه على أبصارهم فلم يروا الرسل وقالوا : قد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا؟، فلم يروهم ورجعوا {فَذُوقُوا عَذَابِى وَنُذُرِ} . ٣٨{وَلَقَدْ صَبَّحَهُم} جاءهم العذاب وقت الصبح {بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} دائم عام استقر فيهم حتى يُقضى بهم الى عذاب الآخرة. ٣٩-٤١{فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر ولقد جاء آل فرعون النذر} يعني موسى وهارون ج. ٤٢{كَذَّبُوا بِآيَاتِنَآ } التسع {كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ} بالعذاب {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} قادر لا يعجزه ما أراد، ثم خوّف أهل مكة فقال عز من قائل : ٤٣{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَاكُمْ} الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون {أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ} من العذاب {فِى الزُّبُرِ} الكتب تأمنون. ٤٤{أَمْ يَقُولُونَ} يعني كفار مكة {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} أي جماعة لا ترام ولا تضام، ولا يقصدنا أحد بسوء، ولا يريد حربنا وتفريق جمعنا إلا انتقمنا منهم، وكان حقّه : منتصرون فتبع رؤوس الآي. ٤٥{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} قراءة العامة على غير تسمية الفاعل، وقرأ يعقوب بالنون والنصب وكسر الزاي، وفتح العين على التعظيم {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أي الأدبار، فوحّد والمراد الجمع لأجل رؤوس الآي، كما يقال : ضربنا منهم الرؤوس، وضربنا منهم الرأس، إذا كان الواحد يؤدي عن معنى جميعه، فصدق اللّه سبحانه وتعالى وعده وهزمهم يوم بدر. قال مقاتل : ضرب أبو جهل فرسه فتقدم يوم بدر في الصف وقال : نحن منتصر اليوم من محمد وأصحابه. قال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب لمّا نزلت {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} : كنت لا أدري أي جمع نهزم، فلمّا كان يوم بدر رأيت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ثبت في درعه ويقول : {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} . ٤٦{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} جميعاً {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} أعظم بليّة وأشدّ مرارة من عذاب يوم بدر. أخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا عبداللّه بن يوسف قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن زياد، قالد حدّثنا أبو مصعب قال : حدّثنا مجرد بن هارون عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (بادروا بالأعمال سبعاً ما ينتظرون هل هو إلاّ فقر منسي أو غنى مطع أو مرض مفسد أو كبر معند أو موت مجهز، والدجال شر مستطر، والساعة والساعة أدهى وأمرّ). ٤٧{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} المشركين {فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} قال الضحاك : يعني ناراً ستعرض عليهم. قال الحسين بن الفضل : إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة، وقال ابن كيسان : بُعْدٌ من الحق، وقيل : جنون، وقال قتادة في عناء وعذاب، ثم بيّن عذابهم، ٤٨فقال : {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} يُجرّون {فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} ويقال لهم : {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} وإنّما هو كقولك : ذق المر السياط. ٤٩{إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ} بالنصب قراءة العامة، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع {خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} قال الحسن : قدر اللّه لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له، وقال الربيع : هو كقوله : {قَدْ جَعَلَ اللّه لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا} أي أجلا لا يتقدم ولا يتأخر، وقال ابن عباس : إنّا كل شيء جعلنا له شكلا يوافقه ويصلح له، فالمرأة للرجل، والأتان للحمار، والرمكه للفرس، وثياب الرجال للرجال لا تصلح للنساء، وثياب النساء لا تصلح للرجال وكذلك ما شاكلها على هذا. وروى علي بن أبي طلحة عنه قال : خلق اللّه سبحانه الخلق كلّهم بقدر، وخلق لهم الخير والشر فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاوة. ٥٠{وَمَآ أَمْرُنَآ إِلا وَاحِدَةٌ} وحقّه واحد، قال أبو عبيدة هو نعت للمعنى دون اللفظ مجازها : وما أمرنا إلا مرة واحدة، يعني الساعة وقيل : معناه وما أمرنا الشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة (كن فيكون) لا مراجعة فيها. {كَلَمْحِ الْبَصَرِ} وذُكر أن هذه الآيات نزلت في القدرية. أخبرنا أبو عبداللّه الحسين بن محمد بن الحسن بقراءتي عليه في داري قال : حدّثنا الفضل ابن الفضل الكندي، قال : حدّثنا أبو عبداللّه محمد بن عبداللّه بن محمد بن النعمان قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن حفص قال : حدّثنا الحسن بن حفص قال : حدّثنا سفيان عن زياد ابن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال : جاء مشركو قريش إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يخاصمونه في القدر، فنزلت هذه الآية {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} الى آخر السورة. وأخبرنا الحسين قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا القرماني قال : حدّثنا عبد الأعلى بن حماد قال : حدّثنا المعتمر بن سليمان قال حدّثني أبو مخزوم عن سيار أبي الحكم قال : بلغنا أنّ وفد نجران قالوا : أمّا الارزاق والأقدار فبقدر اللّه، وأما الاعمال فليس بقدر، فأنزل اللّه سبحانه فيهم {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} الى آخر الآية. وأخبرنا الحسين قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا أبو حامد أحمد بن جعفر المستملي قال : حدّثنا ابن أبي العوام قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا الصباح بن سهل البصري أبو سهل قال : حدّثنا جعفر بن سليمان عن خالد بن سلمة عن سعيد بن عمر عن عمر بن زرارة عن أبيه قال : كنت جالساً عند رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقرأ : {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} الى آخر السورة فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (نزلت هذه الآيات في ناس يكونون في آخر أُمتي يكذبون بقدر اللّه). وأخبرنا أحمد بن محمد بن يعقوب بن محمويه الفقيه بالقصر قال : حدّثنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل قال : حدّثنا الحسين بن عرفه العبدي قال : حدّثنا مروان بن شجاع الجزري عن عبدالملك بن جريج عن عطاء بن أبي رياح قال : أتيت ابن عباس وهو ينزع في زمزم قد ابتلّت أسافل ثيابه، فقلت له : قد تكلّم في القدر، فقال : أو قد فعلوها؟، قلت : نعم، قال : فواللّه ما نزلت هذه الآية إلاّ فيهم {ذوقوا مسّ سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر} ، أُولئك شرار هذه الأُمة، لا تعودوا مرضاهم ولا تصلّوا على موتاهم. إنْ أريتني أحداً منهم فقأت عينيه بإصبعيَّ هاتين. وأخبرني عقيل بن محمد الفقيه أن أبا الفرج البغدادي أخبرهم عن محمد بن جرير قال : حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدّثنا هشيم قال : أخبرنا حصين عن سعيد بن عبيده عن أبي عبدالرَّحْمن السلمي قال : لمّا نزلت هذه الآية {إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} قال رجل : يا رسول اللّه ففيم العمل في شيء يستأنفه أو في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (اعملوا فكل ميسّر، سنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى). وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن الحسين بن صقلاب قال : حدّثنا أبو الحسن احمد بن محمد بن عبيد الطوابيقي قال : حدّثنا علي بن حرب الطائي قال : حدّثنا أبو مسعود يعني الزجاج. قال : حدّثنا أبو سعد عن طلق بن حبيب عن كعب قال : نجد في التوراة أن القدرية يسحبون في النار على وجوههم. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثني موسى بن محمد بن علي قال : حدّثنا عبداللّه بن محمد ابن سنان قال : حدّثنا عمرو بن منصور أبو عثمان العيسي قال : حدّثني أبو أسيد الثقفي، قال : حدّثني ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : تمارينا عند رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في القدر فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (كل شيء بقدر حتى هذه) وأشار بأصبعه السبابة حتى ضرب على ذراعه الأيسر). وأخبرني ابن السري النحوي في (درب حاجب) قال : أخبرنا محمد بن عبداللّه بن محمد العماني قال : أخبرنا عبداللّه بن احمد بن عامر قال : حدّثنا أبي قال : حدّثني علي بن موسى الرضا قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمد قال : حدّثني أبي محمد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ اللّه عزّوجل قدّر المقادير ودبر التدبر قبل أن يخلق ادم بألفي عام). وأخبرني الحسين قال : حدّثنا عمر بن احمد بن القاسم النهاوندي قال : حدّثني أحمد بن حماد بن سفيان قال : حدّثنا السري بن عاصم الهمداني قال : حدّثنا محمد بن مصعب القرقساني عن الاوزاعي عن عبده بن أبي لبابة عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن). وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال : حدّثنا زكريا بن يحيى الساجي قال : حدّثنا محمد بن المثنى قال : حدّثني إبراهيم بن أبي الوزير قال : حدّثنا مروان بن معاوية الفزاري عن سيف الكوفي عن أبي فزارة قال : قال ابن عباس : إذا كثرت القدرية بالبصرة ائتفكت بأهلها، وإذا كثرت السبائية بالكوفة ائتفكت بأهلها. وبه عن الساجي قال : حدّثنا الحسن بن حميد قال : حدّثني عبداللّه بن الحسن بن عبدالملك بن حسان الكلبي قال : حدّثني سعيد بن محمد الغساني قال : لما أخذ أبو شاكر الديصاني بالبصرة فأقرّ أنه ديصاني، وكان يجهر القول بالرفض والقدر، فقيل له : لِمَ اخترت القول بالقدر والرفض؟، قال : اخترت القول بالقدر لأُخرج أفعال العباد من قدرة اللّه، وأنه ليس بخالقها، فإذا جاز أن يخرج من قدرته شيء جاز أن تخرج الأشياء من قدرته كلها، واخترت القول بالرفض لاتصول بالطعن الى نقلة هذا الدين، فإذا بطل النقلة بطل المنقول. وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا عبداللّه بن عبدالرَّحْمن الدقاق قال : حدّثنا محمد ابن عبدالعزيز قال : حدّثنا عبداللّه بن عبدالوهاب قال : حدّثنا الدراوردي قال : قال لي أبو سهيل : إذا سلم عليك القدرية فردّ عليهم كما ترد على اليهود قل : وعليك. ٥١{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ} أشباهكم في الكفر من الأُمم السالفة ٥٢{فهل من مدّكر وكل شيء فعلوه} من خير أو شرع يعني الأشياع {فِى الزُّبُرِ} في كتب الحفظة، وقيل : في اللوح المحفوظ. ٥٣{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} منهم ومن أعمالهم {مُّسْتَطَرٌ} مكتوب محفوظ عليهم. يقال : كتبت واكتتبت وسطرت واستطرت، وقرأ واقترأت. ٥٤{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ} بساتين {وَنَهَرٍ} أنهار، ووحّده لأجل رؤوس الآي. كقوله سبحانه : {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ، وقال الضحاك : يعني في ضياء وسعة، ومنه النهار قال الشاعر : ملكت بها كفي وانهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها أي وسعت خرقها. وقرأ الأعرج وطلحة (ونُهُر) بضمتين كأنها جمع نُهار يعني لا ليل لهم. قال الفراء : أنشدني بعض العرب : إن تك ليلياً فإني نهر متى أتى الصبح فلا أنتظر أي صاحب نهار، وقال الآخر : لولا الثريدان هلكنا بالضمر ثريد ليل وثريد بالنُهُر ٥٥{فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مجلس حق لا لغو فيه ولا مأثم وهو الجنة {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر} ملك قادر و (عند) إشارة إلى القربة والرتبة. قال الصادق : مدح اللّه المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلاّ أهل الصدق. أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمد قال : حدّثنا الحسن بن علويه قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدّثنا المسيب بن إبراهيم البكري عن صالح بن حيان عن عبداللّه بن بريده أنّه قال في قوله سبحانه وتعالى : {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر} : إنّ أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى فيقرأون عليه القرآن، وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو يجلسه على منابر الدر والياقوت والزمرد والذهب والفضة باعمالهم، فلم تقرّ أعينهم بشيء قط كما تقرّ أعينهم بذلك، ولم يسمعوا شيئاً أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين، قريرة أعينهم الى مثلها من الغد. وأخبرني الحسين قال : حدّثنا سعد بن محمد بن أبي إسحاق الصيرفي قال : حدّثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثنا زكريا بن يحيى قال : حدّثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن عاصم بن ضمرة عن جابر بن عبداللّه الأنصاري قال : أتينا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يوماً في مسجد المدينة، فذكر بعض أصحابه الجنة فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن للّه لواءً من نور وعموداً من زبرجد خلقهما قبل أن يخلق السماوات بألفي عام، مكتوب على رداء ذلك اللواء : لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه، محمد خير البرية، صاحب اللواء أمام القوم) فقال علي : الحمد للّه الذي هدانا بك وكرّمنا وشرفنا، فقال له النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (يا علي أما علمت أن من أحبنا وانتحل محبتنا أسكنه اللّه تعالى معنا) وتلا هذه الآية {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر} . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجة قال : حدّثنا الحسن ين أيوب. قال : حدّثنا عبداللّه بن أبي زياد. قال : حدّثنا سيار قال : حدّثنا رياح القيسي عن ثور قال : بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون : يا أولياء اللّه انطلقوا، فيقولون : إلى أين؟ فيقولون : إلى الجنة، فيقولون : إنكم لتذهبون بنا الى غير بغيتنا، فيقال لهم : وما بغيتكم؟ فيقولون : المقعد مع الحبيب. وسمعت أبا القاسم يقول : سمعت أبا محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم البلاذري يقول : سمعت بكر بن عبدالرَّحْمن يقول : كان ذو النون المصري يحضّ أصحابه على التهجّد وقيام الليل. فإذا أحسّ منهم فتره قال : كدّوا يا أولياء اللّه، فإن للأولياء (في الجنة) مقعد صدق يكشف حجب يوم يرون الجليل حقّاً. |
﴿ ٠ ﴾